الدستور- متى سيُكتشف علاج لفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) ؟ وأين وصلت جهود العلماء والأبحاث الطبية والعلمية والتجارب المخبرية ؟ متى سيُطرح علاج فعال لإنقاذ أرواح الملايين من البشر حول العالم ؟ وهل الامل من ايجاد لقاح موجود ام لا يزال مفقود ؟ الكثير من التساؤلات نطرحها يوميا ونحن نترقب اخر مستجدات الأزمة العالمية بتفشي وباء الكورونا ، لكن القليل منا يدرك حجم المسؤولية الملقاة على كاهل العلماء بالبحوث والدراسات والتجارب المخبرية التي يجرونها على مدار الساعة ، والعبء الواقع على كاهل الدول أيضا في تخصيص مبالغ مالية لتمويل هذه الأبحاث وتطوير اللقاحات وحاجتها في ذات الوقت الى تخصيص مبالغ أخرى لإنقاذ اقتصادها من الانهيار ، بل وتواجه الحكومات مرحلة حرجة جدا وتسعى جاهدة للحد من تفشي الفيروس مما دفعها لاتخاذ أشدّ القيود والتدابير اللازمة لتخفيض وتيرة انتشاره دون إلحاق المزيد من الأضرار بأرواح الناس وبالاقتصاد .
عندما يكتشف ويطور العلماء لقاح لمرض أو وباء معين يحتاجون في العادة الى عدة سنوات ولمعرفة الأسباب في ذلك علينا فهم الديناميكية العالمية لتطوير وتسجيل ورقابة الأبحاث العلمية ونتائجها والتي تعتبر معقدة جدا نظراً لمراعاة الأخلاقيات والأعراف الطبية والعلمية والإنسانية عند إدخال عقار جديد الى الأسواق، كما أن الضمانات المالية والـتأمينية ضد الغير مطلوبة من الشركات المطورة والمصنعة للعقاقير والتي من شأنها حماية المواطنين وحقوقهم عند حدوث تأثيرات جانبية أو أضرار .
قبل البدء في صناعة عقار من الضروري أولا تحديد الجرثوم المسبب للمرض وكيفية انتقاله وتكاثره وأماكن وجوده والتركيبة الوراثية له وهنا يجب مراعاة سرعة انتشار المرض وأعراضه وكيفية تفاعل جهاز المناعة معه والفئات العمرية التي يستهدفها ومعدلات الوفاة بسببه ( case fatality rate -CFR). فبعد القيام باكتشاف التركيبة الوراثية يتم تقديم الطلبات الرسمية الخاصة بتصنيع العقار للجهات الحكومية المختصة ويتم وضع خطة علمية لمراحل البحث واثبات التأثير العلاجي للعقار ونسبة المضاعفات وشدتها . وبعد الحصول على التراخيص الحكومية اللازمة وموافقة اللجان الطبية ولجان النزاهة الطبية يتم البدء في مراحل التجربة والتي تبدأ أولا في المختبرات ومراقبة تأثير العقار على الحيوانات وأكثر الأحيان يتم اختبار القردة أو الفئران ، وبعد الانتهاء من هذه التجارب يتم البدء بالمرحلة الأولى للفحص السريري عبر اختيار عدد قليل من الأشخاص المتطوعين لتجربة العقار عليهم وتحديد الجرعة الصحيحة للعقار وتأثيراته الجانبية ومدى الأمان من استخدامه وفعاليته ، وبعد تقييم هذه النتائج يتم اختيار فئة أخرى بعدد أكبر من الأشخاص ويتم زيادة الجرعة ومعرفة عدد المرات التي يمكن تناولها من العقار واخذ قياسات لجهاز المناعة لمعرفة التأثير الأفضل للعقار وعدد الجرعات المناسبة، أما المرحلة الثالثة من تجربة العقار فتضم عدد كبير ومضاعف من الأشخاص للتأكد من سلامة العقار وألا يكون له أي خطورة أو أعراض جانبية ، وفي كل هذه المراحل يتم مراقبة الأشخاص بشكل طبي دقيق وإجراء جميع الفحوصات اللازمة لضمان سلامتهم ومعرفة تأثير ومضاعفات العقار وهذا الأمر يستغرق عادةً سنة أو أكثر لأن مراقبة هؤلاء المتطوعين تحتاج الى هذه المدة لمعرفة الأعراض سريعة الظهور أو طويلة المدى ، وبعد نجاح هذه الأبحاث يتم تقديم الطلبات للجهات المختصة للسماح بإنتاج العقار وطرحه في السوق ، وهذا يتطلب في أكثر الأحيان موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA أو USFDA) ووكالة الأدوية الأوروبية (EMA) واللتان تعتبران من أفضل مؤسسات الرقابة في العالم ولأن السوق الأوروبي والأمريكي يعد من أكبر أسواق العقاقير .
ان ما حدث الآن مع مرض كوفيد 19 بفيروسه (SARS-CoV-2) سيجعل الأمور أصعب أمام العلماء فهذا المرض الخطير انتشر بسرعة كبيرة جداً كما ويسجل كل يوم قفزة كبيرة بحصيلة ضحاياه من مصابين ووفيات خلال فترة زمنية وجيزة ، فهذا الفيروس الفتاك تجاوز كافة الحدود الجغرافية بين الدول ولا يضع لانتشاره اي اعتبارات عنصرية او إنسانية كالجنس ولون البشرة والعمر والديانة ، فمشهد نقل الجثث في الصين و ايطاليا مأساوي ومخيف للغاية بل وتسبب في حالة رعب سادت العالم أجمع في ظل تصاعد تفشي الفيروس في مختلف أنحاء العالم دون رادع ، لذا فان هذا الانتشار الديناميكي السريع يتطلب خطوات مرنة وسريعة و شجاعة في اتخاذ الإجراءات .
فهذا الفيروس الذي أثر على جميع مفاصل الحياة في جميع دول العالم وغيّر مجرى حياة الملايين من البشر لم يتم اكتشاف أي مصل او دواء فعال له حتى الآن ، لكن الأبحاث مستمرة ويعمل العلماء على قدم وساق تحت ضغط غير مسبوق في مختلف أنحاء العالم لإيجاد لقاح مضاد للفيروس ، فالتفاقم المستمرّ لحجم هذه الازمة عالمياً وارتفاع حصيلة الارواح التي يحصدها هذا الفيروس كل يوم جعل جهود العلماء وتجاربهم محفوفه بمجازفات كبيرة وهذا يتطلب بدوره المزيد من التضامن الدولي والجهد المشترك في مواجهة هذه الأزمة .
فالإجراءات الحالية والتي تتمثل بالحجر الصحي و حظر التجول صحيحة جدا ويجب على الجميع الالتزام بها لأنها الطريقة الوحيدة للوقاية وحماية الأرواح في ظل عدم توفر لقاح ولا حتى علاجات ناجحة للفيروس ولكنها للأسف مجرد خطوات دفاعية ، ويجب الآن تطوير لقاح للبدء بخطوات هجومية ضد هذا الفيروس والذي يعتبر أكبر تحدي للإنسانية بعد الحرب العالمية الثانية . هذا ونلاحظ خطوات عملية وتعاون دولي حالي لحل هذه المعضلة و خاصة بين الدول السباقة في إيجاد لقاحات مثل أمريكا ، ألمانيا ، سويسرا ، اليابان ، الصين وبريطانيا كما وتقوم منظمة الصحة العالمية بدور هام وحاسم من أجل دعم وتنظيم هذه الجهود .