الغد
هي مرحلة برزخية، والبرزخ مفردة عربية – وقد وردت في القرآن- شديدة البلاغة والدقة تحدد وصفا لتلك المنطقة بين التقاء بحرين أو نهر وبحر، منطقة عازلة وفاصلة لا يلتقي فيها ماء بماء، لكنها من ماء "انتقالي" لا هو من طبيعة ما يحده من الخلف ولا هو من مياه ما بعده، طبيعة شديدة الميوعة ومسافتها قصيرة جدا.
المرحلة البرزخية هي تلك التي نعيشها اليوم – كما كل أربع سنوات- وتغطي كامل الفترة الانتقالية من رئيس إلى من يليه في البيت الأبيض الأميركي.
Ad
Unmute
كثير من الأحداث التي تحدث "أو يمكن خلقها" في المرحلة البرزخية تلك. وما يمكن صناعته من أحداث أو وقائع على الأرض قد يكون له أثره فيما بعد.
من ملاحظات ورصد مهني عبر سنوات العمل، فإن كثيرا من الدول تنتظر تلك المرحلة البرزخية لتقوم بحركاتها المفاجئة " والمخطط لها مسبقا وبعناية" لتحريك الساكن وصناعة كل ما يمكن صناعته من ارتجاجات في السياسات الإقليمية والدولية مما يجعل لذلك أثرا لا يمكن مسحه وينعكس على الإدارة الواشنطونية اللاحقة.
أكثر دولة في إقليمنا تتقن تلك اللعبة هي تركيا التي تلعب في مساحات شاسعة من الفراغ. وكذلك إسرائيل التي تدرك حدود الفراغ في القرار السياسي الواشنطوني في تلك المرحلة فتعمل على تغيير الواقع وتصنع أساسات لواقع جديد لا يمكن إلا التعامل معه في المرحلة القادمة.
في المرحلة البرزخية السابقة من انتقال السلطة في واشنطن من إدارة "ترامب" الجمهورية إلى إدارة "بايدن" الديمقراطية على كل ما فيها من ارتباكات غير مسبوقة كانت أنقرة تثير الجلبة والضجيج في كامل منطقة شرق المتوسط، وكنا نسمع في الأخبار أكثر ما نسمع عن احتجاجات انقرة على الحدود البحرية لشمال قبرص وتحريكها لسفينة "بربروسا" للتنقيب والبحث عن الغاز، وتوترات حادة مع اليونان والاتحاد الأوروبي حول ترسيم حدود الجرف القاري.
توقف الضجيج فورا حال انتهاء الحدود البرزخية واستقرار السلطة، وكانت أنقرة فيها قد وضعت وقائع جديدة على الأرض للتفاوض حركت باقي الإقليم لننتهي ببدايات ترسيم حدود الخط 21 بين لبنان وإسرائيل كانت تتويجا لزيارات مكوكية أدارها المبعوث الأميركي " الإسرائيلي سابقا" هوكشتاين، كما كانت مثل أثر الفراشة في كل ما تلاحق بعد ذلك من احداث! فالغاز كمصدر للطاقة هو عنوان جديد لأحد اهم المتغيرات العالمية إلى جانب تكنولوجيا المعرفة ومشاريع النقل الرابط بين شرق العالم وغربه.
اليوم، نحن في المرحلة البرزخية الجديدة، والمعطيات من مصادر طاقة جديدة وتبلور مفاهيم التكنولوجيا المعرفية حد الذكاء الصناعي وثورة المعرفة وقرار دولي بطريق يربط آسيا بأوروبا والأميركيتين وتنافس تكنولوجي حاد بين الصين والولايات المتحدة، فإن تركيا وبهدوء وتخطيط مدروس أثارت الضجيج "المطلوب فعلا" في المنطقة وكانت الزناد الذي قلب وأسقط نظام دمشق بعد تمهيد "إسرائيلي" أكثر من مدروس أزاح الحرس الثوري الإيراني وكل مشتقاته عن الطريق.
السؤال من زاوية أردنية: والحال كذلك في الإقليم. ماذا يمكن أن نستفيد ونخطط لضمان مصالحنا وتثبيتها في تلك المرحلة الحرجة؟