عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Nov-2018

العالم العربي بين سندان التخاذل ومطرقة الإرهاب*إبراهيم الصياد

 الحياة-شهد العالم العربي أخيراً سلسلة من الأحداث جعلت بعضهم يقع تحت تأثير حالة من التشاؤم أو السوداوية، إذ تعرض العرب لمحاولات ابتزاز أقرب ما تكون إلى البلطجة، ومورست سياسات مع العرب بطريقة تآمرية جعلت هذا البعض يتوقع أن عام 2019 سيكون الأسوأ بالنسبة إلى العرب وفق تصوره. معنى ذلك أنه لن تجد الأزمات العربية الراهنة طريق الانفراج في المدى المنظور أو المتوسط، بل على العكس سيظل كثير من المشكلات عصياً على الحل أو حتى الحلحلة بسبب تصاعد منحنى الأطماع الإقليمية والدولية إلى سقف جديد يتخطى كل ما هو معقول أو منطقي من ناحية؛ وإصرار أطراف غير عربية على دس أنفها في الشأن العربي إلى درجة تصل إلى تهديد الأمن القومي الجماعي العربي من ناحية أخرى. على صعيد الأزمة السورية مثلاً، يتوقع المتشائمون أنها لن تصل إلى نهايتها العام المقبل بسبب الإصرار على استمرار تدويلها، وعلى جعل الأراضي السورية كعكة مشاعة لتقاسم المنافع بين الأطراف الأجنبية الموجودة في سورية، وغياب رغبة حقيقية من اللاعبين الأساسيين في الأزمة في تحقيق تسوية سياسية تضع مصلحة الشعب السوري في الاعتبار الأول.

 
 
وفي الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل إخفاق جامعة الدول العربية، في تسويق الدور العربي في أي جهود سياسية بذلت أو تبذل لوقف إراقة الدماء على التراب السوري وعودة النازحين إلى ديارهم؛ لأن التحليل الأخير يقول أن العرب تركوا الساحة خالية لأصحاب الأطماع وأصحاب المصلحة في إبقاء الوضع على ما هو عليه. أما بالنسبة إلى اليمن، فمن المتوقع أن تصبح إيران لاعباً مباشراً في تعقيد الأزمة اليمنية متجاوزة مرحلة دعم جماعة الحوثي معنوياً ولوجيستياً إلى التورط في شكل كامل في المستنقع اليمني بواسطة «الحرس الثوري»؛ مع احتمال تهديد صريح لمنطقة جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. هذا فضلاً عن استمرار أزمات داخلية في الكثير من الدول العربية الأخرى مثل ليبيا والعراق وفلسطين على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية
 
وإذا كنا نرى أن هذا التحليل الاستشرافي للأزمات العربية على المستوى الكلي فيه كثير من النظرة السوداوية للحالة العربية، خصوصاً أن نظرة واقعية إلى الأحوال العربية بلا رتوش توضح أنها لا تختلف كثيراً عن الصورة التي عرضت، وهو الأمر الذي جعل هذا الرأي يميل إلى التشاؤم في شأن الأوضاع العربية في العام المقبل. ومع ذلك، لا نتفق تماماً مع ما ذكر؛ لأننا ما زلنا نثق في القدرة على الفعل العربي، إذا توافرت إرادة سياسية حقيقية للأشقاء لتغيير هذا الواقع المؤلم. هذا ليس مستحيلاً، رغم تسليمنا بأن هناك الكثير من الأخطار التي ما زالت محدقة بخريطة العالم العربي، ومقبلة من الشرق والغرب وسيظل وفي مقدمها «التطرف والإرهاب».
 
إن مواجهة الإرهاب ضرورة؛ لأنه أكبر عامل يؤثر في استقرار الأوضاع العربية، وهذا يتطلب أن تتحول الأقوال والشعارات إلى أفعال، من خلال تعاون عربي؛ الأمر الذي يعني أهمية استيقاظ جامعة الدول العربية من غفوتها والتحرك على نحو إيجابي وفي شكل محدد بحيث يستهدف محاصرة التمدد الإرهابي في العالم العربي، بخاصة في المناطق التي تعتبر بيئات حاضنة للتنظيمات المتطرفة.
 
وفي ظل وجود أطراف أو جهات داعمة للإرهاب؛ نقول أن الخطر محدق والجميع في قارب واحد ولا توجد دولة عربية واحدة بمنأى من خطر الإرهاب. لننظر إلى الإرهاب برؤية أكثر عمقاً. إن مصدر الإرهاب ليس فقط العناصر والتنظيمات الإرهابية؛ إنما هناك نوع آخر من الإرهاب تمارسه دول على دول أخرى في المنطقة.
 
ونتساءل: أليست سياسة العصا والجزرة نوعاً من الإرهاب تمارسه الدول الغنية على الدول الفقيرة؟ أوليس الترويج للأطماع الإقليمية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول نوعاً من الإرهاب؟
 
كم كنت أنتظر أن تتحرك جامعة الدول العربية سياسياً وإعلامياً لرسم ملامح الصورة كاملة أمام الرأي العام العالمي وفضح أدوار الأطراف غير العربية في سورية، وكيف تستفيد إسرائيل من الإبقاء على الأمر الواقع في المنطقة العربية وبيان أبعاد التحرك المباشر وغير المباشر لإيران في اليمن، وأثر ذلك على الأمن القومي العربي.
 
أليس من الضروري أن تنتقل جامعة الدول العربية من حالة رد الفعل إلى حالة الفعل نفسه وتقديم البدائل المناسبة ووضعها أمام القادة العرب لاتخاذ مواقف حاسمة في مواجهة البلطجة الدولية والإرهاب بكل صوره؟
 
من غير المقبول أن تعيش المنطقة العربية «أسوأ أيامها»؛ كما يصفها بعضهم، وفي المقابل نجد صمتاً غير مبرر من الكيان الجامع للقوى العربية المتمثل في جامعة الدول العربية، حتى أصبح العالم العربي واقعاً بين سندان التخاذل ومطرقة الإرهاب في كل صوره وأشكاله!
 
* كاتب مصري