الغد-عزيزة علي
ضمن إطار التعاون بين مؤسسة ترشيد التربوية والمؤسسة العربية للدراسات والنشر؛ صدر كتاب بعنوان "التعليم الدامج للطلاب ذوي الإعاقتين: البصرية والسمعية"، لمدرسة الإعاقات السمعية والبصرية في جامعة العلوم والآداب اللبنانية، خطه المؤلف جورج الخوري، وقد جاء الكتاب في ثلاثة عشر فصلا.
يقول الخوري في مقدمته للكتاب: "إنه يعالج المسألة متنبها ضمنا ومنبها بصراحة أحيانا إلى أن تعليم الطلاب ذوي الإعاقتين السمعية والبصرية يتباين بشكل تام. فالفئة الأولى تعتمد بدرجة رئيسة، على لغة الإشارة واستخدام البصر لعدم القدرة على الاستفادة من بقية السمع غير المفيدة، أو لفقدان السمع كليا. ونحن نذكر أن أرسطو كان يعد الأذن عضو التعلم واكتساب المعرفة عند البشر متجاهلا ما يتعلمه الناس بالمحاكاة والتقليد معتمدين على بصرهم. والطلاب ذوو الإعاقة السمعية (ضعاف السمع بدرجة خفيفة)، المتمتعون بقدرة سمعية مفيدة نسبيا يحتمل أن تتحسن لديهم بشكل ملحوظ، بل وكبير بالاعتماد على السماعات وتكبير الصوت. ولعلهم يحتاجون أيضا، إلى معرفة لغة الإشارة كي يستعينوا بها لفهم بعض الأمور التي يتعذر عليهم التقاطها من خلال السمع والتمييز الدقيق بين الأصوات والألفاظ. وتفاوت درجة الإبصار، عند الطلاب ذوي الإعاقة البصرية، يجعل من المهم للمدرسين معرفة متطلباتهم واحتياجاتهم الأسياسية لجهة استخدام أدوات التكبير، وكيف يمكن للمربي والمدرسة المساعدة على تكبير الحروف الطباعية في الأوراق والكراسات المعدة مدرسيا لتعليمهم.
يقول المؤلف: "إن التعليم الدامج هو عملية تربوية تستهدف تكافؤ الفرص التدريسية للطلاب ذوي الإعاقة والطلاب غير ذوي الإعاقة. وقد بدأت عملية التعليم الدامج في الدول الصناعية في أوقات متفاوتة منذ النصف الأول من القرن العشرين الماضي، والتعليم الدامج يعني تقديم المادة التدريسية إلى الطلاب جمعيا في الصف الواحد بالطريقة نفسها وبالتعديلات الضرورية لتقريب المعلومات والمفاهيم، مع الأخذ بالحسبان حاجات الطلاب ذوي الإعاقة ومتطلباتهم، تماما كما هي الحال مع الطلاب الموهوبين والطلاب ذوي الإعاقات والصعوبات التعلمية". واحتياجات الطلاب ذوي الإعاقتين الحسيتين المعنيتين متعددة ومتباينة.
ويشير الخوري، إلى أن الطلاب ذوو الإعاقة السمعية بحاجة إلى مترجمي لغة الإشارة حتى يتابعوا الدروس، وإلى "مدرسي الظل" حتى يساعدونهم في استيعاب الدروس عموما، وبصورة خاصة في تعلم بعض المفاهيم الصعبة والمجردة المحتمل أن تكون أحيانا سابقة لعمرهم العقلي، ولا سيما أن الإعاقة الحسية قد تشكل عاملا مساعدا في إبطاء عملية لحاق الطفل ذي الإعاقة البصرية أو السمعية بمستوى العمر العقلي، لأقرانه من غير ذوي الإعاقة. وإن كان يمكن التغلب بشكل تام -أو حتى شبه تام- على هذه المشكلة بتقريب المواد الدراسية تدريجيا وبالتبسيط بمعنى التسهيل أولا ثم التحقق من اكتساب المعرفة الدقيقة للمفاهيم بواقعها لاحقا من دون الاعتماد أحيانا على "مدرسي الظل" ليلقنوا الطلاب ذوي الإعاقة السمعية خصوصا المواد.
ويرى المؤلف، أن الطلاب ذوو الإعاقة البصرية، احتياجاتهم مختلفة؛ تتمثل في الكتب المعدة بالخط النقطي البارز، "خط برايل"، أو أدوات التكبير ومعداتها من نظارات وعدسات طبية أو أجهزة إلكترونية. ويحتاجون أيضا إلى توافر مجسمات للأشكال الهندسية والحيوانات وغيرها، حتى يتعرفها الطلاب المكفوفون وضعاف البصر. وربما احتاج بعضهم أحيانا إلى مساعدة "مدرسي الظل"، أو تدخل المدرس المتجول. ما يستدعي تعلمهم الدامج تدريسهم القراءة والكتابة بخط برايل، وتدريبهم تاليا على استخدام الحاسوب، اعتمادا على شاشة العرض بخط برايل، أو الاستعانة بالبرمجيات الصوتية الناطقة القارئة للشاشة، إضافة إلى تدريبهم على المشي والتنقل بالاعتماد على العصا البيضاء. على أن يجري ذلك إما في حصص إضافية ترتب خارج الدوام المدرسي بصورة منفصلة، وإما في أثناء ساعات التدريس العادية، مع إتاحة المجال لهم حتى يتابعوا تلقي الدروس داخل قاعة صفهم الدامج، وإما في أثناء حصص إضافية قصيرة ضمن الدوام، مع متابعة حثيثة من المربين في غرف الدرس أو غرف المصادر.
ويوضح الخوري، أن غرف المصادر ليست سوى قاعات متفاوتة الحجم تفرزها الإدارة في المدارس غير المتخصصة. أما الهدف منها، فهو إتاحة حيز لتأمين تعليم إضافي مساعد للطلاب ذوي الإعاقتين الحسيتين، مع توفير بعض المواد الأساسية مثل، الآلات الكاتبة بخط برايل، وبعض المعاجم والخرائط والكتب المدرسية بالخط النقطي البارز. إلى جانب بعض ما قد يتطلبه أحيانا التلاميذ ذوو الإعاقة السمعية أيضا، وغرف المصادر من التجهيزات النادرة، بل والغائبة - بصورة شبه تامة- عن معظم المدارس الدامجة، على الأقل، في معظم البلدان العربية، التي يتناول الكتاب عملياتهم للدمج العام الشامل، حسب التقارير المرفوعة من جهة جمعيات الأشخاص ذوي الإعاقة للمساعدة في تقرير الإعاقة الإقليمي العربي للعام 2020، أو في التقارير الموازية المرفوعة أحيانا إلى لجنة اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
ويشير، إلى أنه في ندوة افتراضية عقدها المكتب الإقليمي لليونسكو للمراجعة والتقويم من جانب القطاع التربوي الحكومي والأهلي في أواخر خريف العام 2022، كان المندوب الفلسطيني هو الوحيد الذي تحدث عن تأمين مئات غرف المصادر في المدارس بمناطق السلطة الوطنية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وكان لافتا أن أي ممثل لوزارات التربية والتعليم في الدول العربية الأخرى المشاركة لم يذكر هذا التعبير، ومنها بلدان نفطية غنية، وأخرى تنشط فيها المدارس الأهلية والحكومية بالمعنى الحديث منذ ما يزيد على قرن كامل، كما في مصر وفلسطين وتونس والجزائر والسودان.
ويتابع الخوري، يساعد توفير هذه المتطلبات والاحتياجات في غرف المصادر، مع "مدرسي الظل" والمدرسين المتجولين، على إتمام عملية التعليم الدامج بسلاسة وسهولة مقبولتين حقا. ولا يغيب عن البال، أن هذا النوع من التعليم يستدعي من المربي المعني زيادة الاهتمام بمعرفة قدرة طلابه ذوي الإعاقة على الاستيعاب، وبطرائق تفاعليهم بالشكل الصحيح مع مسار العملية التعلمية. صحيح أن المربي ليس ملزما بتعلم لغة الإشارة، ولا بقراءة خط "برايل"، إلا أن معرفته الأولية بلغة الإشارة تعد من الأدوات المساعدة على تطوير تعاطيه مع طلابه ذوي الإعاقة السمعية.
أما تعاونه مع مدرس القراءة والكتابة بخط برايل، فيعينه على ضبط المسيرة التعلمية للطلاب ذوي الإعاقة البصرية، ولا سيما المكفوفين كليا. وتعرف هذه الإمكانات يتطلب صبرا وجلدا وإتقانا لمهارة التمييز والتحديد، مع التمتع بذاكرة جيدة تحفظ خصائص كل طالب على حدة، قبل تدوين ذلك كله وإذا استدعى الأمر تدوين ملاحظات تفصيلية عن وضع كل طالب ذي إعاقة، وعن مستوى نموه الأكاديمي والمهاري وسرعته على مدار السنة الدراسية.