عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Apr-2025

«إسرائيل» على شفا الهاوية*إسماعيل الشريف

 الدستور

«إننا في بداية نهاية المشروع الصهيوني، وهي مرحلة طويلة وخطيرة. لا نتحدث عن المستقبل القريب، بل عن المستقبل البعيد.» – إيلان بابيه
 
يُعد المؤرخ إيلان بابيه من أبرز الفلاسفة اليهود المعروفين بمواقفهم النقدية تجاه الصهيونية وسياساتها بحق الفلسطينيين. وهو أحد رواد «المؤرخين الجدد» في الكيان الصهيوني، وهي مجموعة من الباحثين الذين أعادوا النظر في الرواية الصهيونية الرسمية للصراع العربي–الإسرائيلي، مستندين إلى وثائق تاريخية إسرائيلية رُفعت عنها السرية.
 
حصل بابيه على درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد ودرّس في جامعة حيفا، لكنه واجه ضغوطًا شديدة بسبب آرائه السياسية، ما دفعه إلى الهجرة من فلسطين المحتلة عام 2007. وهو يعمل حاليًا أستاذًا في جامعة إكستر البريطانية.
 
من أبرز أفكاره أن النكبة عام 1948 لم تكن مجرد نزاع مسلح، بل كانت عملية تطهير عرقي ممنهجة تهدف إلى منع قيام دولة فلسطينية إلى جانب الكيان. كما يرى أن المشروع الصهيوني هو مشروع استعماري لا يمكن أن يتعايش مع حقوق الفلسطينيين في أرضهم. ويؤمن بحل الدولة الواحدة التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات. وله العديد من المؤلفات التي تفند الرواية الصهيونية وتكشف عن طبيعتها الاستعمارية والاستيطانية.
 
من بين تنبؤاته التي تحققت، الانقسامات العميقة داخل المجتمع الصهيوني وتصاعد المقاومة الفلسطينية. وقد شبّه «طوفان الأقصى» بزلزال يضرب مبنى قديم، قد يؤدي إلى انهياره. ويستدل على ذلك بعدة شواهد، منها تفكك المجتمع الصهيوني، والأزمة الاقتصادية، والعزلة الدولية، وضعف الجيش، وتجدد طاقة الشباب الفلسطيني.
 
شاهدتُ قبل أيام مقابلة له مع «الانتفاضة الإلكترونية» على يوتيوب، وقد أدرجتُ رابطها أسفل المقالة. في هذه المقابلة، يشير بابيه إلى وجود صراع داخلي في «إسرائيل» بين فئتين: الفئة الأولى، التي يسميها «دولة إسرائيل»، تمثل التيار العلماني الذي أسس الكيان ويسعى إلى فصل الدين عن الدولة مع الحفاظ على الطابع الديمقراطي الشكلي. ورغم أن معظم أفراده يؤيدون المشروع الاستيطاني والإبادة الجماعية، فإنهم يتسترون بطبقة رقيقة من الليبرالية في محاولة لجعل المشروع الاستعماري يبدو أكثر تنويرًا. وهذا ما يجعلهم يمقتون نظراءهم المتدينين، الذين لا يخفون نواياهم في قتل جميع الفلسطينيين وطردهم من أرضهم، ويطلق عليهم اسم «دولة يهوذا».
 
وقد أدى هذا الانقسام، إلى جانب سيطرة المتدينين، إلى موجة هجرة عكسية من قبل العلمانيين. إلا أن هذه الهجرة لا ترتبط برفضهم للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين أو اعتراضهم على المشروع الاستعماري، وإنما تنبع من رفضهم للعيش في دولة دينية.
 
يتحول الكيان تدريجيًا إلى «دولة يهوذا»، وهي دولة تحكمها قوى متطرفة، وكأي حركة متطرفة، تواجه فشلًا كبيرًا في إدارة الحكم. وحتماً، ينهار نظامها تحت وطأة الفوضى والتناقضات الداخلية، بعد عجزه عن تحقيق أهدافه، وما يرافق ذلك من معاناة كبيرة في سبيل تلك الأهداف. وفي النهاية، تسقط هذه الدولة مخلفةً دمارًا هائلًا.
 
بالنسبة له، هذه النبوءة ليست دينية، بل تستند إلى العديد من الشواهد التاريخية التي تؤيدها. ومع ذلك، يُحذّر بابيه من الاحتفال المبكر.
 
ويتحدث عن مستقبل الصهاينة، موضحًا أن وجودهم يعتمد بشكل أساسي على الأموال والمساعدات الأمريكية. ومع ذلك، فإن ثقة المجتمع الصهيوني بالدولة تتراجع، خاصة مع فشل جيشها في مواجهة حروب العصابات. كما يشير إلى أن أي محاولة لفرض دولة يهودية حصرية على العالم هي مسعى محكوم بالفشل.
 
يعتقد الصهاينة أن وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في دول العالم، كما حدث مع الرئيس ترامب، يصب في مصلحتهم ولا يدعو للقلق، وهو ما يصفه بابيه بـ»الوهم البصري». لكن مع مرور الوقت، سيضعف الدعم الذي يتلقونه، في حين أصبحت أنظمة اليسار الوسط، مثل بريطانيا، التي تدعم إسرائيل، مكشوفة ومتواطئة مع الاستعمار والإبادة الجماعية.
 
وفي حين تبذل جماعات الضغط الصهيونية جهودًا لضمان استمرار هذا الدعم، إلا أنه محكوم عليه بالفشل، إذ نشهد اليوم انهيار النظام الاستعماري القديم، وليس في فلسطين وحدها.
 
ويعتقد بابيه أنه لكي تنجح حركات المقاومة الفلسطينية، يجب أن تكون موحدة وتعمل تحت مظلة واحدة.
 
كما يتحدث عن كتابه الجديد، المقرر صدوره في أيلول القادم، تحت عنوان «إسرائيل على شفا الهاوية» (Israel on the Brink). يتناول في كتابه مستقبل «إسرائيل» بعد مرور مئة عام على قيامها، متنبئًا بانهيار المشروع الصهيوني وتحوله إلى دولة واحدة تشمل كامل فلسطين التاريخية.
 
ويشير إلى أن هذا التحول سيأتي بعد ثماني ثورات ضد النظام الصهيوني الديني الذي سيواجه الانهيار. وتشمل هذه الثورات: حق العودة، إعادة تعريف الهوية اليهودية، مستقبل المستوطنات داخل الضفة الغربية، وإعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية.
 
ويؤكد أن الفلسطينيين لن يحركهم الانتقام، بل سيكرسون جهودهم للبناء، مع التركيز على قضايا التعويضات. أما اليهود المتعصبون، فسيغادرون فلسطين، إذ لا يمكنهم تقاسم البلاد مع غيرهم.
 
لا شك أن طوفان الأقصى قد كشف عن هشاشة الكيان واعتماده المطلق على الولايات المتحدة، كما عمّق حالة الانقسام داخل المجتمع الصهيوني، وأفرز جيلًا جديدًا من المقاومة الفلسطينية العنيفة.
 
وأعتقد أننا جميعًا متفقون على أن زوال الكيان حتمي، لكن يبقى الاختلاف فقط في توقيت هذا الزوال.