عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Sep-2025

ما قبل العاصفة العظمى*جمال الكشكي

 الغد

الزمان، العاشر من سبتمبر 2025، والمكان، ولاية يوتا الأميركية، تحديدا في جامعة يوتا فالي، دوت رصاصة قنّاص اخترقت عنق الناشط الجمهوري الشاب تشارلي كيرك، البالغ من العمر واحدا وثلاثين عاما، المعروف بدعمه الصريح للرئيس دونالد ترامب، فسقط قتيلا على الهواء مباشرة.
 
 
ترامب وصفه بالعظيم والأسطوري، مؤكدا أن اغتياله ليس حادثا عابرا، إنما اغتيال سياسي مدبر على يد اليسار الراديكالي والليبرالي، متوعدا بملاحقة المنفذ وممولي العملية الخطيرة.
كيرك كان يتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة تضم أكثر من سبعة ملايين متابع، معظمهم من القاعدة الانتخابية لترامب. 
ويقال إن الحزب الجمهوري كان يهيئه ليكون المرشح الأبرز لمنصب نائب الرئيس في الانتخابات المقبلة، إلى جانب النائب الحالي جي دي فانس، الذي من المرجح أن يخوض السباق الرئاسي القادم.
قبل الحادث بيوم واحد فقط، في التاسع من سبتمبر، ارتكب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حماقة وصفت بالكارثية، قد تغيّر قواعد اللعبة في المنطقة: فقد شن عدوانا عسكريا على دولة قطر العربية، في خرق فاضح لسيادتها، رغم أنها حليف وثيق للولايات المتحدة، ووسيط رئيسي في محاولات وقف الحرب في غزة!
 نتنياهو برر عدوانه بالقول إن قطر تؤوي إرهابيين، مدعيا أنه لم يفعل سوى ما فعلته أميركا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، التي تصادف ذكراها بعد يومين من العدوان الإسرائيلي على الدوحة، أهي مجرد مصادفة؟
ترامب سارع إلى نفي علمه المسبق بالعملية أو وجود أي تنسيق حولها، لكن سواء علم أم لم يعلم، فإن الضربة مثلت فاصلًا زمنيا بين ما قبل وما بعد، أشبه باغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند عام 1914، من قبل تنظيم اليد السوداء المعبر عن البوسنة الشابة آنذاك، ذلك الاغتيال الذي فجر الحرب العالمية الأولى، أو اشبه بغزو ألمانيا لبولندا عام 1939 والذي أشعل الحرب العالمية الثانية.
في الوقت ذاته، كانت إسرائيل قد صعدت عملياتها العسكرية في سورية، بين حمص واللاذقية، واحتكت مع تركيا، فيما واصلت مجازرها في فلسطين وسعيها إلى إنهاء وجود السلطة الفلسطينية، فضلا عن القصف المتكرر في اليمن والعمليات السرية ضد إيران.
وعلى خط آخر، شهدت بولندا حادثا غامضا اتهمت فيه روسيا بإرسال طائرات مسيّرة اخترقت أجواءها، مما استدعى استنفارا واسعا داخل حلف الناتو.
هكذا تداخلت المشاهد المتسارعة: اغتيال كيرك الذي أعاد إلى الأذهان اغتيال مارتن لوثر كينج وجون كينيدي، مع التصعيد الإسرائيلي في الخليج وبلاد الشام، والتوتر الروسي الغربي في أوروبا الشرقية. 
كلها شواهد تؤكد أن العالم يقف على عتبة عاصفة كبرى، تتبدى فيها إسرائيل بوصفها الخيط الناظم للأحداث.
ولا شك أن منطقة الخليج، التي تحولت إلى نموذج عالمي في التنمية الاقتصادية، ومصدر إعجاب بما حققته من رفاه لشعوبها، ستجد نفسها مضطرة إلى إعادة ترتيب أوراقها الإستراتيجية، بعد أن باتت أهدافها عرضة لصراعات القوى الكبرى.
في المقابل، مثل اغتيال كيرك صدمة داخل الولايات المتحدة، وفتح الباب أمام موجة جديدة من العنف السياسي غير المسبوق. فقد نعاه ترامب وأوباما وبايدن، وأقطاب الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بينما صوره الإعلام الأميركي كرمز أسطوري لدى أنصاره.
 ومع تهديد ترامب بملاحقة الجهات التي تقف وراء الاغتيال، بدت الأزمة السياسية الأميركية في طريقها إلى مزيد من الاستقطاب، خاصة أن كيرك كان يرفع شعارات مثيرة للجدل، مثل الدفاع عن العرق الأبيض، والهجوم على أوكرانيا، والدعم المطلق لإسرائيل، وقد يتوزع دمه بين أكثر من جهة.
ورغم أن حماقة نتنياهو في قطر قد تكون أخطر تداعيات المشهد الراهن، فإن اغتيال كيرك خطف الأضواء عالميا، وتصدر عناوين كبريات الصحف على ضفتي الأطلسي.
من قلب هذه اللوحة الضبابية، التي بلغت ذروتها بخطوة نتنياهو المتهورة، تلوح فرصة نادرة للعرب: إعادة صياغة معادلة الأمن القومي من داخل البيت العربي نفسه. فالعالم يتجه نحو جنون العاصفة العظمى، ولا يملك القدرة على تجنبها إلا من يصنعون نواة صلبة قادرة على كبح الانزلاق الكبير. وربما، في عمق هذه الكارثة القادمة، تكمن المنفعة الخفية.