الدستور
«تمر الحقيقة بثلاث مراحل: أولًا، يُسخر منها. ثم تُواجَه بعنف. وأخيرًا، تُقبل كأمر مسلَّم به.» – آرثر شوبنهاور.
في الحروب، تُحدَّد أهدافٌ معلنة لإضفاء الشرعية وحشد الرأي العام، بينما تُخفى الأهداف الأخرى التي قد تكون الدافع الحقيقي وراء الحرب.
في عام 2003، تم الترويج بأن الحرب على العراق تهدف إلى جعله واحةً للاستقرار ونموذجًا للديمقراطية في المنطقة، إضافةً إلى مكافحة الإرهاب وتفكيك ترسانته من أسلحة الدمار الشامل. لكن الهدف الحقيقي كان نهب النفط العراقي وإضعاف واحدة من كبرى الدول العربية، تمهيدًا لتنفيذ مخططات لم يكن لها أن تنجح في ظل وجود عراقٍ قوي.
وبالمثل، بعد طوفان الأقصى، حدَّد الكيان الصهيوني والولايات المتحدة أهدافهما من الإبادة الجماعية، مثل القضاء على حماس، وتحرير المحتجزين، ومكافحة الإرهاب، وإضعاف النفوذ الإيراني، وتحسين حياة المواطنين في غزة، وتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة. لكن الأهداف الخفية لهذه الإبادة لم تُعلن صراحةً،
الأهداف التي لطالما كانت تُطرح في إطار التكهنات، أو تُصنف أحيانًا ضمن نظريات المؤامرة. تهجير سكان غزة والسيطرة عليها، ليس كهدف معزول، بل لتحقيق استراتيجيات أوسع، من بينها:
-إيجاد بديل لقناة السويس: تُعد قناة السويس أحد أهم المفاتيح في مشروع «طريق الحرير»، حيث تمر عبرها نسبة كبيرة من التجارة الصينية المتجهة إلى أوروبا. ومن خلال سيطرتها على غزة، يمكن تنفيذ مشروع «قناة بن غوريون»، التي ستربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر، لتكون بديلًا لقناة السويس، مع تصميم يجعلها أوسع وأعمق، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للممر التجاري الصيني عبر مصر.
-زعزعة استقرار الموانئ الإقليمية التي استثمرت فيها الصين، مثل ميناء حيفا وميناء الدقم في عُمان، عبر خلق حالة من الاضطراب تدفع الشركات الكبرى إلى تقليل اعتمادها على طرق الملاحة الصينية.
-تشديد الضغط على الدول العربية الحليفة للصين، عبر اتباع سياسة العصا والجزرة، لإجبارها على إعادة النظر في علاقاتها الاقتصادية مع بكين.
-استهداف المبادرات اللوجستية الصينية في أفريقيا، حيث تعتمد الصين على الموانئ الأفريقية كجزء من استراتيجيتها لنقل البضائع إلى أوروبا. ومن خلال زعزعة الاستقرار في مناطق نفوذ الصين، يمكن تعطيل بعض مسارات مشروع «طريق الحرير».
-السيطرة على احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي قبالة سواحل غزة، لا سيما حقل «غزة مارين»، الذي تُقدَّر احتياطياته بـ1.1 تريليون قدم مكعب، وهو ما يكفي لتلبية احتياجات الأراضي الفلسطينية لمدة لا تقل عن خمسة عشر عامًا، مع إمكانية التصدير.
-إضعاف الدور المصري اقتصاديًا وسياسيًا، من خلال ضرب المصالح الاقتصادية الحيوية لمصر وتقليل نفوذها الإقليمي.
-تصفية القضية الفلسطينية وفصل غزة نهائيًا عن الضفة الغربية، إذ كان أحد أهداف تمرير «صفقة القرن»، التي سعت إلى تفتيت القضية الفلسطينية وتحويلها إلى مسألة إدارية واقتصادية بحتة، بدلًا من كونها قضية حقوق وطنية. وهذا من شأنه تكريس واقع يجعل أي حديث عن دولة فلسطينية مستقلة أمرًا مستحيلًا.
-تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، والقضاء تمامًا على محور المقاومة، كجزء من الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية لكسر موازين القوى الإقليمية.
عزيزي القارئ، لا تستهِن أبدًا بنظريات المؤامرة، فما بدأ همسًا حول أهداف الإبادة الجماعية في غزة، تحول إلى صراخٍ لا يقبل الجدل. ولهذا، فإن هذا المخطط بالغ الخطورة، ويمثل تهديدًا جسيمًا لجميع دول المنطقة، ولن يتم إفشاله إلا بموقف عربي حازم.