عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Nov-2019

نتنياهو عدو العبقرية اليهودية - رامي لفني

 

هآرتس
 
من بين الاضرار الكبيرة التي تسبب بها بنيامين نتنياهو للمجتمع الاسرائيلي، الاخطر من بينها هو العمى المتعمد الذي سلكه تجاه الفلسطينيين. نتنياهو لم يفهم في أي يوم الفلسطينيين، ايضا بسبب عدم قدرته على فهم الآخر، أي آخر. وايضا بصورة متعمدة بسبب مصالحه السياسية.
إن عدم الفهم لم يبقه لنفسه، بل قاد حملة تجهيل مستمرة هدفها أن يجتث من وعي الجمهور كل آثار للتفكير العقلاني، الذي يرتكز الى الحقائق في موضوع النزاع. هذا الجهد نجح نجاحا باهرا: بعد اكثر من 13 سنة لنتنياهو، فإن الاسرائيلي العادي يشاهد التلفزيون ولا يميز بين يمينه ويساره، ولا يهتم بالفرق بين حماس والجهاد وفتح، حيث إنهم جميعا “نفس الشيء”، وهو يمل من المناورات السياسية الضعيفة للفلسطينيين ضد الاحتلال، الذي لم يعد يتذكر وجوده، وبالتأكيد غير قادر على أن يصوغ لنفسه فهما مستقلا ومنفصلا عن الدعاية الحكومية.
هكذا يوجه نتنياهو القطيع، الذي آمن جزء منه ذات يوم بالسلام وخرج للتظاهر من أجله، الذي يشمل ايضا عددا غير قليل من الشرقيين والخبراء والمراسلين للشؤون الامنية وشؤون الشرق الاوسط، الذين كما يبدو المعلومات توجد لديهم، حيث إنه ليس النقص في المعلومات المتاحة هو اساس المشكلة، وحتى ليس الصقورية الزائدة أو الخلل في معايير الاخلاق. اساس الموضوع هو عدم الرغبة في الاصغاء ووضع نفسك في حذاء الآخر من خلال سياقه. إن التعامل مع وجهة النظر الفلسطينية يجب أن ينبع ليس فقط من حساسية غيرية بالتحديد، بل من دوافع نفعية قبل أي شيء آخر: اذا لم تقم بالاصغاء للطرف الآخر فأنت لن تتعامل بجدية مع اقواله، وتستطيع الاعتماد فقط على مواقفك المسبقة، التي هي دائما ناقصة.
نتنياهو لم يقم باختراع العمى تجاه الفلسطينيين بشكل خاص، والعرب بشكل عام، أو التحلل النشط للرأي العام، فقد سبقه تقريبا جميع رؤساء الحكومات في ذلك، ومنهم نذكر غولدا مئير التي رفضت تحسسات السلام لمصر بذريعة أن أنور السادات غير مستعد لاتفاق، وحصلت على حرب يوم الغفران واتفاق سلام بعد بضع سنوات. واهود باراك الذي تفاجأ عندما لم يوافق ياسر عرفات على اقتراحاته في موضوع القدس وعمق الانسحاب، وهي اقتراحات كان يمكننا أن نعرف مسبقا بأن الفلسطينيين لا يمكنهم الموافقة عليها. وردا على ذلك قال باراك جملة “لا يوجد شريك”، وأقنع بسهولة اليمين واليسار، وحصل على الانتفاضة الثانية وعقدين من الجمود.
ولكن نتنياهو تفوق عليهم جميعا. بالنسبة له الفلسطينيون هم فقط دمى في الكابوس اليهودي. لذلك، لا يوجد أي سبب للتعمق في الفجوات الداخلية بينهم أو التغيرات التي حدثت في مواقفهم طوال الوقت. كل اقوالهم وافعالهم هي تغطية على خططهم الخبيثة. وحسب رأيه، العامل الوحيد المهم في المواجهة مع الفلسطينيين هو القوة. صحيح أن أهمية القوة هي عبرة هامة ومبررة ولا مثيل لها، وأن الشعب اليهودي تعلم من تاريخه الحزين، لكن رؤيته كمؤشر على أي شيء في العلاقات بين الشعوب دون الاخذ في الحسبان لعناصر اخرى مثل المصالح القومية والرؤيا والاعتبارات السياسية والقيود الدولية، هي أمور غير منطقية.
نتنياهو اخطأ وضلل بشكل متعمد مرة تلو الاخرى. لقد صور القيادة الفلسطينية الحالية كقيادة حربية ورافضة للتسوية، في الوقت الذي تظهر فيه الحقائق بصورة قاطعة أن الرئيس محمود عباس ومحيطه يملكون المواقف الاكثر اعتدالا ومواقف الحد الادنى التي كانت ذات يوم في المعسكر الفلسطيني. لقد حول طلب الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية الى اثبات قاطع على تمسكه بمؤامرتهم لتدمير الصهيونية. كل ذلك في الوقت الذي فيه مصر والاردن اللتان وقعتا على اتفاق سلام مع اسرائيل، لم يطلب منهما هذا الاعتراف. والفلسطينيون انفسهم اعترفوا في السابق باسرائيل رسميا في العام 1993. لقد نشر الاعتقاد بأن الفلسطينيين يريدون القضاء على اسرائيل من خلال حق العودة، رغم أن كل شخص غير منحاز يمكنه أن يفهم من موافقتهم على المبادرة العربية والتصريحات المتكررة الاخرى لزعمائهم بأنهم تنازلوا فعليا عن عودة اللاجئين.
من يؤمن بالعقلانية ويعتقد أنها مفتاح مهم للسياسة، لا يمكنه أن يغفر لنتنياهو. فهو عدو للعبقرية اليهودية. ونحن سنحتاج الى سنوات من اجل اصلاح الاضرار التي تسبب بها.