عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-May-2019

اتفاقية بِكْفَيَّا.. إصرار شارون ومراوغة بشير - هيثم الجرو
لم تكن الرسائل التي استلمها ياسر عرفات من جوني عبده -رئيس المخابرات اللبنانية وقتها- قبيل رحيله عن بيروت بساعات، بذات الأهمية التي تحملها رسائل بشير الجْمَيّل الذي كان على وشك استلام مهامه كرئيس للجمهورية اللبنانية، إذ أكد بشير أن الفلسطينيين الموجودين في لبنان هم في عهدته وحمايته، وهنا نتساءل؛ هل كان بشير صادقاً بتعهداته لعرفات اتجاه المدنيين الفلسطينيين؟ أم أن الموت كان أسرع منه فَغيبَهُ عن الحياة قبل إتمام ما عزم عليه؟
 
ففي الوقت نفسه كان الإسرائيليون قد أوفوا بتعهداتهم بتصفية الوجود الفلسطيني في لبنان، وجاء الدور على بشير ليوفيّ هو كذلك بتعهداته إليهم، وعلى هذا الأساس ففي 9 أيلول عام 1982 عُقد اجتماع مناحيم بيغن وبشير في مدينة نهاريا شمال إسرائيل، وقد شاركهم كُلًا من شارون وقائد مليشيات الكتائب فادي أفرام، وحسب مذكرات شارون كان الاجتماع عاصفاً بين بيغن وبشير، بسبب اقتراح الأخير تأجيل التوقيع على معاهدة "صلح وسلام" مع إسرائيل، إلى حين توفر المعطيات التي تسمح بها الأوضاع السياسية في لبنان، واقترح بدلاً عن ذلك عقد اتفاق "عدم اعتداء"، مما أثار غضب بيغن ودفعه للصراخ في وجه بشير، وقد وصلت المشاحنة بينهم إلى حد الإهانة الشخصية.
 
 
استمرت المجزرة الوحشية التي ارتكبتها المليشيات الكتائبية بحق الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشتيلا لأكثر من 38 ساعة متواصلة، وقد قُتل أثناء المجزرة حسب أرقام الصليب الأحمر اللبناني ما بين 4000-4500 ضحية
وعلى إثر فشل اجتماع نهاريا، حاول شارون أن يلطف الجو، ويزيل جبل الجليد الذي تشكل عُقبه، وعليه ففي 12 أيلول قام شارون برفقة عدد من الضباط الإسرائيليين بزيارة آل الجْمَيِّلْ في بلدة "بِكْفَيَّا" واقترح شارون على بشير خطة تقضي بدخول القوات الإسرائيلية لبيروت الغربية، وتطهيرها وتجريد القوى الوطنية من أسلحتها، على أن تتولى الميليشيات الكتائبية مهمة تنظيف المخيمات الفلسطينية من فلول فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، فشرط بشير أن يتم التنفيذ بعد استلام مهامه كرئيس للجمهورية اللبنانية، وكذلك بعد رحيل القوات الدولية عن لبنان، وعرف هذا الاتفاق باسم "اتفاقية بِكْفَيَّا".
 
ولم يمر سوى يومين على اتفاقية بِكْفَيَّا حتى وقع حادث غاية في الأهمية كاد أن ينسف الاتفاق ويجعله حبراً على ورق، إذ دوى انفجار كبير في بيت الكتائب بالأشرفية أثناء إلقاء بشير خطاباً أمام حشد كبير من قيادات مسؤولي حزب الكتائب، وعلى إثر الانفجار انهار المبنى الكتائب المُكوّن من ثلاثة طوابق، وقُتل عدد كبير من المتواجدين في داخله، ومن ضمنهم بشير الجْمَيّلْ نفسه. رأى شارون عُقب اغتيال بشير أنه إذ لم يذهب بنفسه على وجه السرعة لتقديم التعازي إلى آل الجْمَيّلْ والتأكُد من أن اتفاقية بِكْفَيَّا سارية المفعول، فلربما تصبح اتفاقية بَكْفَيَّا بخبر كان، ويُصبح تصفية فلول فصائل منظمة التحرير الفلسطينية أمراً صعب المنال، خاصة أن عملية تطهير بيروت الغربية ومخيميّ صبرا وشاتيلا قد تجرُ الجيش الإسرائيلي لحرب شوارع سوف تُكَبِدَهم خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات وهم بغنى عنه في حال مشاركة المليشيات الكتائبية بها، وقد حصل شارون على مراده أثناء تقديمه التعازي بمقتل بشير، إذ أكد له بيار الجْمَيّلْ المفجوع بمقتل ابنه على ما تم الاتفاق عليه في بلدة بَكْفَيَّا.
 
وحسب مذكرات عن وزارة الدفاع الإسرائيلية فإن الحكومة الإسرائيلية تخوفت عقب اغتيال بشير؛ بأن لا يفي الكتائبيون بالوعود والاتفاقيات التي وقعت في وقت سابق مع بشير، خاصة ملاحقة فلول فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت الغربية، إضافة لتخوف إسرائيل من عودة القوات الدولية للبنان التي غادرت لبنان قبل اغتيال بشير الجْمَيّلْ بوقت قصير، فتحُول هذه القوات بينهم وبين فلول فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وهذه الأسباب مجتمعة تفسر لنا سرعة اجتياح إسرائيل لبيروت الغربية بعد اغتيال بشير بيوم أي في 15 أيلول، وعدم اكتراثها بالاتفاقيات التي وقعت برعاية دولية قبل خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت الغربية.
 
ومع حلول ليلة 16 أيلول وبناء على الخطة المتفق عليها مسبقاً، بدأت المليشيات الكتائبية بقيادة إيلي حبَيّقَة وقوات لحد الموالية لإسرائيل، بتطويق واقتحام مخيمي صبرا وشاتيلا بالدعم اللوجستي الإسرائيلي، إذ زَود الإسرائيليين المليشيات الكتائبية بآليات عسكرية، وبجرافات لهدم البيوت، وبكادر طبي لإسعاف جرحاهم، وبخرائط وصور جوية تفصيلية، إضافة لتوفيرهم قنابل مضيئة، لإنارة مخيميّ صبرا وشاتيلا أثناء الليل. وقد استمرت المجزرة الوحشية التي ارتكبتها المليشيات الكتائبية بحق الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشتيلا لأكثر من 38 ساعة متواصلة، وقد قُتل أثناء المجزرة حسب أرقام الصليب الأحمر اللبناني ما بين 4000-4500 ضحية، وكذلك نقلاً عن سلمان الخليل المسؤول عن دفن الموتى في صبرا وشاتيلا، كما جاء في كتاب مأساة المخيمات الفلسطينية في لبنان لمحمد سرور زين العابدين، إذ قال: (لقد صليت وحدي على 6000 جثة، وهناك ألفا جثة دفنتها الجرافات دون أن أصلي عليها).
 
ورغم الإدانات اللبنانية والعربية والدولية للمجزرة فإن الفاعل والمحرض والممول بقوا خارج دائرة الاتهام، وسعت جميع الأطراف على الساحة اللبنانية لإسقاط تهمة ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا عن حزب الكتائب، وإلصاقها بقوات لحد وتحميلهم كامل المسؤولية عن المجزرة، كما أن التحقيق الذي أجراه المدعي العسكري "أسعد جرمانوس" تم إيقافه بدون إصدار أي توصيات أو قرارات حول المنفذين الحقيقيين للمجزرة.
 
الجزيرة