عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Feb-2020

زوجات يجمعن العمل ورعاية الأسرة في كنف رجال يتخلون عن أدوارهم

 

مجد جابر
 
عمان- الغد-  شعرت الثلاثينية لانا مراد بالقهر على السيدة التي تستعين بها لمساعدتها بالطبخ وتنظيف البيت 3 أيام بالأسبوع، والتي كانت تحضر معها ابنتها الصغيرة. تلك السيدة تقضي يومها من الصباح وحتى المساء تتنقل من بيت لآخر، وتعمل ليل نهار لكي تستطيع أن تجمع مبلغا من المال يعينها على توفير أبسط مقومات الحياة لعائلتها.
لم تتردد لانا بالسؤال عن زوج السيدة، إن كان لديه عمل أم لا؛ إذ لاحظت وكأنها مجبورة على ساعات العمل الطويلة، والعبء يقع على عاتقها بمفردها. غير أنها فوجئت بالإجابة التي تؤكد أن الزوج ليس مريضا واعتاد الجلوس بالبيت من دون عمل، لأنه أصبح يعتمد عليها تماماً بالإنفاق على المنزل.
وتابعت السيدة الأم لـ4 أبناء أن زوجها كان يعمل قبل أعوام عدة، وعندما ترك عمله ظل يبحث لفترة وجيزة عن عمل آخر، إلا أنه لم يكن جديا بذلك، وأصبح معتادا على الجلوس بالمنزل، ومعتمدا على زوجته بكل شيء، بل ويطلب منها كل يوم أن تحضر له بطريقها حاجياته الشخصية.
استغربت من هذه السيدة وسكوتها على هذا الوضع الغريب، فكان جوابها أن كل محاولاتها معه باءت بالفشل، بقولها “مهما حدث لن أترك أولادي يموتون من الجوع”.
شيماء مسعود هي الأخرى فقد زوجها عمله، وبالرغم من أتعابها وأمراضها التي تتطلب منها الراحة، اتفقت مع إحدى الجمعيات بأن تقوم بإعداد الوجبات اليومية لها، مقابل مبلغ من المال يساعدها وأسرتها لحين تحسن الأحوال، إلا أنها لاحظت أن زوجها أصبح معتمدا عليها بكل شيء، ولم يعد متحمسا للبحث عن عمل، وكأن الأدوار انقلبت.
ذلك الحال منذ أكثر من 3 أعوام، وشيماء رغم أوجاعها التي تأكل جسدها، إلا أنها لا تملك وسيلة أخرى، مع زوج يرفض القيام بدوره الطبيعي، لا بل يتعمد إهانتها بشكل متكرر، ولومها إن قصرت بعملها، وهي من بات يتحمل مسؤولية كل شيء من أجل أبنائها.
وتعترف رغدة أن ظروف العمل الصعبة أجبرت زوجها على ترك عمله، ما اضطرها لإعطاء الدروس الخصوصية لوقت متأخر، لكي تؤمن المستلزمات الأساسية للأسرة، مبينة أنها صبرت كثيرا على الوضع الجديد، لأن زوجها لا ذنب له بما حصل.
ولكن، مع مرور الوقت، اكتشفت أنها زوجها اعتاد على هذا الوضع الجديد، ورغم أن أشقاءه وأقاربه ساعدوه وعرضوا عليه أكثر من وظيفة، لكنه كان دائما يعطي مبررات غير حقيقية لرفضه، وكل عمل يتعمد أن يجد به كثيرا من العيوب، واستسلم لفكرة بقائه جالسا بالمنزل أو الخروج مع أصدقائه مساء.
الاختصاصي الأسري أحمد عبدالله، يشير إلى أن هذه الحالات تعد مخالفة لـ”الفطرة السليمة”؛ حيث إن الرجل مفطور على العمل، مبيناً أن هذه الحالات بدأت تكثر لمسببات مجتمعية عدة، وليس لسبب واحد فقط.
ويذهب عبدالله إلى أن من هذه الأسباب عدم فهم منظومة الحقوق والواجبات وتشوهها؛ حيث نتج عن فكرة المساواة المشوهة التي يتم التسويق لها بأن مسؤوليات البيت “مشتركة” بين الرجل والمرأة، في حين أن الحقيقة عكس ذلك تماما.
فالرجل هو المسؤول عما يتم إنفاقه في المنزل مع بقاء ذمة المرأة مالية منفصلة، وفق عبدالله، وكذلك الأدوار المشوهة للمرأة في الحياة أسهمت في صنع هذا النوع من التخلي عن مسؤوليات الرجل؛ حيث إن المرأة بدأت ترى نفسها منتجة ولها حرية الإنفاق، هذه الفكرة صحيحة ولكن “إلزامية” الإنفاق هي الفكرة التي تتطلب تعديلا، لافتاً الى أن هناك فرقا بين أن تساعد الزوجة في المنزل وبين أن تكون “ملزمة” بالمساعدة.
ولأن العامل الاقتصادي يلعب دورا كبيرا، يرى الاختصاصي الاجتماعي الاقتصادي حسام عايش، أن ذلك يعكس الحالة الاقتصادية الاجتماعية الراهنة، فهناك رجال عاطلون عن العمل وسيدات يعملن في اقتصاد الظل أو غيره، وهناك شكل من العلاقات كان موجودا في السابق؛ حيث كان كثير من الرجال يتزوجون بالسيدات اللواتي يذهبن للعمل في الخارج.
ويضيف “هذه الحالة السائدة حاليا لها علاقة بحجم البطالة المنتشر الآن، والتغير في العلاقات الاجتماعية في المجتمع من جهة أخرى، ولها علاقة كذلك أحياناً بحاجة المرأة الى شريك يسمح لها بالقيام بدوريها الاقتصادي والاجتماعي، ولو بكلفة عالية، وهي بقاؤه في المنزل وعدم العمل وانتظار الإعالة من الزوجة”.
ووفق عايش، فإن ذلك يعكس أيضا إحدى حالات الفوضى السائدة في المجتمع؛ حيث تعمل المرأة ويجلس الرجل في البيت من دون تبعات يتحملها أو البحث الحقيقي عن عمل.
ويعتبر عايش هذه الصورة جديدة من مجتمع تتغير وتيرة الأداء الاقتصادي فيه، ورغم أن البيانات الرسمية تقول إن معدل مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية بحدود 15 %، وهو من أقل المعدلات في العالم، فإن هذه الحالة تُظهر أن الأمور ليست بمثل ما تقدمه البيانات والإحصاءات الرسمية، فمعدل مشاركة المرأة مرتفع وكثير من الرجال يعتمدون على نسائهم في الإعالة ويرضون بذلك.
لذلك، لا بد من معرفة الأسباب الحقيقية لمعرفة سبب هذه الحالة المنعكسة لدى البعض في المجتمع، والأهم هو عمل دراسة لمعرفة الأسباب التي تدفع بالنساء للقبول بذلك، وفيها تغير بالقيم والعادات والمفاهيم والطريقة التي يتم التعامل بها مع متطلبات الحياة.
وبحسب عايش، فإن البيانات تشير إلى أن 12-14 % من الأسر الأردنية ترأسها وتعيلها نساء، مبيناً أن نوعية العمل ومرونة المرأة في الأجر الذي تحصل عليه وقبولها به، وتحملها أكثر للمسؤوليات المتعلقة بأسرتها، وقبولها بالتضحية للإنفاق على أسرتها، كلها أسباب تدفع لانتشار هذه الحالة.
ويعتبر عايش أنها مفارقة غريبة جدا أن تتحول المرأة لمعيل، ويصبح الرجل هو المستهلك لما تنتجه المرأة، مبيناً أن هناك أسبابا عدة أحياناً مثل تأخر الفتاة في سن الزواج، يجعلها ترضى بهذا الوضع. لذلك ينبغي أن يعرف كل منهما أن المسؤولية في الإنفاق على الأسرة تقع على الرجل، وأن وجود فئة من الرجال ترضى بذلك هو أمر مناف للمنطق تماما.
ويرى الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة، أن “إعالة الأسرة” هي مسؤولية اجتماعية وإنسانية وأخلاقية مرتبطة بالرجل، وحينما تنعكس الحالة يحدث خلل في المنظومة.
ويبين أن الرجل الذي يقبل على نفسه ذلك الوضع وبأن يكون عالة على زوجته، فإنه هنا فقد كلا من دوره الاجتماعي والإنساني والأخلاقي.
الى ذلك، فإن هذا يمثل انعكاسا على هذا الرجل الذي يرضى بهذا الدور كونه يعاني من إشكالية نفسية كبيرة، والسبب أنه قبل به، وهو يمارس دورا مخالفا لفطرته الإنسانية، وقد يكون السبب بذلك تنشئته الاجتماعية في أسرته التي لم تعلمه تحمل المسؤولية.
وينصح مطارنة، بأن يكون لدى الزوجة موقف صارم وألا تقبل بهذا الدور أبدا، فهي ليست الشخص المسؤول عن إعالة الأسرة على الإطلاق.