الدستور
أكتب عن رئيس الوزراء، جعفر حسان، بكل تجرد، وبما يمليه علي ضميري؛ التقيته -بطلب منه- بعد نحو أسبوعين على تكليفه بتشكيل الحكومة، دار بيننا حوار اختلط فيه التوافق بالاختلاف، احترمت فيه إصراره على قناعاته وعناده السياسي وصراحته، الرجل لا يجامل ويعرف تماما ما يريد، لديه برنامج واضح عنوانه ( الاستدارة للداخل ) يصر على تنفيذه بالمتاح من الإمكانيات، لدي، فقط، رجاء للأردنيين ، سواء الذين غسلوا ايديهم من الحكومات ووعودها، او الذين ما زال لديهم بارقة أمل برئيس قد يُحدث نوعا من الفرق، امنحوا هذا الرئيس فرصة لكي يعمل وساعدوه على ذلك، ثم حاسبوه إذا تراجع أو أخفق.
بحكم تجربة طويلة في العمل داخل الادارة الأردنية (والقصر تحديدا )، يعرف د. جعفر حسان المساحات التي يمكن أن يتحرك فيها، ويعرف، أيضا، مقتضيات الانضباط العام وتجارب وأخطاء من سبقوه، يدخل الرئاسة قبل دوام الموظفين بأكثر من ساعة، يبدأ بتوزيع المهمات على وزرائه ومتابعتهم في كل صباح، يسيطر عليه هاجس النجاح عند كل عمل يفكر بالقيام به، وهاجس «المعلومات الكافية» عند اتخاذ أي قرار، يدرك، تماما، انه لا شيء يحمله إلى الأردنيين سوى عمله و إنجازه، لا أُخفي، أبدا، أن ما سمعته منه على صعيد الموقف السياسي، سواء خلال لقاءات متعددة على امتداد السنة المنصرفة، أو من خلال بيان الثقة الذي قدمه امس الأول أمام مجلس النواب، يتطابق تماما مع ما افكر به ومع وجهات نظري حول أجندة الدولة و اولوياتها، في هذه المرحلة بالذات.
قلت : الدولة الأردنية وأولوياتها، أقصد، بالتحديد، ضرورة الالتفات إلى الداخل وترتيب البيت الأردني، و الحفاظ على مصالحنا الوطنية، وعقلنة خطابنا العام، وحماية هويتنا والدفاع عن مواقفنا، الرئيس حسان، منذ أن وصل إلى الداور الرابع، قرر أن يكسر نمطيه سلوك الحكومات بالانزواء والقطيعة مع الناس، فخرج إلى الميدان ليباشر مهمة الاستماع للأردنيين، باعتبار أن قضاياهم وهمومهم قضية الحكومة وأولوياتها، الرسالة كانت واضحة بما يكفي لفهم «شيفرة « الرئيس والحكومة، فهو لا يبحث عن شعبويات عابرة، يريد أن يترك بصمة لحكومة تحاول أن ترد التحية على الأردنيين ضمن الإمكانيات المتاحة، وتطمئنهم على أنها تشبههم و تعمل من اجلهم، في سياق الأردن أولا، وقبل كل شيء.
أعرف، تماما، أن غالبية الأردنيين «كفروا» بوعود الحكومات وفقدوا الثقة بها، أعرف، أيضا، ان خزانات المظلومية والمطالب المشروعة تراكمت لدى الأردنيين بما تعجز أي حكومة عن تفريغها أو تجفيفها، أو حتى التعامل معها بما يوفر قسطا من الرضا والقبول، أعرف، ثالثا، أن هذه الحكومة جاءت في ظروف صعبة، وتتحمل إرثا ثقيلا من المشكلات والتحديات (الخيبات: أدق)، لكن على الرغم من ذلك، أعتقد أن هذه الحكومة، التي استطاعت خلال شهرين أن تنجز حالة استرخاء وارتياح عام لدى قطاعات كبيرة من الأردنيين، من خلال عدة قرارات وإجراءات محدودة، تستطيع أن تُعمّق هذه الحالة، وان تحولها إلى مرحلة استنهاض للهمة الأردنية والروح الوطنية، وهو ما نحتاجه، فعلا، في هذا التوقيت الذي يمر فيه بلدنا بأصعب الظروف والتحديات.
قائمة المطلوب من الحكومة ورئيسها تبدو طويلة ومعروفة؛ العدالة والحريات العامة، مواجهة الفقر والبطالة من خلال مشروعات تحرك عجلة التنمية والنمو، وقف حالة التدهور في مجالات التعليم والخدمات والإدارة والصحة الخ، هذه لا يمكن أن تتحقق بكبسة زر، المهم أن يبدأ الرئيس في ترسيم حدود التعامل مع هذه القضايا، و أن يقنع الأردنيين بجدية ذلك، لا أريد أن أراهن على اصراره وعناده لإنجاز ما وعد به، أريد، فقط، أن أقول : أكيد، الحكومة ستحصل على ثقة النواب، لكن الأهم والأغلى هو ثقة الأردنيين، أما كيف، فالإجابة يعرفها د. جعفر جيدا، ويستطيع أن ينتزعها من خلال جولة إدارة الحكم بالعقل والخلق مع الأردنيين الذين يفهمون هذا المنطق، ويقدّرون أصحابه، تماما كما يقدرون دولتهم وقيادتهم أيضا.