عندما ينطق القانون.. تصمت الانتماءات*د. محمد العايدي
الغد
في ظل سماح القانون في الدولة الحديثة بتعدد الانتماءات، تتشابك الانتماءات القبلية والحزبية والطائفية أو المذهبية لتشكل هويات الأفراد والجماعات، ورغم أن هذه الانتماءات تلعب دوراً مهماً في تعزيز الروابط الاجتماعية والفكرية والسياسية، فإنها قد تتحول إلى أداة تهدد وحدة الدولة إذا تغولت على حساب القانون، هنا تبرز أهمية سيادة القانون كقوة معنوية وبناء أخلاقي يُعلي من قيم العدالة والمساواة.
مفهوم سيادة القانون:
يعني خضوع جميع الأفراد والجماعات والجهات في المجتمع بما في ذلك السلطات الحاكمة لأحكام القانون، فالقانون كقوة معنوية لا بد أن تحاط بمبدأ السيادة والاحترام والالتزام، وهو المرجع الأعلى الذي ينظم الحياة العامة، ويحافظ على الحريات والحقوق.
وهنا نشير إلى مبدأ وجوب تلازم السلطة والقانون أو مبدأ احتكار السلطة، فالدولة هي وحدها المخولة باستخدام السلطة لتنفيذ القانون، ويتم هذا الاحتكار عبر مؤسسات الدولة الرسمية، مثل القضاء والجيش والأمن، وهذا الاحتكار ضروري للحفاظ على وحدة الدولة، ومنع أي حزب أو قبيلة أو طائفة أن تمارس سلطات منفصلة عن سلطة الدولة أو تفرض قوانينها الخاصة.
إن سيادة القانون واحتكار الدولة للسلطة هما حجر الزاوية في بناء دولة قوية ومستقرة، ومن هنا فإن تعزيز مؤسسات الدولة ودعم استقلاليتها هو السبيل الأمثل لمنع العمل خارج الشرعية وحماية السلم الاجتماعي.
وأن محاولة بعض الانتماءات الفرعية منازعة الدولة في بسط سلطتها وسيادة القانون هو لعب بالنار قد يخرج الأمور عن السيطرة إلى ما لا تحمد عقباه، ويجعل الدولة أضعف في مواجهة المخاطر الخارجية التي قد تحيط بها، وأن أي ممارسات تتجاوز الغاية من تشريعها هو انقلاب على القانون، حيث شرع القانون هذه التجمعات الحزبية والمذهبية والقبلية لتكون رديفا لسيادة القانون ومشاركة في بناء الدولة واستقرارها وليست عامل ضعف لها.
إجراءات تضمن سيادة القانون:
سيادة القانون ليس مجرد نصوص تكتب أو شعارات ترفع، بل هي نظام إدراي وسياسي قوي ومتكامل، وهناك مجموعة من الإجراءات التي تعزز سيادة القانون منها: وجود مؤسسات قوية ومستقلة تحقيق العدل والمساواة، وأن يصاغ القانون بمشاركة واسعة من أبناء المجتمع، ويكافح من خلاله الفساد والمحسوبيات، وتحمي الحقوق والحريات، ويتم تطبيقه بحزم وقوة على الجميع.
لماذا سيادة القانون؟
لأنه عندما ينطق القانون.. تتلاشى الأصوات المفرقة لوحدة المجتمع حيث تنطق الحكمة والعقل الذي يعلو فوق العواطف لضمان استقرار المجتمع وأمنه وإنهاء نزاعاته.
عندما ينطق القانون.. تسكت الأهواء وتكبح جماح الانتماءات الحزبية أو القبلية أو الطائفية التي قد تسعى لفرض نفسها على حساب الآخرين.
عندما ينطق القانون.. تختبر نزاهة الجميع ليظهر مدى ولائهم وانتمائهم الحقيقي للدولة فلا امتيازات تمنح أو مكانة لاعتبارات غير الكفاءة.
عندما ينطق القانون .. تذوب العصبيات ويصبح الانتماء للوطن ومصالح الدولة ككل، يصبح القانون هو المرجعية الوحيدة بعيدا عن المصالح الشخصية.
عندما ينطق القانون.. تتراجع الفوضى وتتقدم المؤسسات ويبنى النظام على أسس واضحة تنظم حياة الأفراد وتصبح السلطة أداة لتحقيق العدل لا وسيلة للهيمنة أو الاستبداد.
عندما ينطق القانون.. تعلو قيم المواطنة ويتجرد الجميع من الانتماءات الفرعية، ويصبح الانتماء للوطن والقانون والدولة، ويعاد تشكيل الهوية على أساس العدالة والمساواة.
عندما ينطق القانون.. تحترم الحريات والحقوق، ويكون الجميع تحت مظلة واحدة.
عندما ينطق القانون.. ينصت الجميع لصوت العدالة، وتتوقف الثرثرة والاستعراض من أجل مصالح فئوية أو جهوية.
عندما ينطق القانون.. تندحر المحسوبيات ويصبح الجهد والعمل والكفاءة هي المعايير، لا الانتماءات الضيقة والمصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة.
عندما ينطق القانون.. تتماسك أركان الدولة، وتولد الثقة في المؤسسات، وتبرز الشفافية والوضوح والنزاهة.