عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Aug-2020

انتخابات في ظلال "الجائحة" و"أوامر الدفاع"، ومخاوف من "دفرسوار خليجي" - عريب الرنتاوي

 

الحرة - شعور عميق بالقلق وانعدام اليقين، يلف الطبقة السياسية والثقافية الأردنية ويلقي بظلاله الكثيفة فوق رؤوس نشطائها ومفكريها سواء بسواء، وسط إحساس يكاد يراود الجميع، بأن البلاد لا تسير في الاتجاه الصحيح، وأن "الدولة"، تخرج عن مألوف سياساتها المتزنة والمتوازنة، داخليا وخارجيا، من دون أن تتوفر إجابات شافية على الأسئلة التي تثيرها هذه التحولات وتستدعيها.
 
والمفارقة أن هذه المناخات الحذرة والقلقة، تأتي بعد أشهر قلائل فقط، من نجاح الدولة بمؤسساتها المختلفة، في احتواء "جائحة كورونا"، وبصورة فاجأت الأردنيين، على اختلاف مشاربهم السياسية والفكرية، لكأن الدولة "تفوقت على نفسها"، وقدّمت أداءً رشيقا ورشيدا، أشاد به البعيد قبل القريب، فيما استطلاعات الرأي العام، كانت تشير إلى "شعبية" غير مسبوقة، سجلتها الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية والكادر الصحي في التعامل مع "الجائحة"، بذيولها الصحيّة والوبائية على أقل تقدير.
 
لم تضع الجائحة أوزارها بعد، بيد أن المشهد الأردني أخذ بالانقلاب رأسا على عقب... أزمة مفتوحة ستندلع بين "الحكم" و"جماعة الإخوان المسلمين"، بدأت بالقرار الصادر عن أعلى مرجعية قضائية في البلاد، باعتبار الجماعة، منظمة غير مشروعة، محلولة حكما، وكأنها لم تكن... 
 
ثم جاءت الأزمة المفتوحة، والمتوالية فصولا، مع نقابة المعلمين الأردنيين، كبرى النقابات المهنية الأردنية، على خلفية تجميد الحكومة تنفيذ الاتفاق المبرم معها بخصوص زيادات المعلمين وعلاواتهم من بين مطالب أخرى، وإصرار النقابة على تنفيذ الاتفاق من دون تأخير أو تلكؤ.
 
إجراءات التضييق على الحريات وحرية النشاط السياسي، لم تقتصر على جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي فحسب، بل طاولت أحزابا أخرى، من تيارات مدنية ويسارية
 
المعركة بين الحكومة والنقابة، لم تتوقف عند الحدود المطلبية، إذ سرعان ما جعلت منها الحكومة وأجهزة الدولة المختلفة، والإعلام المملوك لها والخاضع لسيطرتها، معركة ضد جماعة الإخوان المسلمين، بزعم أنها تسيطر على النقابة، أو "تختطفها" بالأحرى، الأمر الذي تنفيه الجماعة، وتقول إن الأمر لا يخرج عن سياسة "شيطنة الجماعة" التي تنتهجها الحكومة وبعض أجهزة الدولة الأمنية والإعلامية، ولغاية في نفس يعقوب.
 
لا "الجماعة" ولا "النقابة" على ما يبدو، بصدد الإذعان للإجراءات الإدارية (حل مجلس النقابة وإغلاق مكاتبها وفروعها، واعتقال عدد من قادتها، وتشكيل لجنة لتسيير شؤون النقابة لمدة عامين، إلى حين انتخاب مجلس جديد)... قادة النقابة تعهدوا بمواصلة أنشطتها، ومن غير المتوقع أن يخضع المعلمون لتعليمات "الهيئة المعينة" من الحكومة لتسيير شؤون نقابتهم... 
 
أما الجماعة، فقد عقدت مؤتمرا لمجلس الشورى، أعلى سلطة فيها، وجرى التجديد لمراقبها العام عبد الحميد الذنيبات لولاية ثانية، كما جرى انتخاب القيادي جميل أبو بكر، رئيسا لمجلس الشورى، خلفا للشيخ حمزة منصور، المنتهية ولايته... "الجماعة" تتصرف كما لو أنها "باقية وتتمدد" برغم القرار القضائي الذي جردها من شخصيتها الاعتبارية... "الجماعة" تنظر للقرار القضائي بوصفه قرارا سياسيا بامتياز.
 
نحن إذن، أمام موجة تصعيد غير مسبوقة منذ سنوات بين "الدولة" و"الإخوان"، تسبق الانتخابات النيابية المقررة في العاشر من نوفمبر المقبل، الأمر الذي بدأ يثير تساؤلات حول ما إذا كانت "الجماعة" وذارعها السياسي: "حزب جبهة العمل الإسلامي" ستشارك في الانتخابات أم ستقاطعها، مع أن أغلب التقديرات، ترجح خيار المشاركة، بعد تجربة مريرة خاضتها الجماعة مع خيار المقاطعة.
 
في مقال سابق، على هذا الموقع، وصفنا المقاربة الأردنية في التعامل مع جماعة الإخوان، بأنها "منزلة بين منزلتين": الإقصاء والاستئصال كمقاربة معتمدة من قبل دول كسوريا ومصر والإمارات المتحدة والسعودية، والاحتواء والإدماج كما هو الحال الماثل في كل من تونس والمغرب... 
 
المقاربة الأردنية جاءت مزيجا من "أقصى الضغوط" مع ترك هامش للمناور وحرية الحركة... المقاربة الأردنية تعمّدت الامتناع عن تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، كما هو الحال في "النموذج الاقصائي"، شريطة ألا يصل هامش المناورة وحرية الحركة، حد الحصول على أغلبية برلمانية، وتشكيل حكومة منتخبة أو المشاركة في حكومة برلمانية، كما هو معمول به في "مدرسة الاحتواء"... يبدو أن "ميزان" المقاربة الأردن، قد بدأ يختلُّ بعض الشيء، والمقاربة أخذت تنحرف (ونأمل ألا تنجرف) صوب "المدرسة الاقصائية".
 
أزمة العلاقة بين "الدولة" و"الإخوان" على أهميتها، ليست الأزمة الوحيدة المفتوحة في البلاد، عشية توجه 4.6 مليون أردني إلى صناديق الاقتراع لاختيار النواب المئة والثلاثين الذين سيشكلون المجلس التاسع عشر، المجلس النيابي الذي سيستقبل به الأردن المئوية الثانية في عمر الدولة، وسيحتفل معه الأردنيون باليوبيل الخامس والسبعين لاستقلال بلادهم عن الاستعمار البريطاني، لكن ـ من أسفٍ ـ لا يبدو أن هذه الانتخابات ولا المجلس الذي سينبثق عنها، تثير اهتمام الأردنيين وتحفزهم على مغادرة منازلهم في اليوم الموعود.
 
فـ"أوامر الدفاع" التي جرى إقرار العمل بها، لمواجهة "جائحة كورونا وتداعياتها"، وجاءت في حينه، مشروطة بوجوب مراعاة اللجوء إليها على أضيق نطاق، ومن دون افتئات أو تعدٍ على حقوق الأردنيين وحرياتهم، جرى التوسع في اللجوء إليها واستخدامها، للتضيق على الحريات العامة، وحرية الرأي والتعبير والصحافة والاعلام، إذ يجري منع الصحف ووسائل الاعلام الوطنية، من تغطية التطورات المتصلة بقضية نقابة المعلمين، وقد غاب الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، عن أماكن احتشاد المعلمين والمعلمات المعتصمين، ولم يأتِ على ذكر الاعتقالات التي وقعت في صفوفهم إلا في أضيق نطاق، كما أن عددا من الصحفيين والمدونين ونشطاء التواصل الاجتماعي والحراكات الشبابية، قد جرى منع مقالاتهم من النشر والتعرض لهم بالاعتقال أو المساءلة، أو التلويح لهم بإجراءات عقابية، إن هم استمروا في ممارسة أنشطتهم الانتقادية.
 
أي أن إجراءات التضييق على الحريات وحرية النشاط السياسي، لم تقتصر على جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي فحسب، بل طاولت أحزابا أخرى، من تيارات مدنية ويسارية، فقد تم اعتقال أمين عام حزب الوحدة الشعبية الأردني (يساري) الدكتور سعيد ذياب، لمجرد نشره "بوست" على صفحته على موقع فيسبوك، يذكّر فيها بأن استقلال الأردن مشوب بالتبعية السياسية والاقتصادية لدوائر غربية (إمبريالية)، وهو أمر قيل مثله، وأقسى منه، عشرات المرات من قبل، من قبل الشخص نفسه، وعشرات آخرين من الكتاب والنشطاء، من دون أن إشهار سيف الاعتقال والتوقيف والمحاكمة في وجوههم، لكأننا أمام محاولة توجيه رسائل لقادة الرأي والنشطاء، بأن "صدر الدولة" بات أكثر ضيقا بهم وبمواقفهم.
 
إن التأزيم السياسي والأمني الذي يسبق الانتخابات النيابية العامة بمئة يوم فقط، محمولا على أشد ضائقة يعانيها الاقتصاد الوطني الأردني منذ ثلاثة عقود، وسط توقعات بارتفاع حجم الدين العام ونسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة عجز الموازنة العامة، وتراجع تحويلات العاملين في الخارج (بالذات من دول الخليج) والتقديرات بوجود أكثر من 640 ألف عاطل عن العمل، قبل نهاية العام الجاري، يضيف إلى مناخات "الإحباط" السياسي، مناخات متشائمة حول الحالة الاقتصادية والاجتماعية لفئات واسعة من الأردنيين، بل وحول مستقبل الاقتصاد الوطني برمته.
 
نحن إذن، أمام موجة تصعيد غير مسبوقة منذ سنوات بين "الدولة" و"الإخوان"، تسبق الانتخابات النيابية المقررة في العاشر من نوفمبر المقبل
 
ترافق ذلك كله مع ارتفاع ملحوظ في منسوب "الانخراط النشط" في جدول أعمال محور "الحلفاء التقليديين" للأردن، سياسيا ودبلوماسيا، وحتى "عسكريا" كما تقول مصادر غير أردنية، وتنفيه عمان باستمرار... من زيادة الدعم لمصر والإمارات والسعودية على الجبهة الليبية (استقبال عقيلة صالح، تقارير أممية عن أسلحة أردنية لحفتر)، والاتهامات المتبادلة حول وجود سلاح أردني على جبهة أرمينيا ـ أذربيجان، تنفيه عمان أيضا، وتقول إنه من فعل "شركات خاصة" إن تأكد وصوله إلى جبهة ناغورني كاراباخ.
 
هنا التقديرات تتحدث عن "استحقاقات" داخلية وخارجية، يجد الأردن نفسه منساقا لتلبية مقتضياتها، ودائما بهدف تنشيط وتجديد علاقاته مع دول التحالف المذكور... هنا، التساؤلات تطاول عناوين من نوع: ما مصلحة الأردن في كل ذلك، وهل علينا التوجس من "دفرسوار خليجي"، يمكن أن يقوض مكتسبات السياسة الأردنية في بعديها الداخلي (مواجهة الجائحة) والخارجي (صفقة القرن وقرار الضم)؟... كيف سينعكس ذلك كله، على علاقات الأردن المُستعادة مع كل من قطر وتركيا، وما مصير سياسة "تنويع" العلاقات والتحالفات التي ينافح عنها نشطاء وفعاليات ومثقفون أردنيون كثر؟... 
 
على أن السؤال الأكثر أهمية من بين جميع الأسئلة والتساؤلات السابقة، هو: ما الذي يجنيه الأردن حقا، غير الوعود الشفهية والدعم اللفظي في المقابل؟... وهل انعكس ذلك أو سينعكس قريبا، على خزينته ومحافظه المالية بمزيد من أموال المساعدات والاستثمارات، أو زيادة في أعداد الأردنيين العاملين في هذه الدول، أو حتى زيادة في مستورداتها من الإنتاج الأردني الصناعي والزراعي والخدمي؟!... كل ذلك لا أثر له ولا شاهد عليه، في أرقام الدولة الرسمية ودفاتر حساباتها.
 
لقد حظي الموقف الأردني الرسمي من ما سمي بـ"صفقة القرن"، وتصدي الدبلوماسية الأردنية النشط لتوجهات الضم الإسرائيلية لأجزاء واسعة من الضفة الغربية، بالترحيب الواسع والتأييد الكبير من قبل أوساط واسعة من الرأي العام الأردني، وإذ جاءت هذه المواقف المتميزة حقا، محمولة على أداء رفيع وناجح في احتواء "جائحة كورونا"، فقد بدا أن العلاقة بين الحكم ومختلف مكونات المعارضة، بل بين "الدولة" و"مواطنيها" مرشحة للدخول في "شهر عسل" مديد... لكن يبدو أن هذه التقديرات كانت متفائلة بأكثر مما ينبغي، إذ سرعان ما أخذت الفجوة تعود لاتساعها، منذرة بـ"اتساع الخرق على الراتق"، إن لم يجر تصحيح المسيرة وتصويب المسار، الآن وليس بعد حين.