الجريدة -
سأورد في بداية المقال ثلاث حقائق، وبالأحرى مفاتيح، لمغزى ما أريد إيصاله للقارئ الكريم ولما قدّمته «العربية لحماية الطبيعة»، وهي منظمة إنسانية تطوعية تعمل بكدّ وجدّ في مواجهة اقتلاع شعب عربي من أرضه، وامتدت أعمالها إلى الأردن وجنوب لبنان، يقودها ويشرف عليها السيد حسن جعجع وزوجته السيدة رزان زعيتر.
أولا: منذ مارس 2024 وحتى منتصف 2025، قامت بزراعة 1252 دونما من الأراضي الزراعية في قطاع غزة، ورمّمت 17 بيتا زراعيا، وكانت بمنزلة حبل نجاة لإنقاذ 650 مزارعا يعيلون نحو 3500 مواطن فلسطيني، إضافة إلى تأهيل بئرين من المياه، ودعم 30 شباكا لصيّادي الأسماك.
ثانيا: لم يبقَ من الأراضي الصالحة للزراعة في قطاع غزة بأكمله، وفقا لمنظمة الفاو - كما أفادت المتطوعة صبا منصور العاملة في الميدان - والتي يمكن الوصول إليها، سوى 1.5 بالمئة من مساحة الأراضي الزراعية، أي بمعدل 2250 دونما فقط لعدد سكان يتجاوز المليونين ومئتي ألف شخص.
ثالثاً: تحت أصوات القصف والرصاص في قطاع غزة، وقبل أربعين يوما، قاموا بزرع بذور الملوخية، والآن يجني الأهالي الصامدون والمُعرّضون للموت كل لحظة محصول الأوراق الخضراء، والتي توزع على الأهالي الذين يعانون المجاعة وشدة الفاقة.
ربما كانت أكبر ملحمة إنسانية، حيث سخّروا طاقاتهم وإمكاناتهم لها، هي قصة زراعة شجرة الزيتون في أراضي فلسطين والأردن وجنوب لبنان.
ماذا فعل العدو بهذه الشجرة، وكيف قاوموا تلك الحملات؟
• في فلسطين اقتلعت الجرّافات الإسرائيلية أكثر من 3 ملايين شجرة مثمرة من الزيتون.
• في غزة اقتلع الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023 نحو مليون و620 ألف شجرة زيتون.
• في لبنان دمّرت إسرائيل أكثر من 12 بالمئة من مزارع الزيتون في الجنوب والشرق، وأحرقت 65 ألف شجرة معمّرة.
في المقابل، كانت «العربية لحماية الطبيعة» تقاوم هذا الوحش الاستيطاني بأن تغرس 10 أشجار زيتون مقابل كل شجرة يتم اقتلاعها، ففي لبنان زرعوا 2200 شجرة، وفي فلسطين زرعوا مليونا و500 ألف، وفي الأردن 70 ألفاً.
وبحسب شهود عيان كانوا موجودين أثناء الحملة في جنوب لبنان، أحرق الجيش الإسرائيلي أشجاراً يصل عمر بعضها إلى 300 سنة، وجرفوا آلاف الهكتارات من الأراضي باستخدامهم قنابل محرّمة دولياً، مثل القنابل الفوسفورية والعنقودية، التي حوّلت حقول الزيتون إلى صحارى قاحلة.
وليس بغريب ولا جديد القول إن الاحتلال الإسرائيلي في حالة حرب مستمرة ودائمة مع الإنسان الفلسطيني، فشجرة الزيتون لم تكن فقط مصدر رزق، بل إنّها تحمل هوية ثقافية وروحية وتاريخية للشعب الفلسطيني، وأبرز مظاهر الحقد على هذه الشجرة المباركة والمقدسة أن المستوطنين اتخذوا من شجرة الزيتون عدوًا يحاولون اجتثاثه من الأرض.
يكفي أن نعرف أنها - أي «الدولة اليهودية الديموقراطية» - اقتلعت أكثر من مليوني شجرة منذ النكبة عام 1948 وحتى اليوم.
«سنبقى هنا طالما بقي الزعتر والزيتون»، هذا شعار تقرأه وتسمع به، لكن أصحاب الأرض حوّلوه إلى أسطورة، فقد بات فعل مقاومة وإعلان عن الارتباط بالأرض، كما تفعل بقية الشعوب العربية في لبنان وسورية والأردن.
شجرة مباركة ومعمّرة، فغصن الزيتون كان دليل النبي نوح، عليه السلام، لوجود اليابسة في العهد القديم، وجبل الزيتون في العهد الجديد منبر تعاليم السيد المسيح، عليه السلام، كما هي في القرآن الكريم ﴿والتين والزيتون وطور سينين. وهذا البلد الأمين﴾.