عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Nov-2020

مشروع وصفي باق برسم التنفيذ في ضمير الأجيال*مجيد عصفور

 الراي

أكثر اثنين فهما خطورة الحركة الصهيونية الشهيدان الملك عبدالله الأول ووصفي التل، وبما أنهما الوحيدان اللذان أدركا أبعاد المشروع الصهيوني الذي أعلن عن أطماعه بإقامة «دولة إسرائيل» من النيل إلى الفرات عندما وضع نجمة داود على علم الكيان بين خطين أزرقين كدلالة على أن الهدف أبعد من فلسطين.
 
وفيما انشغل الملك المؤسس بمنع تمدد السرطان الصهيوني كي لا يبتلع المزيد من الأرض العربية، انشغل وصفي بالعمل على تأمين القوة اللازمة لاستعادة الأرض التي احتلها العدو الإسرائيلي واقتلاعه من جذوره.
 
العرب للأسف ولا سيما الثورجيون المحيطون بالكيان الدخيل انشغلوا بالتآمر والتناحر على كراسي الحكم وبالسعي نحو الشعبويات فانتهجوا سبيل خطب التهريج والشتائم التي اطربت العوام الذين كانوا يُجلبون للتصفيق للزعيم مقابل جنيه وكان الهدف من هذا التحشيد إيصال رسالة للعالم ولا سيما العربي منه عن مدى شعبية الريس وقوته، وبالتالي الاستحواذ على عقول الشعوب العربية واخافة حكامها.
 
النتيجة كانت ضياع بقية فلسطين واستخدام هياكل صواريخ الظافر والقاهر مراحيض عامة من قبل العدو الإسرائيلي بعد حرب «الساعات الست» عام ١٩٦٧.
 
وصفي التل كان مشروع تحرير له شروطه واعداداته وميادينه، مشروع وصفي يفتح حدود أقطار دول الطوق ويحدد المهام فهو مشروع متكامل يبدأ بتحصين الجبهات الداخلية بدءاً من الاكتفاء الذاتي وتأمين غذاء الشعوب ومروراً ببناء الانسان العربي المتسلح بالعلم والمعرفة وانتهاء بتجهيز الجيوش على أُسس صحيحة وعقيدة قتالية بوصلتها تشير إلى فلسطين كل فلسطين وكنس العدو الإسرائيلي عن أرضها وشطب اسم الكيان عن الخرائط.
 
وكقائد يُدرك أن من سمات القيادة معرفة اساليب تحقيق الأهداف بدأ بنفسه، بعد تخرجه من الجامعة الأميركية ببيروت لم يُضيّع دقيقة واحدة دون فائدة، فعمل في التعليم والإدارة ثم التحق بالكلية العسكرية البريطانية في فلسطين وتخرّج منها ضابطاً مُلماً بأصول القتال والجندية، لينطلق بعد ذلك إلى صفوف المجاهدين في جيش الإنقاذ كقائد لفوج اليرموك الذي شارك في حرب عام ١٩٤٨، وعندما استقال قائد جيش الإنقاذ فوزي القاوقجي عام ١٩٤٩ احتجاجاً على قرار الهدنة مع العدو الإسرائيلي واصل وصفي قيادة فوج اليرموك واختار جنوب لبنان لشن هجمات منه على إسرائيل ما أزعج فؤاد شهاب قائد الجيش اللبناني آنذاك فطلب من صديقه حسني الزعيم رئيس الجمهورية السورية سحب جيش وصفي فاستدعاه الأخير إلى دمشق وعرض عليه الانضمام إلى الجيش السوري مع ترقيته إلى رتبة أعلى وعندما رفض وصفي مصراً على قتال الصهاينة زج به الزعيم في سجن المزة الذي مكث فيه بضعة اشهر ثم جرى اخراجه وابعاده إلى الحدود الأردنية حيث استقل سيارة أوصلته إلى إربد.
 
كانت نتيجة حرب عام ١٩٤٨صادمة للشعوب العربية ولبعض القادة، لكن القادة امثال وصفي كانوا يتوقعون الهزيمة لانهم اطلعوا عن كثب على هشاشة الجيوش العربية وعدم صدقية قادة الدول المؤثرة في محاربة إسرائيل.
 
وصفي كصاحب مشروع اعتبر انتهاء المعارك عام ١٩٤٨ وقفاً لإطلاق النار وليس انتهاء للحرب مع العدو، لذلك لم يستسلم لليأس مستأنفاً مشروعه لمعاودة قتال العدو.
 
كان ريادياً صاحب نظرة ثاقبة وفكر منظم لذلك نراه عبر كل الوظائف التي تولاها يعمل ضمن مخطط مدروس للوصول إلى الهدف، فوصفي بالأساس يؤمن بأن نهضة الأمة تتحقق ببناء الأوطان على ركائز ثابتة تحمي استقلالها وسيادتها على قرارها، أهمها بناء الإنسان الواعي المتعلم والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء ومستلزمات الحياة الاخرى وبناء القوة الضامنة للدفاع عن الأرض.
 
المبادئ التي آمن بها وصفي وجدت طريقها على الواقع عملاً وإنجازاً، فهو ليس من ذلك النمط الذي يكتفي برفع الشعارات لترفعه شخصياً ولا ترتفع بالأوطان، وهذا هو الفرق بين وصفي ومعظم السياسيين في الأردن والعالم العربي.
 
لقد قضى وصفي عن واحد وخمسين عاماً حقق خلالها ما لم يحققه غيره مجتمعين، فبعد تسعة واربعين عاماً على رحيله ما زال الاردنيون ينتفعون من الانجازات التي تركها لهم كالتعليم والصحة والزراعة والغابات وقنوات المياه والميناء والاعلام ومعسكرات الشباب وغيرها مما لا يُعد من المكتسبات.
 
اذا كان وصفي قد رحل لان مشروعه أزعج المتخاذلين الدجالين فإن المشروع هو هدية وصفي وهدايته لتحرير فلسطين تتمسك به الاجيال الى ان تحين ساعة ترجمته نحو تحقيق الهدف الذي من اجله ظل يقاتل حتى اخر يوم من عمره، اما القتلة ومن حرضهم فقد كان مصيرهم الخزي والذل فماتوا جميعاً، الادوات الذين نفذوا نفقوا على الطرقات الى جانب حاويات القمامة التي يقتاتون منها والمحرضون قتلتهم شعوبهم بابشع الصور.
 
سيظل وصفي القدوة والمنارة مُفكراً وقائداً مُلهماً وخالداً مع الشهداء الأبرار الأخيار ولو كره المنافقون.