الغد
بدأت أولى اختبارات أحمد الشرع، رئيس المرحلة الانتقالية في سورية، فعلياً بعد عودته من الرياض ولقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. هذا اللقاء الذي أوقف العقوبات على سورية يعني من الناحية السياسية منح الإدارة السورية المؤقتة ورقة بالغة الأهمية لإثبات أهليتها في إدارة المرحلة المقبلة.
صحيح أن استخدام ترامب لمصطلح "وقف العقوبات" لا يعني بالضرورة رفعاً نهائياً لها، إلا أنه يشير إلى أن الشرع بات أمام مهمة واضحة ومحددة، مرحلة " تقديم أوراق الاعتماد" عبر تحقيق إنجازات حقيقية على الأرض تُثبت للولايات المتحدة والمجتمع الدولي أنه قادر على ضبط الداخل السوري وإدارته سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
في الداخل، يُعد ملف التوافق السياسي بين المكونات السورية من أكثر القضايا إلحاحاً، خاصة في ظل الخريطة الطائفية والعرقية المعقدة، ووجود سلاح منفلت وميليشيات ما تزال تتصرف كقوى أمر واقع. المقاربة المطلوبة من الشرع ترتكز على منح المكونات السورية، خصوصاً الكرد، مساحة من الاستقلالية الإدارية لإدارة شؤونهم في إطار الدولة السورية، في مقابل التزامهم بدور أمني أساسي يتمثل بمحاربة تنظيم داعش، وتحمّل مسؤولية ملف السجون التي تضم عناصر التنظيم.
العلاقة مع إسرائيل تبدو مفتاحاً أساسياً في تعامل الإدارة السورية مع الولايات المتحدة، وهي علاقة وجودية أيضاً، باعتبار أن أي تصعيد أو استهداف مباشر من الجانب الإسرائيلي يمكن أن يُنهي فعلياً وجود الإدارة الحالية ويدفع بسورية إلى سيناريو الفوضى والتقسيم. لذلك، القبول بالواقع الحالي الذي فرضته إسرائيل، من اعتراف بالجولان كمنطقة إسرائيلية، وقبول منطقة منزوعة السلاح في الجنوب، قد يصبح خياراً لا يمكن تجاهله، خاصة في ظل غياب الثقة الإسرائيلية تجاه الوضع السوري وتخوفها من عودة الأراضي السورية لاستخدامها كمنصات تسليح وتهديد.
كما أن الطرح الأميركي لانضمام سورية إلى الاتفاقيات الإبراهيمية ما يزال مطروحاً، وقد يترافق مع خطوات تمهيدية لإثبات حسن النية، مثل تسليم رفات جنود إسرائيليين أو جثة إيلي كوهين، وهو ما تعتبره واشنطن وتل أبيب مؤشرات ضرورية لأي تقدم.
في موازاة ذلك، تبقى التحديات الأمنية داخل سورية الأكثر تعقيداً والأشد خطورة. ما يزال السلاح المنتشر بأيدي الجماعات المسلحة، وتحديداً تلك التي انضوت سابقاً تحت راية هيئة تحرير الشام، يشكل تهديداً فعلياً لأي استقرار محتمل. هذه الجماعات، التي لا تتماهى أيديولوجياً مع التحول الحاصل من الجولاني إلى الشرع، قد ترى في هذا التغيير تهديداً مباشراً لمصالحها ووجودها. أما العناصر الأجنبية التي ما تزال جزءاً من بنية السيطرة العسكرية، فقد أثبتت في أكثر من مناسبة أنها خارجة عن السيطرة، ولا يمكن دمجها بسهولة في أي مشروع دولة. ويضاف إلى كل ذلك التهديد المتجدد لتنظيم داعش، الذي استطاع توسيع رقعة انتشاره في البادية، ويُنفذ عمليات نوعية تشير إلى عودة خطيرة لقدراته. التعامل مع هذا التهديد بفعالية، وضمن تنسيق مباشر مع التحالف الدولي، قد يمنح الشرع ورقة اعتماد دولية قوية تؤهله ليكون شريكاً ميدانياً في الحرب على الإرهاب.
خطر داعش لا يقتصر على المواجهة العسكرية فحسب، بل يتعداها إلى التحدي الداخلي المتمثل في إمكانية انشقاق عناصر من الجهاز الأمني الحالي والانضمام للتنظيم، خصوصاً أولئك الذين يرون في مشروع الدولة الناشئة تهديداً لهويتهم أو امتيازاتهم السابقة. الفجوة بين الجماعة والدولة، بين الجولاني والشرع، قد تتحول إلى صراع مفتوح في حال لم يتم استيعاب هذه العناصر أو تحييدها.
اليوم، وبعد أن وضعت الإدارة الأميركية تعليق العقوبات على الطاولة، تبدو واشنطن في انتظار خطوات ملموسة من دمشق. الملفات المفتوحة تتوزع على ثلاث جبهات رئيسية: توافق سياسي داخلي حقيقي ، ضبط أمني شامل في مواجهة التنظيمات المسلحة وصولاً إلى داعش، وترتيبات إقليمية تتضمن شكلاً جديداً من العلاقة مع إسرائيل، بما في ذلك قضايا حساسة كالاعتراف السياسي والتنسيق الأمني.