الدستور
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون- 169 آل عمران
في الجنة، هناك مدينة تُسمى غزة، مخصصة لشهداء غزة. تشبه غزة التي نعرفها، لكنها أجمل بكثير مما يمكن للعين أن تراه أو للأذن أن تسمعه. هذه المدينة تضم مدارس، وجامعات، ودور عبادة، ومتاحف، وشواطئ محاطة بالنخيل، حيث تعيش الأرواح في سلام وجمال لا مثيل له.
في تلك المدينة، تتحول الأحلام إلى حقيقة. لا حصار ولا خوف، لا قصف ولا جنود أشرار، ولا طائرات مسيّرة تُقلق سكانها. لا أشلاء ممزقة مبعثرة، ولا صيحات أمهات مفجوعات بالألم، ولا ارتعاشات أطفال مذعورين، ولا بكاء رجال مكبوتين بالقهر. في غزة السماء، يتحقق كل ما حلم به أهلها، حيث يحتضن السلام والأمان كل روح، وينعم الجميع بالطمأنينة التي طالما تمنوها.
تقع هذه المدينة فوق غزة الأرض. مدينة هادئة وديعة، وكأن العالم كله يعتذر لأهلها عما قاسوه في الدنيا. أما على الأرض، فثمة مدينة محاصرة، مدمرة، تقف شامخة بقلوب أهلها الصامدة وابتهالاتهم المستمرة، في مواجهة جيش يمتلك أحدث الأسلحة وأشدها فتكًا. هذه المدينة الأرضية تواصل نضالها، تزرع الصمود في وجه الدمار وتغرس الأمل رغم كل الآلام.
من تحت الأنقاض، تزدهر الزهور التي سقيت بدماء الأطفال، معلنة إرادة الحياة في غزة أو الشهادة في سبيلها! تعلمنا غزة كيف نصمد رغم العواصف، وكيف نزرع الأمل وسط الخراب. في غزة، يسكن الألم في كل زاوية، وكل جدار يحكي قصة شجاعة وصمود لا ينكسر.
إنها المدينة التي فشل المجرمون في كسر إرادتها!
غزة السماء واحة من نور، منارة لكل المدن. مدينة تعكس عظمة أهلها وتضحياتهم وعزيمتهم. لا جدران مهدمة هناك ولا حدود تعزلها عن العالم، ولا أنفاق تُغمر بالمياه. هي حرة، متألقة، وصامدة بنورها الذي لا ينطفئ.
في غزة السماء، يظلهم شجر عظيم، يجتمع أهلها تحته، يذكرون أحباءهم وذكريات الصبر والثبات، ويرفعون أيديهم بالدعاء إلى الله أن يجمعهم بمن أحبوا. تلك الذكريات وهذه الدعوات كانت جواز سفرهم إلى غزة السماء، حيث لا فراق ولا ألم، بل لقاء يجمع الأرواح الخالدة في ظل الرحمة.
غزة السماء ليست مجرد مكان، بل هي شهادة على عظمة أهلها، وعزاء لأرواحهم التي صبرت واحتسبت. هي وعد من الله، إله هذا الكون، لأهلها بالسكينة التي طالما حلموا بها. في غزة السماء، لا يحتاج الأطفال إلى الاختباء من القنابل، أو كتابة أسمائهم على أجسادهم، أو تدوين وصاياهم. بل يمرحون ببراءة في حدائق لا تنتهي، ويطيرون في فضاءات خاصة لا تُفتح إلا لهم. هناك، يعانق الآباء والأمهات أطفالهم بلا فراق، في عالم لا يعرف سوى الأمان والفرح.
غزة السماء هي المدينة التي تستقبل أهل غزة الأرض، وتمنحهم الحياة الأبدية التي يستحقونها. مدينة لا تحاصرها القوانين الظالمة، ولا المصطلحات الكاذبة، ولا المنظمات الخادعة. هي المدينة التي يستحقها أهلها، حيث العدالة الحقيقية والكرامة التي لا ينالها إلا الصابرون والمضحون.
في غزة السماء، هناك أحياء تعكس عظمة ساكنيها، مثل حي الساجد وحي الأنيق، وحي آخر يُسمى حي السفير، يقطنه كل من استشهد خارج غزة ولكن من أجلها. يتربع في هذا الحي قصر منيف يسكنه الشهيد ماهر الجازي.