عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Jan-2021

هل انتصر لوكاشينكو؟

 الغد-سلافومير سيراكوفسكي

 
وارسو- بعد انتصار الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في انتخابات الإعادة المزورة في أغسطس 2020، أمضى أكثر من 100 يوم في قمع الاحتجاجات السلمية الضخمة التي عمت بلاده ولكن لا تظنوا ان فترة الهدوء الحالية تعني ان البيلاروسيين قد استكانوا فهم مستمرون في تطويع تكتيكاتهم بحيث لا يتوقعها النظام.
بعد المسيرات واسعة النطاق في الخريف الماضي في مينسك والمدن والبلدان الأخرى أصبحت المظاهرات متفرقة وعلى نطاق محلي بشكل أكبر بحيث تظهر في مناطق سكنية في طول البلاد وعرضها. لقد تمكن مخترقو البيانات الالكترونية من المعارضة من حجب المواقع الالكترونية التابعة للحكومة واختراق البث الحكومي عبر الانترنت مما كشف الغسيل القذر للنظام ووحشية اجهزته الأمنية.
عندما تم منع الصحفيين من تغطية الاحداث، بدأ المواطنون بممارسة العمل الصحفي وذلك من خلال تسجيل كل ما يحصل بحيث أظهروا للسلطات انه ليس لديها أي أمل بالتستر على هذه الجرائم التي ترتكبها السلطات وحتى يومنا هذا يقوم البيلاروسيون بعمليات تخريب على مستوى محدود ويرفعون علم المعارضة والرموز المرتبطة بها في كل مكان يستطيعون الوصول اليه.
ان لوكاشينكو ما يزال في وضع دفاعي حيث طالب بإزالة الكتابات المعادية للنظام من على الجدران وطلائها حال ظهورها وهي لعبة عقيمة بالنسبة للسلطات تشبه لعبة “اضرب الخلد” وحتى انه أمر بإزالة اعلام المعارضة الموجودة تحت سطح البحيرات المتجمدة.
ان النشاطات الحالية للمعارضة قد فرضت تكاليف إضافية على الحكومة وهي تكاليف لا تستطيع الحكومة تحملها. ان الأسعار المنخفضة اليوم للنفط وسماد البوتاسيوم واغلاق لوكاشينكو للحدود والهجرة الجماعية للشباب (بما في ذلك الفنيون والعمال من أصحاب المهارات العالية) ومقاومة عمال المصانع من خلال الاكتفاء بالحد الأدنى من العمل والعقوبات المفروضة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الاميركية وجائحة كوفيد19 قد جعلت النظام يواجه الانهيار المالي. لقد قام البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية وبنك الاستثمار الأوروبي بتعليق التعاون مع النظام كما رفض صندوق النقد الدولي تقديم التمويل له.
نتيجة لذلك، اضطرت السلطات لإنفاق حوالي 1،5 مليار دولار اميركي من احتياطات بيلاروسيا من العملات من اجل المحافظة على سعر صرف الروبل وتغطية الدين العام. يرى أليش ألاتشنوفيتش وهو اقتصادي بيلاروسي مستقل ان النظام يتجه لانهيار اقتصادي برتم بطيء وابتداء من 1 سبتمبر كان البنك المركزي يمتلك احتياطات تصل قيمتها الى 7،5 مليار دولار امريكي ولكن حوالي 40 % منها فقط كانت مقومة بعملات اجنبية.
ان سعر صرف الروبل هو 0،32 يورو (0،39 دولار اميركي) مما يعني ان المبلغ المتوفر بالروبل الذي تصل قيمته الى عدة مليارات والذي تحتفظ به وزارة المالية من المفترض ان يبقي البلاد مستقرة نسبيا لبضعة أشهر ولكن بعد ذلك فإن الانهيار المالي سوف يتسارع ويصبح ظاهرا بشكل أكبر وهذا بدوره يمكن ان يشعل موجة أخرى من الاحتجاجات وكما أشار ألاتشنوفيتش فإن من الممكن ان عجز الميزانية لسنة 2020 قد وصل لمبلغ 2 مليار دولار اميركي ومن المرجح ان يصل للمستوى نفسه مجددا في 2021. يتوجب على لوكاشينكو ليس فقط تقديم مبلغ 4 مليارات دولار اميركي لخدمة الدين، بل يتوجب عليه أيضا تقديم مبلغ 2 مليار دولار اميركي لتغطية العجز التجاري.
يحتاج لوكاشينكو من اجل البقاء حتى انتهاء فصل الشتاء لدعم مالي ضخم من روسيا ولكن بسبب معرفة روسيا بإن النظام غير قادر على السداد فإن من المرجح ان يرفض الكرملين الدفع او ان يفرض شروطا صارمة من اجل تقديم مثل هذا الدعم. سوف يطلب الكرملين مقابل العملة الصعبة رئاسة بيلاروسية أضعف وتوفير فرص اقتصادية للاوليغارشية الروسية والشركات المملوكة للدولة ولا يستطيع لوكاشينكو ان يأمل بتلبية تلك المطالب مع البقاء في السلطة.
ليس سرا ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولوكاشينكو يحتقران بعضهما البعض ولسنوات كان لوكاشينكو عادة ما يخدع الكرملين من خلال عدم احترام تعهداته المتعلقة باتفاقيات عديدة “النفط مقابل السيادة ” ( مفضلا ” النفط مقابل العناق “عوضا عن ذلك). ان هذا التاريخ يفسّر لماذا لم تتدخل روسيا بشكل مباشر لقمع الاحتجاجات فالكرملين يمكنه بسهولة قبول سقوط لوكاشينكو وخاصه إذا كان خليفته صديق لروسيا.
ومن اجل تحقيق هذا الهدف فلقد أوردت صحيفة ذا انسايدر وهي صحيفة مستقلة مقرها موسكو ان الكرملين يعمل بالفعل على تشكيل حزب جديد موالي لروسيا في بيلاروسيا. ان حزب ” قانون الشعب ” والذي يهدف لضم شخصيات إعلامية ونخب حاكمة ومسؤولين حكوميين من بيلاروسيا كأعضاء في الحزب، سوف يكون مستعدا لأن يقف في وجه لوكاشينكو (ولصالح المزيد من الاندماج مع روسيا).
يترأس مشروع قانون الشعب الجنرال فلاديمير تشيرنوف والذي قاد جهود الكرملين السابقة لإحباط “الثورات الملونة” في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة حيث يعمل تشيرنوف حاليا على انشاء شبكة من 1200 مرشح محتمل من أحزاب معارضة مختلفة. ان من المرتكزات الرئيسة لمنصة الحزب الجديد هي الدعوة للخصخصة والتي قد تستلزم بيع أكبر الشركات البيلاروسية الى الاوليغارشية الروسية أو للشركات الروسية العملاقة المملوكة للدولة مثل غازبروم.
لقد نفذ تشيرنوف مبادرات مماثلة للكرملين في مولدوفا وجورجيا وأرمينيا حيث “سمحت” روسيا لفصائل متعاطفة معها من المعارضة بالإطاحة بالحكومات غير الديمقراطية. ان بيلاروسيا أهم بكثير للكرملين مقارنة بتلك الدول الأخرى ولكن الوضع حساس ونظرا لتجربتها في أوكرانيا، تدرك روسيا ان استخدام القوة يمكن ان يأتي بنتائج عكسية وذلك من خلال تعزيز حس الهوية المشتركة والتضامن في بيلاروسيا.
بالطبع فلقد حصل ذلك بالفعل حيث يستعد البيلاروسيون الى التظاهر مجددا في الربيع وبعد أشهر من التعلم من تجربتهم وبناء قوتهم، سيكونون خصما عنيدا في مواجهة الأجهزة الأمنية التابعة للوكاشينكو والتي تعاني من الإرهاق وفي واقع الأمر فإن هناك فرصة لإن تهزم حركة المعارضة المستقلة الديكتاتور وتتجنب ان ينتهي بها المطاف تحت سيطرة روسيا.
وعليه فإن من الخطأ الاستنتاج انه فقط لأن مائتي ألف شخص لم يعودوا يتظاهرون في مينسك كل أسبوع، فإن هذا يعني استسلام الشعب البيلاروسي. ان الاحتجاجات وبكل بساطة قد انتقلت وتغير شكلها خلال فصل الشتاء.
ان أهم عنصر الان هو الأجهزة الأمنية والتي تحمي لوكاشينكو. تنشر بايبول وهي منظمة من موظفي الامن الذين تركوا الخدمة أو الذين يساعدون المعارضة مع بقاءهم بالعمل لصالح النظام المزيد من المواد والتي توثّق انهيار الانضباط والمعنويات ضمن اومون (شرطة مكافحة الشغب) والميليشيات الموالية للدولة والقوات الخاصة.
ان الكثير من السيلوفيكي (النخب ضمن الدولة) يتركون مناصبهم وأولئك الذين يبقون في مناصبهم لم يعودوا يفعلون ذلك عن قناعة حيث يبدو ان النظام أصبح يحتضر من الداخل.
 
*سلافومير سيراكوفيسكي هو مؤسس حركة كرايتايكا بوليتسزنا ومدير معهد الدراسات المتقدمة في وارسو وزميل تنفيذي في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية.
حقوق النشر:بروجيكت سنديكت ،2021