قمة بوتين - بايدن اليوم.. مَن يَرسم «الخطوط الحمراء» ومَن يجتازها؟*محمد خرّوب
الراي
على وقع المُشادّة الكلامية الحادّة بين وزيريّ الخارجية الروسي/لافروف والاميركي/بلينكن في ستوكهولم مؤخرا, ورفض الرئيس الأميركي قبول اي «خطوط حمراء» من جانب روسيا, إضافة الى «الرفض» القاطع الذي أعلنته ناطقة البيت الأبيض/جين بساكي:"تقديم اي ضمانة لموسكو بأن اوكرانيا لن تنضم الى حلف الناتو", وتأكيدها ان «دول الناتو هي التي تُقرّرمَن هو العضو في الناتو وليس روسيا». تلتئم اليوم القمة «الثانية» خلال خمسة أشهر بين الرئيسين بوتين وبايدن, وسط أجواء مُتوترة محمولة على إنعدام ثقة وشكوك مُتبادلة, تكاد تكون قمة مصارعة وتبادل لكمات, منها الى محاولة ربما تكون الأخيرة لإيجاد «تسوية» ما, تحول دون تدهور الأوضاع الميدانية وانزلاقها الى حرب يصعب التحكّم بمساراتها, اومعرفة الساحات/الدول التي ستشملها, خصوصا «الأسلحة» التي سيتم استخدامها حال خرجت الحرب عن الخطط التي وُضِعت أهدافها مُسبقاً.
أجواء قمة اليوم «الإفتراضية» بين الزعيمين, ستكون مختلفة وأكثر توتراً عن القمة الأولى «الوجاهية» التي جمعتهما في جنيف حزيران الماضي, خاصة انها كانت قمة يمكن وصفها «قمة تعارُف» بين بوتين/وبايدن كرئيس للولايات المتحدة, رغم انهما التقيا سابقا عندما كان بايدن نائبا لـ"أوباما", بما أنه/اوباما...الرئيس الأكثر عدوانية في التعاطي مع موسكو, عندما واظب على التقليل من شأنها وعدم الإعتراف بها قوة عظمى او دولة كبرى. لم يتورّع/اوباما عن وصفها يأنها «دولة من دول العالم الثالث, وانها لا تُقدّم شيئاً للعالم سوى السلاح والنفط».
العلاقات الروسية/الأميركية وصلت مرحلة غير مسبوقة من التوتر, توشك التحوّل الى ما يشبه القطيعة, تبدو وكأنها امتداد لمرحلة اوباما بل أسوأ بكثير, محمولة هذه المرة على مشاركة حلف الناتو بتحريض أميركي/وبريطاني وانخراط بولندي/وأوكراني محموم, في حملة شيطنة وتشويه سمعة وسياسات روسيا, خاصة التصويب على رئيسها/بوتين عبر اتهامه بـ"جنون العظمة/والثقة الزائدة» وممارسة لعبة خطرة في اوكرانيا. في محاولة مكشوفة للتغطية على مُخططاتهم الرامية إستكمال محاصرة روسيا, عبر تحويل البحر الأسود الى بحيرة أطلسية. من خلال منح ما «تبقىّ» من الدول المشاطئة لهذا البحر وهي اوكرانيا وجورجيا عضوية الناتو.
يدرك بوتين خطورة تلك المخططات الأميركية/الأطلسية على امن بلاده في بُعديهما الجيوسياسي والجيوإستراتيجي, ما دفعه ليس فقط إعتبار انضمام اوكرانيا خطاً احمر لن تسمح موسكو تجاوزه, بل وايضا حصولها على ضمانات أميركية/أطلسية بعدم ضم كييف الى حلف الأطلسي, خاصة بعدما «نكثت» واشنطن وعودها (الشفوية في واقع الحال..التي بذلها جيمس بيكر وصدّقها الساذج/المشبوه غورباتشوف) بعدم توسّع الناتو شرقاً في الفضاء السوفياتي السابق.
وإذ تُواصل وسائل الإعلام الغربية ضخ المزيد من الأكاذيب, ونسج روايات وفبركة تحقيقات حول ضخامة الحشود العسكرية الروسية على الحدود الأوكرانية, بل ذهب بعضها وبخاصة الأميركية/والبريطانية بعيدا في تحديد «أمكنة/وتاريخ» الإجتياح الروسي «المُؤكّد في نظرهم» وهو نهاية كانون الثاني الوشيك, كما دخلت وكالات الإستخبارات الأميركية بنشاط لافت على الخط, عبر نشر «توقّعاتها", الداعمة والمؤيدة لحملة التحريض الإعلامية والنفسِية/الدِعائية الغربية, تمنحها تصريحات امين حلف الناتو النرويجي/ستولتنبرغ اشرعة ورياحا إضافية, فإن ما ستنتهي اليه قمة اليوم, سيُؤسس رغم كل ما قيل ويقال, للمسارالذي سيحكم لاحقا المشهد المحتقن بين روسيا والولايات المتحة/وحلف الأطلسي. كون الأمور وصلت مرحلة حاسمة, بعد «النجاح» الذي أصابه المتطرفون في اوكرانيا عبر تضخيم الأمور وإشاعة أجواء الحرب الوشيكة, وجدتْ صداها بل تلقفها مُتطرفو الناتو/والبنتاغون الأميركي, كما قوى اليمين المُتطرف في بعض دول شرق ووسط اوروبا, التي تريد تصفية حسابها «القديم» مع روسيا بما هي وريثة الإتحاد السوفياتي بل قبله أيضاً.
ثمة في اميركا واوروبا مَن يقول: ان إدارة بايدن لن تُغامربالإنخراط في حرب مع روسيا من اجل اوكرانيا. كون الاخيرة دولة فاشلة ينخرها الفساد وتتحكّم بها نخبة قومية متطرفة, لن يحقق ضمها للناتو قيمة مضافة رغم موقعها الإستراتيجي. مع قناعة لدى صناع القرار في واشنطن بأن بوتين لن يتردّد في تنفيذ ما يلوح به/إجتياح اوكرانيا,حال قرّر الناتو/واشنطن ضم اوكرانيا, ما بلك إذا وعندما تمضي واشنطن قدما في نشر صواريخها الإستراتيجية متوسطة المدى/النووية على حدود روسيا الشرقية. والتي اعلنت موسكو انها ستُقابلها بالنثل وستنشر مثيلاتها في مواجهتها.
لهذا كان لافتا تحذير وزير الخارجية الأميركية/بلينكين.. اوكرانيا, من من إعطاء روسيا «ذريعة» للقيام بعمل عسكري كما زعم, داعيا كييف الى مواصلة «ضبط النفس», لأن روسيا تحاول مرة أخرى إطلاق إدعاءات إستفزازية, لشيءكانوا يخططون له طوال الوقت»..كم ادّعى.
في المُجمل.. يمكن إدراج قمة اليوم ضمن مساعي الطرفين لـ«خفض التصعيد», رغم الهوّة الواسعة التي تفصل بينهما في ملفات وقضايا عديدة..أفقيا وعامودياً, ما يعكس ضخامة جدول الأعمال الذي «قد» يناقشانه, وسط أجواء ضاغطة وشائكة مفتوحة على إحتمالات كثيرة معظمها كارثي النتائج.. إذ لم يتم كبحها.