عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Oct-2025

لم يعد بإمكان إسرائيل إنكار وجود فلسطين

  الغد

شيرا عفرون* - (فورين أفيرز) 23 أيلول (سبتمبر) 2025
 
الاعتراف بفلسطين سيغير جذرياً وضع الضفة الغربية وقطاع غزة بموجب القانون الدولي، حيث سيلزم الدول المعترفة بدولة فلسطين بمراجعة اتفاقاتها مع إسرائيل لضمان أنها لا تنتهك التزاماتها تجاه الدولة الفلسطينية. وقد يعاد توصيف مجموعة واسعة من العمليات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك آلاف المداهمات السنوية لاعتقال إرهابيين أو تدمير أسلحة في الأراضي الفلسطينية، من كونها عمليات لمكافحة الإرهاب إلى انتهاكات لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة.
 
 
***
في الحادي والعشرين والثاني والعشرين من أيلول (سبتمبر)، اعترفت أستراليا وكندا وفرنسا والمملكة المتحدة وست دول أخرى بدولة فلسطين، وردت إسرائيل على هذه الخطوة بتحد واضح. بعد أن أعلنت هذه الدول اعترافها يوم الأحد، أدلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ببيان مصور باللغة العبرية، قال فيه: "هذا لن يحدث. لن تقام دولة فلسطينية غرب نهر الأردن". وعلى الرغم من أن نتنياهو لم يكن قد اتخذ قراراً نهائياً بشأن رد إسرائيل الكامل إلا عند عودته إلى المنطقة عقب لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فإن ائتلافه هدد مراراً بضم أراضي الضفة الغربية وبحل السلطة الفلسطينية بالكامل.
لكن هذا النهج القائم على الفعل ورد الفعل لا يخدم مصالح أي طرف. فمع تنامي زخم هذه الموجة من الاعترافات وتسارع رد الحكومة الإسرائيلية العدواني، سيواجه الإسرائيليون خسائر كبيرة وستتعاظم عزلة بلدهم الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية. وبالتوازي سيخسر الفلسطينيون أيضاً، لأن الاعترافات بالدولة لا تقدم، بحد ذاتها، فوائد حقيقية وملموسة للشعب الفلسطيني، ولا تساعد السلطة الفلسطينية المتعثرة على الخروج من أزمتها، بل إنها تعطي العناصر المتشددة في الحكومة الإسرائيلية ذريعة أكبر لمحاولة قمع حق الفلسطينيين في تقرير المصير وإضعاف السلطة الفلسطينية أكثر.
وحتى قبل الإعلان الرسمي عن الاعترافات، كانت الحكومة الإسرائيلية قد شرعت في استخدامها كذريعة لخطوات جديدة ترمي إلى توسيع المستوطنات في الضفة الغربية. ففي 20 آب (أغسطس)، وافقت إسرائيل على بناء مستوطنة "إي-1" المثيرة للجدل، التي سيكون من شأنها أن تقسم الضفة الغربية فعلياً إلى شطرين. وقد قدم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش هذه الخطوة صراحة على أنها رد إسرائيل على الدعوات إلى إقامة دولة فلسطينية. وقال: "هذا الواقع سيقضي بشكل نهائي على فكرة الدولة الفلسطينية، لأنه لا يوجد ما يُعترف به ولا مَن يعترف به".
ولكن، ما يزال من الممكن أن تثمر موجة الاعترافات الأخيرة بالدولة الفلسطينية إذا نظر كل من القادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى ما هو أبعد من الرمزية، وإذا عملت الجهات الفاعلة الدولية على تسويق الاعتراف -ليس باعتباره خطوة أحادية الجانب، بل كجزء صغير من جهد متعدد الأطراف وشاق من أجل الاعتراف المتبادل بين إسرائيل وفلسطين، وتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وجيرانها، وتعزيز التكامل الإقليمي. وتحتاج الحكومات المعترفة بفلسطين إلى وضع قرارها بشكل أوضح في إطار ما يسمى "إعلان نيويورك" (الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بغالبية ساحقة في 12 أيلول (سبتمبر))، ومؤتمر الأمم المتحدة الذي انعقد في تموز (يوليو) حول حل الدولتين الذي ترأسته فرنسا والسعودية. وتقترح كلتا المبادرتين طرقاً أكثر عملية للمضي قدماً، ويجب على إسرائيل اغتنام الفرصة التي تتيحها هاتان المبادرتان. ويرسم "إعلان نيويورك" إطاراً شاملاً لإنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وإعادة الرهائن المتبقين، وتفكيك حركة "حماس"، وإعادة إعمار القطاع، كما أنه يدعم هذه الخطوات بضمانات أمنية ومبادرات لتعزيز التكامل الإقليمي.
في الواقع، تتوافق جميع هذه التدابير مع الأهداف العسكرية والسياسية لإسرائيل. ولذلك يجب على القادة الإسرائيليين تجاوز الجمود الأيديولوجي الذي يدفعهم إلى معارضة أي فكرة تتعلق بحق الفلسطينيين في تقرير المصير. وعليهم استغلال هذه اللحظة للتواصل مع فرنسا والسعودية بشأن كيفية تنفيذ "إعلان نيويورك"، ومطالبة الفلسطينيين والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى بالاعتراف بإسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي (مثلما فعلت اتفاقات أبراهام في العام 2020)، والمطالبة بمحاسبة القادة الفلسطينيين على التزامهم، بموجب القانون الدولي، بمنع استخدام أراضيهم كقاعدة لشن هجمات على إسرائيل. وإذا فعلوا ذلك، فقد يجدون أن موجة الاعتراف بدولة فلسطين تعود بالنفع على إسرائيل أيضاً. وسيتعين على الدول المعترفة بفلسطين أن تكثف جهودها أيضاً، من خلال ترجمة ضماناتها الأمنية إلى إجراءات عملية ملموسة، والمساعدة في بناء دولة فلسطينية لا تهدد جيرانها، وتوفر لشعبها كرامة العيش من خلال توفير مؤسسات فاعلة وخدمات مناسبة.
رد محسوب
أُسست دولة إسرائيل بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، مما يعني نظرياً أن إسرائيل لا يمكنها أن تقبل بمشروعية القرار الذي أوجدها بينما ترفض أن تقام دولة فلسطينية على الأساس نفسه. لكن المعارضة الإسرائيلية لإنشاء دولة فلسطينية لم تشتد إلا منذ هجوم "حماس" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023. ووجد استطلاع رأي أجراه "مركز بيو" في حزيران (يونيو) الماضي أن 21 في المائة فقط من الإسرائيليين يوافقون على أن "التعايش السلمي مع دولة فلسطينية ممكن"، وهي أدنى نسبة منذ أن طرحت مؤسسة الاستطلاعات المذكورة السؤال للمرة الأولى في العام 2013. ووجد استطلاع رأي مشترك أجراه "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" (PCPSR) و"البرنامج الدولي لحل النزاعات والوساطة" في جامعة تل أبيب في أيلول (سبتمبر) 2024 أن معظم الإسرائيليين يعتقدون أنه في حال قيام دولة فلسطينية، فإن الهجمات الإرهابية على إسرائيل ستستمر أو تتفاقم.
بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، أصبح الإسرائيليون شديدي الحساسية تجاه الأخطار ومترددين في تقديم تنازلات إقليمية، لا سيما في ظل التهديد الإرهابي المستمر من الأراضي الفلسطينية وحالة الضعف التي تعانيها السلطة الفلسطينية. وحتى القادة الوسطيون الذين يعارضون نتنياهو بإصرار أعلنوا رفضهم الشديد للاعتراف بإقامة دولة فلسطينية. فقد أعرب بيني غانتس، وهو جنرال وسطي متقاعد خدم في مجلس الحرب الذي يقوده نتنياهو، عن أسفه لأن الاعتراف في هذا التوقيت "لن يؤدي في نهاية المطاف إلا إلى تشجيع ’حماس‘، وإطالة أمد الحرب، وإبعاد احتمالات التوصل إلى صفقة للإفراج عن الرهائن. كما أنه يوجه رسالة دعم واضحة لإيران ووكلائها". وفي 21 أيلول (سبتمبر)، قال زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، "إن الاعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية من بريطانيا وأستراليا وكندا هو كارثة دبلوماسية، وخطوة ضارة، ومكافأة للإرهاب".
ويتفق كثير من الإسرائيليين، وبشكل مبرر إلى حد ما، على أن توقيت الاعترافات الأخيرة بدولة فلسطين يعد مكافأة لـ"حماس"، وهو رأي روج له مسؤولو الحركة. ففي الثاني من آب (أغسطس)، صرح غازي حمد، أحد كبار مسؤولي "حماس"، لقناة "الجزيرة"، بأن "مبادرة دول عدة للاعتراف بدولة فلسطينية هي إحدى ثمار السابع من تشرين الأول (أكتوبر). لقد أثبتنا أن النصر على إسرائيل ليس مستحيلاً، وأن سلاحنا رمز للكرامة الفلسطينية".
ولكن، بعيداً عن إشكالية هذه الرواية، لدى الإسرائيليين مخاوف أخرى مشروعة. فالاعتراف سيغير جذرياً وضع الضفة الغربية وقطاع غزة بموجب القانون الدولي، حيث سيلزم الدول المعترفة بدولة فلسطين بمراجعة اتفاقاتها مع إسرائيل لضمان أنها لا تنتهك التزاماتها تجاه الدولة الفلسطينية. وقد يعاد توصيف مجموعة واسعة من العمليات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك آلاف المداهمات السنوية لاعتقال إرهابيين أو تدمير أسلحة في الأراضي الفلسطينية، من كونها عمليات لمكافحة الإرهاب إلى انتهاكات لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة. قبل أيلول (سبتمبر)، كانت نحو 150 دولة عضواً في الأمم المتحدة قد اعترفت بدولة فلسطين. لكن انضمام فرنسا والمملكة المتحدة إلى تلك القائمة، وهما عضوان دائمان في مجلس الأمن، إضافة إلى دول مجموعة السبع مثل أستراليا وكندا، قد يعرض إسرائيل لمزيد من التدقيق والضغط من المشرعين ومنظمات المجتمع المدني، بما في ذلك طعون وتحديات قانونية كبيرة في المحاكم الدولية. وقد تشعر ألمانيا وإيطاليا، وحتى الولايات المتحدة، في نهاية المطاف، بأنه لا خيار أمامها سوى السير على خطى نظيراتها في مجلس الأمن. ومن شأن ذلك أيضاً أن يعزز مكانة الفلسطينيين في المحافل الدولية ويمهد الطريق لانتقال فلسطين من صفة مراقب دائم في الأمم المتحدة إلى عضو كامل العضوية، وهو ما سيجعل وضعها كدولة أمراً لا جدال فيه على الرغم من اعتراضات إسرائيل.
الخاسر الأول
على المدى القريب، من المرجح أن يلحق الاعتراف الضرر الأكبر بالفلسطينيين أنفسهم. فوفقاً للتعريف التقليدي للدولة، من الواضح أن فلسطين لا تستوفي الشروط الكاملة في الوقت الراهن: على الرغم من وجود مؤسسات تعمل جزئياً، فإنها لا تمتد على أرض محددة تسيطر عليها فعلياً، ولا تحتكر استخدام القوة، ولا تمتلك اقتصاداً مستقلاً، ولا نظام حكم متماسكاً. وأي دولة فلسطينية اسمية قائمة على الورق بفضل إعلانات الاعتراف، لن تقيض لها حياة حقيقية أو قابلية للاستمرار، بل إن تداعيات الاعتراف قد تفاقم تقويض قدرة السلطة الفلسطينية على الحكم حتى في الأراضي المحدودة التي يفترض أنها تسيطر عليها.
إن السلطة الفلسطينية تترنح مسبقًا على شفير الإفلاس. وقد أجلت المدارس الحكومية في الضفة الغربية بدء العام الدراسي، وهي الآن لا تفتح أبوابها إلا ثلاثة أيام في الأسبوع، مما يؤثر في أكثر من 600 ألف طفل. واضطرت السلطة الفلسطينية إلى خفض رواتب موظفيها الحكوميين بما يصل إلى 50 في المائة مع تأخير دفع مستحقات المتعاقدين في القطاع الخاص. ولا تقدم الإدارات الحكومية، مثل وزارة الصحة، سوى خدمات جزئية فحسب. وقد انكمش اقتصاد الضفة الغربية إلى أقل من سدس حجمه في العام 2022، فيما تجاوز معدل البطالة 30 في المائة. وتتمتع السلطة الفلسطينية بشعبية ضئيلة بين مواطنيها: فقد أظهر استطلاع أجراه "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" في أيار (مايو) أن 81 في المائة من الفلسطينيين يريدون استقالة الرئيس محمود عباس، وأن 69 في المائة يعتقدون أن السلطة الفلسطينية لن تنجح في إنجاز الإصلاحات اللازمة للحكم.
لا تمنح الاعترافات المعلنة مؤخرًا السلطة الفلسطينية في الواقع قدرة أكبر، ولا تحصنها في مواجهة العدوان الإسرائيلي، بل إنها تضع الفلسطينيين بشكل أوضح في مرمى استهداف المسؤولين الإسرائيليين الساعين إلى جعل إقامة الدولة الفلسطينية أمراً مستحيلاً. في 18 أيلول (سبتمبر)، هدد سموتريتش رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه إذا لم تضم الحكومة الإسرائيلية الضفة الغربية رداً على الاعترافات، فإنه سيستخدم سلطته كوزير للمالية لتدمير السلطة الفلسطينية تماماً. وفي كلمة ألقاها في فعالية أقيمت في العشرين من أيلول (سبتمبر) في "معاليه أدوميم"، وهي مستوطنة كبيرة قرب القدس، أعلن نتنياهو: "سنفي بوعدنا بأنها لن تكون هناك دولة فلسطينية. هذا المكان ملك لنا".
خطر العزلة
تتجاوز العواقب على إسرائيل بكثير مجرد البعد الرمزي، ولا يمكن تحييدها بسهولة من خلال عمليات الضم. من المرجح أن تؤدي هذه الموجة من الاعترافات بالدولة الفلسطينية إلى زيادة المشاعر المعادية لإسرائيل عالمياً، وتسريع وتيرة سحب الاستثمارات والمقاطعات. كما أن الحكومات ذاتها التي سعت إلى مواجهة المعارضين داخل بلادها للسياسة الإسرائيلية وإرضائهم واستمالتهم عن طريق الإعلان عن الاعتراف بدولة فلسطين ستتعرض لضغوط أكبر لفرض عقوبات رسمية. ويعد الاتحاد الأوروبي أكبر مستثمر في إسرائيل، حيث يسهم سنوياً بما يقارب ضعف ما تسهم به الولايات المتحدة في الاقتصاد الإسرائيلي، وهو الوجهة الرئيسة للاستثمارات الإسرائيلية، وأكبر شريك تجاري لتل أبيب.
وقد بدأت بعض المؤسسات الأوروبية فعلياً في سحب استثماراتها من المشاريع الإسرائيلية: ففي آب (أغسطس)، على سبيل المثال، سحب صندوق الثروة السيادية النرويجي، الذي تبلغ قيمته تريليوني دولار، استثماراته من شركة "كاتربيلر" وخمسة بنوك إسرائيلية، مشيراً إلى وجود "أخطار لا تحتمل" تتمثل في احتمال مساهمة استثماراته في انتهاكات حقوق الإنسان. وقد تحذو حذوه دول أخرى لديها استثمارات أكبر في إسرائيل، مثل فرنسا وألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة. وترتبط كثير من العلاقات الاقتصادية بين دول الاتحاد الأوروبي وإسرائيل باتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل للعام 2000، التي لا يمكن إلغاؤها إلا بتوافق جميع الأعضاء، وهو أمر غير مرجح نظراً إلى استمرار دعم المجر لإسرائيل. أما مقترح المفوضية الأوروبية في منتصف أيلول (سبتمبر) لتعليق جزئي للاتفاقية، الذي لم يتطلب سوى تأييد غالبية الدول الأعضاء، فقد استخدمت ألمانيا وإيطاليا حق النقض ضده. ومع ذلك، فإن اتجاه الرأي العام الأوروبي الذي تمثله موجة الاعتراف قد يدفع ألمانيا وإيطاليا إلى رفع الفيتو عن حظر تنفيذ هذا القرار. وفي حال وقع مثل هذا السيناريو، قد تخسر إسرائيل اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن إمكان وصولها إلى برنامج "أفق أوروبا" Horizon Europe البالغة قيمته 100 مليار دولار، وهو الصندوق الرائد للاتحاد الأوروبي من أجل تمويل البحث والابتكار. وتعد إسرائيل من أكبر المستفيدين من هذا البرنامج، لكن معدلات الموافقة على المشاريع التي تضم متعاونين وشركاء إسرائيليين قد انخفضت بالفعل بنسبة 68.5 في المائة منذ بداية هذا العام. وفي أيار (مايو) الماضي، صرح رئيس أكاديمية إسرائيل للعلوم والإنسانيات، ديفيد هاريل، أن استبعاد إسرائيل بالكامل من البرنامج، سيكون بمثابة "حكم بالإعدام على العلوم الإسرائيلية".
في السياق نفسه، يشكل تهميش الأكاديميين الإسرائيليين اتجاهاً أوسع نطاقاً. ورياضيو البلاد أصبحوا أقل قدرة على التنافس مع أقرانهم في الخارج. ومن المتوقع أن تصوت اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي لكرة القدم قريباً على تعليق مشاركة المنتخب الوطني الإسرائيلي وجميع أنديته في المسابقات الأوروبية، مما سيؤدي إلى استبعاد الإسرائيليين من أحد أبرز ميادين رياضتهم المفضلة. وعلى نحو مشابه، تواجه المؤسسات الثقافية ضغوطاً شديدة مماثلة، وهي ضغوط ستزداد حدة بعد الاعترافات التي صدرت مؤخرًا. ففي أوائل أيلول (سبتمبر)، ألغى مهرجان فلاندرز في مدينة غنت، في بلجيكا، عرضاً لأوركسترا ميونيخ الفيلهارمونية لمجرد أن قائدها، لاهاف شاني، الذي دعا إلى السلام في غزة، يقود أيضاً أوركسترا إسرائيل الفيلهارمونية، وقد تعهد أكثر من 4 آلاف ممثل ومخرج سينمائي بعدم التعاون مع المؤسسات الإسرائيلية.
قد يبدو هذا تافهاً وسطحياً بالنسبة للغرباء، لكن تزايد احتمالية طرد إسرائيل من مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن" يترك أثراً بالغاً على الإسرائيليين. فالمسابقة تعد من أكثر الفعاليات الأثيرة على قلوبهم سنوياً، ويشعر الإسرائيليون بالفخر بسجلهم المميز فيها، حيث فازت إسرائيل أربع مرات. وبعد وصول متسابق إسرائيلي إلى نهائيات العام 2025 تنفس الإسرائيليون الصعداء، حيث طمأنهم ذلك إلى أن فنانيهم ما يزالون محبوبين في البلدان التي تكثر فيها الاحتجاجات ضد حكومتهم. لكن أيسلندا وإيرلندا وهولندا وسلوفينيا وإسبانيا هددت جميعها بمقاطعة "يوروفيجن" 2026 إذا شاركت إسرائيل. وقد تدفع الاعترافات الأخيرة ورد الفعل الإسرائيلي العدواني عدداً أكبر من الدول إلى إصدار تهديدات مماثلة.
في مؤتمر لوزارة المالية قبل نحو أسبوعين، أقر نتنياهو بأن إسرائيل تدخل في "نوع من العزلة". لكنه حاول الادعاء بأن البلاد قادرة على التكيف مع هذه العزلة، مشيراً إلى أن بلاده قد تتبنى اقتصاداً "ذا سمات أوتاركية" وأن تصبح "إسبرطة العظمى". ولكن يبدو وكأن نتنياهو قد نسي أن نجاح الاقتصاد الإسرائيلي يعود في جزء كبير منه إلى مكاسب السلام التي حققتها "اتفاقات أوسلو"، وأن إسرائيل أصبحت اقتصاداً قائماً على التصدير، يستند إلى قطاع التكنولوجيا وإلى قوة عاملة تلقت تعليماً عالياً وذات صلات عالمية. ويعتمد استمرار نجاح تل أبيب على علاقات مزدهرة مع بقية العالم. ولهذا السبب، قال مؤسس الدولة الإسرائيلية، ديفيد بن غوريون، في مقولته الشهيرة في العام 1955: "ليس من المقدر لإسرائيل أن تصبح إسبرطة جديدة". وأضاف أنه بغض النظر عن اتجاهاتها العسكرية، "يجب ألا يلهينا ذلك" عن حقيقة أن "هدفنا الأسمى في علاقاتنا مع جيراننا هو السلام والتعايش".
مكسب غير متوقع
بعد أن يهدأ صخب السيرك الدبلوماسي في الأمم المتحدة، ستظل هناك فرصة سانحة لاستغلال الوضع على وجه أفضل إذا أعادت إسرائيل والدول الأخرى تركيز اهتمامها على "إعلان نيويورك". كان الهدف من ذلك الإعلان هو تفادي المآزق التي واجهت المبادرات الدبلوماسية السابقة غير الناجحة، من خلال اقتراح خطوات عملية محددة زمنياً نحو حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني ضمن إطار إقليمي يستبعد "حماس" ويشجع الدول العربية على أداء أدوار رئيسة. ولكن للأسف، أدى الخطاب التصعيدي والتهديدات المتبادلة المحيطة بالاعترافات إلى صرف الانتباه عن هذه الإجراءات، مع أنها قد توفر للحكومة الإسرائيلية مخرجاً لإنهاء حربها في غزة، وهي حرب لا تحظى بشعبية بين الإسرائيليين أنفسهم.
كثيراً ما أصرت الحكومة الإسرائيلية على أن هناك خمسة شروط يجب أن تتحقق قبل أن تتوقف عملياتها العسكرية، وهي نزع سلاح "حماس"، وإعادة جميع الرهائن الأحياء والأموات، ونزع سلاح غزة، واحتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية على قطاع غزة، وإنشاء إدارة مدنية بديلة لا تديرها "حماس" ولا السلطة الفلسطينية. ويتماشى "إعلان نيويورك" تماماً مع الأهداف الثلاثة الأولى لإسرائيل، ويقر ضمنياً بأن إسرائيل ستحتفظ، على المدى القريب، بسيطرة أمنية على أطراف وحدود غزة، وأن "حماس" لن تعود إلى الحكم. ومن يذكر أن رؤية "إعلان نيويورك" لمنح السلطة الفلسطينية صلاحيات في غزة مشروطة بالقيام بإصلاحات تجعلها جاراً أكثر موثوقية مما هي عليه اليوم.
في الواقع، بالوسع سد الفجوة بين ما تريده إسرائيل وما تأمله الجهات الفاعلة الدولية. على فرنسا والسعودية والحكومات التي أيدت "إعلان نيويورك" أن تبدأ فوراً في اتخاذ خطوات عملية لتفعيل ما يقترحه من تدابير، مثل تصميم آلية لنزع سلاح "حماس"، وتدريب قوة أمنية متعددة الجنسيات لمراقبة وقف إطلاق النار وإنفاذه بشكل صحيح، والحصول على التزامات حقيقية من الجهات الفاعلة الدولية لإرساء استقرار غزة وإعادة إعمارها، ووضع خطة ملموسة لمكافحة التطرف داخل حركات المقاومة الفلسطينية المسلحة. وعلاوة على ذلك، ينبغي للحكومات التي وقعت على "إعلان نيويورك" أن تستثمر في تحسين حملاتها الإعلامية لتكون أكثر تأثيراً في الرأي العام الإسرائيلي. وهي في حاجة إلى أن تبرهن أن مقترحها يقدم بديلاً واقعياً لنهج الحكومة الإسرائيلية الحالي القائم على المحصلة الصفرية مع الفلسطينيين.
أظهرت إسرائيل أنها قادرة على التحلي بالبراغماتية عندما تقتضي الحاجة. فعلى سبيل المثال، خلال الهدنة التي استمرت ستة أسابيع في كانون الثاني (يناير) الماضي، سمحت لقوات أمن تابعة للسلطة الفلسطينية بالقيام بدوريات على حدود رفح وهي ترفع العلم الفلسطيني. والآن هو الوقت المناسب لتكون أكثر براغماتية. لقد أصبحت الاعترافات الأخيرة بفلسطين أمراً واقعاً. والسؤال ليس ما إذا كانت دول أقوى ستعترف بفلسطين، بل متى ستفعل ذلك. وستواجه إسرائيل عزلة لا يمكن لشعبها تحملها على المدى الطويل ما لم تعترف بأن على السلطة الفلسطينية أن تؤدي دوراً ما في إنهاء الحرب في غزة.
في الواقع، يمكن أن يحمل الاعتراف مزايا لإسرائيل. فإذا بدأ المجتمع الدولي يتعامل مع الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني على أنه نزاع بين كيانين متساويين قانونياً، لا بين محتل وشعب واقع تحت الاحتلال، فقد يجبر ذلك الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية (بما في ذلك المحاكم الدولية)، وكذلك القيادة الفلسطينية، على الاعتراف بأن إسرائيل تواجه بالفعل تهديداً أمنياً من الأراضي الفلسطينية. كما أنه سيوضح الالتزامات التي يتحتم على القادة الفلسطينيين احترامها وفق القانون الدولي، ومنع استخدام أراضيهم كقاعدة لشن هجمات على إسرائيل، ووقف الأنشطة الإرهابية لـ"حماس".
في الشرق الأوسط، إذا لم تجلس على الطاولة، فمن المرجح أن ينتهي بك الأمر بنداً على قائمة الطعام. وبدلاً من رفض محاولات التدخل العالمية رفضاً قاطعاً، حري بإسرائيل أن توضح أنها تقبل بأبرز ما ورد في "إعلان نيويورك"، وأن تنضم إلى المناقشات حول كيفية تنفيذه، وأن تسعى إلى حوارات تتناول الجوانب المثيرة للقلق، وأن تطلب تدابير إضافية أساسية مثل الاعتراف بحق اليهود في تقرير مصيرهم داخل إسرائيل. عندئذ فحسب، يمكن لمسار الأحداث في الشرق الأوسط أن يتغير من اعترافات أحادية الجانب وتشرذم إقليمي وعزلة دولية لإسرائيل، إلى تكامل إقليمي وأمن معزز للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
 
*شيرا عفرون: المديرة المتميزة لـ"منتدى السياسة الإسرائيلية"، وزميلة رفيعة في "مؤسسة راند". الترجمة لصحيفة "الإندبندنت" حيث نُشرت في 29/9/2025