عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Sep-2025

حتى لا يصدق فينا الثور الأحمر*عامر طهبوب

 الدستور

لم يسبق في التاريخ الحديث أن استباحت إسرائيل المنطقة كما تستبيحها هذه الأيام، غطرسة وعربدة لا تطاق، وتشكل خطراً على مستقبل المنطقة طالما تجرأت إسرائيل على الاعتداء والتطاول والعنجهية، ليس في غزة والضفة الغربية فقط، وإنما في لبنان، وسوريا، واليمن، وإيران، وأخيراً وليس آخراً دولة قطر التي لم تأل جهداً على مدى عامين كوسيط وازن لإنهاء الحرب على غزة، وعودة الرهائن الإسرائيليين، والإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين، واستضافت قطر وفوداً إسرائيلية مفاوضة كانت كما يقال بالعامية «خيطي ميطي» بين تل أبيب والدوحة، ورغم ذلك لم يفكر مجنون إسرائيل مرة واحدة قبل أن يقرر مهاجمة الدوحة.
إن الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قيادات حركة حماس في الدوحة جاءت نتيجة وضع مأزوم يعاني منه رئيس وزراء إسرائيل، وجاءت الضربة بعد يوم واحد من صفعة تلقاها في غزة والقدس في آن معاً، أربعة جنود في تفجير دبابة في شمال غزة، وسبعة مستوطنين في شمال القدس، إضافة إلى جرحى قيل إن حالة بعضهم خطيرة، وقد اعتدنا أن نتنياهو كلما تأزم في الداخل الإسرائيلي، وكلما شعر بضعف موقفه أمام مناصريه ومعارضيه، لجأ إلى ضربة عسكرية تعيد له أمام جمهوره الشعور بالانتصار، وربما ترفع من نسبه في استطلاعات الرأي، لكن ذلك لا يدوم، ولا يليق برجل سياسة يفترض أن يدير الأزمات بالحدود الدنيا من العقلانية.
نتنياهو فلت من العقال، ولا يجد «من يلُمّه»، ويكبح جماحه، ويجبره على التوقف عن هذا الأسلوب الهمجي المتهوّر، والتفكير الآيدولوجي العنصري المتطرف الذي جعل من إسرائيل بحق دولة مارقة منبوذة مكروهة، وإسرائيل بكل ما تعنيه الكلمة من معان باتت منذ زمن، دولة فصل عنصري تمارس نفس الأفعال التي مارستها بريتوريا في جنوب إفريقيا، كما مارس الكيان الغاصب المتغطرس الغادر على الشعب الفلسطيني نفس الممارسات النازية التي مورست على اليهود في الحرب العالمية الثانية.
وأمام هذه الحقائق، فإن على الدول العربية أن تعي جيداً الطريقة التي يجب أن تتعامل بها مع إسرائيل، بل طريقة التفكير في هذا الكيان الذي لا يؤتمن، ولا تؤتمن معه واشنطن التي أبلغت الدوحة أنها ستُضرب بعد 12 دقيقة من الضربة، وذلك ما يسمى «الاستغباء»، أو قل «الاستهبال»، فالدوحة ليست بهذه السذاجة حتى تصدق سردية ترمب الذي قال إنه كلّف مبعوثه ستيف ويتكوف بإبلاغ القطريين بالضربة الإسرائيلية، وهي أول ضربة في التاريخ إلى منطقة الخليج العربي، ما يستدعي من دول مجلس التعاون الخليجي، وكافة دول المنطقة أن تقف وقفة موحدة صلبة اتجاه واشنطن أولاً، ثم الكيان الإسرائيلي الذي يواصل الحديث عن إسرائيل الكبرى التي يحلم أن تضم الأردن، وسوريا، ومصر، ولبنان، والعراق، والمملكة العربية السعودية أو أجزاء منها، وذلك جنون ليس بعده جنون، واستعلاء ونرجسية مريضة يجب التصدي لها، لأنها آفة تسعى إسرائيل أن تصيب أجيالها القادمة من أمثال «فتيات الجبل» اللواتي لم يبلغن بعد سن الرشد، ويقمن في أكواخ متواضعة على أراضي الضفة الغربية، ويتحدثن عن الفداء والتضحية من أجل الأرض الموعودة وحلم إسرائيل الكبرى.
أقول آن الأوان، وكفى قبولاً بهذه المهانة التي تنال من كل عربي على هذه الأرض، وإذا لم تقف الدول العربية وقفة صلبة للتصدي لهذه العنجهية، ومنع تكرار العدوان على لبنان، وسوريا، وقطر، وحتى اليمن، وأي دولة عربية، وإذا لم نفعل ذلك اليوم، فإن أحدنا سيقول يوماً: قُتلتُ يوم قُتل الثور الأبيض، وبهذا سيصدق فينا الثور الأحمر.