عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Jul-2024

"صيد الرغبات": كيف تتتبع منصات التواصل سلوكياتنا لتحقيق الأرباح؟

 الغد-ديمة محبوبة

 مع ثورة المعلومات الرقمية، وخلف الشاشات المفتوحة، يكمن استغلال دوافعنا ورغباتنا الشرائية "بما يلزم وما لا يلزم"، طوال الوقت، وصولا لتحقيق أرباح طائلة للشركات والجهات المستفيدة.
 
مع تصفح تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك أو إنستغرام، تبدأ خوارزميات ذكية ومتقدمة في تحليل السلوك ورغبات الفرد وتراقب تفاعلاته الرقمية بكل تفاصيلها، وبيانات كل ما يشاهده، وما يعجبه، وما يشاركه. ومع مرور الوقت، تكتسب هذه الأنظمة فهما عميقا لاهتمامات الفرد الشرائية.
 
يقول الخبير في المجال التكنولوجيا إبراهيم أحمد إن "الخوارزميات تستطيع توقع ما تريده حتى قبل أن تدرك أنك تريده". ويفسر كيف تستخدم هذه البيانات لعرض إعلانات موجهة بدقة مذهلة، تجعل المستخدم يشعر كما لو أن المنتج الذي يراه مصمم خصيصا له.
والهدف، هو إبقاء المستخدم متفاعلا لأطول فترة ممكنة، فكلما زاد وقت الاستخدام، زادت الفرص لعرض إعلانات جديدة بالتالي ازدياد الأرباح.
ويلفت إلى أن الشركات تستخدم أدوات مثل التتبع عبر المواقع، والتعرف على الصور، وحتى تحليل النصوص للكشف عن تفضيلات الفرد المستخدم الشرائية، وعلى الرغم من أن بعض المستخدمين يعبرون عن استيائهم من هذا النوع من الاستهداف، فإن الكثيرين يستمرون في استخدام هذه التطبيقات بشكل يومي.
ويبين أحمد "أنه من الواضح أن وسائل التواصل قد نجحت في تحويل رغباتنا الشرائية إلى آلة تدر أرباحا لا تتوقف ورغم الجدل حول أخلاقيات هذا الاستغلال، إلا أن المستخدم هو من لديه القدرة على البقاء او التوقف".
وتبين رفيف عبدالله والتي تستخدم منصات التواصل باستمرار، بأن هذه التطبيقات تقوم بجمع بيانات المستخدمين من مختلف المصادر، بما في ذلك تصفحهم للإنترنت، مشترياتهم السابقة، وحتى موقعهم الجغرافي.
تعترف أنها تقع في شباك التحكم برغباتها الشرائية في كثير من الأوقات، إذ أنها تعمل على شراء واختيار الكثير من البضائع التي لاتحتاج إليها، فقط لأن سعرها مغري أو لأن هناك خصما أو أن طريقة عرضها جميلة أو لأن هذا التريند في اللباس أو الاكسسوارات، لتجد نفسها تنفق ما ليست بالفعل بحاجته في أشياء أهم والنفقات جاءت على اشياء لا تريدها هي بالحقيقة.
ويقول محمد عبدالرحمن وهو مستخدم متكرر لهذه التطبيقات "أشعر أحيانا أن التطبيق يعرف ما أريده أكثر مني، فيضع أمامي منتجات لم أكن أفكر فيها، ولكنني أشتريها في النهاية".
ويؤكد أنه مع تطور التكنولوجيا وازدياد استخدام الإنترنت، أصبح التسوق عبر الإنترنت جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية، وتعج صفحات التسويق ومواقع الشراء بالإعلانات الجذابة التي تستهدف المستهلكين وتحثهم على الشراء، حتى وإن لم يكونوا بحاجة حقيقية للمنتج كما يحدث معه ومع الكثيرين حسب قوله. 
اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة يؤكد أن الإعلانات تستغل العواطف والرغبات اللاواعية لدى الأفراد إذ تعتمد في الكثير من الأحيان على إحداث تأثير نفسي معين، مثل الشعور بالسعادة، والراحة، ما يجعل المستهلك يشعر بأن شراء المنتج سيحقق له هذه المشاعر، لافتا لضرورة توعية الأفراد حول كيفية عمل الإعلانات والتأثير النفسي الذي تسعى لتحقيقه.
ويقول اختصاصي علم الاجتماع  الدكتور حسين خزاعي أن "الإعلانات تتسبب بضغوط اجتماعية لامتلاك أحدث المنتجات والماركات حتى عند كافة الفئات كل حسب اهتمامه في المجتمع، هناك توقعات معينة حول مستوى الرفاهية الذي يجب أن يحققه الفرد، وهذا يدفع البعض للشراء من أجل التوافق مع هذه التوقعات".
ومن الناحية الاقتصادية "الشراء غير المبرر يمكن أن يؤدي إلى مشاكل مالية مثل الديون والضغط المالي، ما يؤثر على الاستقرار المالي للأفراد والأسر".
 وينصح خزاعي بتوعية الصغار والكبار في كيفية اتخاذ قرارات مالية واعية، كتعليم قيمة المال وكيفية التخطيط للميزانية والتمييز بين الاحتياجات الحقيقية والرغبات.
 
اختصاصية التربية والارشاد النفسي رائدة الكيلاني تشير الى اهمية توعية الأهل بالتخطيط المالي السليم للابناء، والعمل على التحكم في الرغبات الشرائية من خلال وضع ميزانية واضحة شهرية للإنفاق والالتزام بها وتحديد الاحتياجات الأساسية والتمييز بين ما هو ضروري وما هو غير ضروري، والأهم التأني في اتخاذ قرار الشراء لتجنب الشراء الفوري وانتظار فترة قبل اتخاذ القرار.
الى ذلك، فإن التوعية بالتأثير النفسي للإعلانات وفهم كيفية تأثيرها على العواطف واتخاذ قرارات واعية والبحث عن بدائل قبل الشراء، قد تكون أكثر توفيرا وتلبي الحاجة بشكل أفضل، فممارسة التسوق الواعي والتفكير في الفوائد الفعلية للمنتج قبل الشراء بحاجة إلى قرار وحزم، وفق الكيلاني.
ويبقى التحكم في الرغبات الشرائية ومقاومة الإعلانات تحديا يواجه الجميع في العصر الحالي ومن خلال التربية المالية، يمكن اتخاذ قرارات شرائية أكثر وعيا وتحقيق استقرار مالي أفضل.
وفي مقال نشر على موقع "الجزيرة نت"، بين أن الحصول على ملكية شيء جديد، يخلق دوامة من الاستهلاك، التي تدفع لاقتناء مزيد من الأشياء الجديدة المتعلقة به، والتي ربما لم يكن المرء بحاجة إليها من قبل، كي يشعر بالسعادة والرضا.
يروي الكاتب الأميركي جيمس كلير، والمدرب في مجال تطوير الموارد البشرية، أنه كان أحد ضحايا "تأثير ديدروا" يقول في مقال عبر موقعه الرسمي: "اشتريت سيارة جديدة مؤخرا، وانتهى بي الأمر إلى شراء جميع الأشياء الإضافية لوضعها بداخلها، اشتريت مقياسا لضغط الإطارات، وشاحن سيارة لهاتفي الخلوي، ومظلة إضافية، ومجموعة إسعافات أولية، ومصباحا كهربائيا، حتى أنني اشتريت أداة لقطع حزام الأمان".
يشبه الخبراء تأثير ديدروا بـ"كرة الثلج" ولا يعدونه مرضا نفسيا، وإنما "ظاهرة نفسية"، وهو يختلف عن "إدمان التسوق" لأن تكرار عمليات الشراء لأغراض مختلفة، لا يمنح المرء كمية من مادة الدوبامين التي ترتبط بعملية الشراء، باعتبارها مكافئة، كما تشرح آن كريستين دوهيم، جراحة الأعصاب في جامعة هارفارد، ولكن الأمور تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تبدأ بعض الهويات الشخصية تتشكل عبر عمليات الشراء المتتالية، فيربط المرء بين هويته وأسلوب حياته، وتعبيره عن ذاته عبر سلسلة من عمليات الشراء لأمور بعينها، وهكذا يصبح هناك ارتباط نفسي وذاتي بين المرء والأغراض التي يشتريها، ويحيط نفسه بها.
يقول عالم الأنثروبولوجي الكندي جرانت ماكراكن إن هذا ما يفسر ارتباط أغراض مادية معينة بشعور المرء بالمحافظة على ذاته، وهو ما يفسر أيضا صعوبة التخلي عن الأشياء، حتى لو لم تعد تعمل، أو لم نعد بحاجة إليها، تبقى حاجتنا إلى وجودها وصعوبة التخلي عنها، بسبب ملاءمتها جزءا ما من شخصيتنا، وأنها تذكرنا بمراحل معينة في حياتنا.
يعد الأمر الأخطر بشأن تأثير ديدروا أنه يدفع البعض إلى حالة من الصراع المحموم من أجل اقتناء أشياء معينة، يفترض المرء أنها سوف تحقق له السعادة، وهو ما يخلف لدى البعض حالة من التعاسة، وربما الإحباط، لذا تساعد مجموعة من الممارسات على تجنب الوقوع تحت تأثير ديدروا، أو على الأقل الوعي الكافي بما قد يسببه من عمليات شراء قد تفوق قدرات المرء المادية أحيانا، من أهم تلك 
يقول جوشوا بيكر مؤسس أحد المواقع الشهيرة الداعية إلى المينيماليزم، أو "تبسيط الحياة" إن ملاحظة المرء تأثير ديدروا على حياته، هو البداية الحقيقية للتخلص من سطوته، أما العلاج الحقيقي فيكون فعالا حقا حين يدرك المرء أنه ليست الممتلكات هي التي تحدد هويته كما يروج المسوقون.