عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Sep-2023

قدرة الانسحاب من علاقات سامة ومؤذية.. حينما ينجو الإنسان بذاته

 الغد-منى أبوحمور

 علاقات تستنزف الكثير من المشاعر والوقت، يبقيها البعض رغم مرارتها وقسوتها، يمنحونها رخصة الاستمرار رغم الأذى الشديد الذي تتسبب به.
يختبر أصحاب هذه العلاقات القلق والتوتر الدائم، متجاهلين سبب الاستمرار بها، هذا ما تقوله الأربعينية منتهى التي تعتقد أن إنهاء علاقات اجتماعية وصداقات مر عليها سنوات طويلة ليس بالأمر السهل، خصوصا إذا كانت من المقربين، ما يجعل فكرة الابتعاد صعبة وربما مؤلمة.
 
 
وتقول منتهى "في العادة نبحث في علاقاتنا عن أشخاص يقبلون بنا كما نحن من دون قيود أو شروط"، وربما تبقى هذه العلاقات قائمة رغم أنها ليست الأفضل على الإطلاق.
وتتابع "من المهم أن ندرك متى تصبح العلاقة لا تستحق العناء ومنح النفس فرصة الانسحاب والخروج من العلاقة إذا كانت مؤذية".
في حين يجد كريم أن المشكلة الحقيقية في اعتقاد البعض أن إنهاء هذه العلاقات هو نهاية الدنيا بالنسبة لهم، خشية الخروج من دائرة الاعتياد.
ويشير إلى أن إنهاء علاقة يثير قلق الكثيرين الذين اعتادوا وجود أشخاص في حياتهم حتى وإن كان وجودهم يتعسهم ويوترهم أو حتى يؤذيهم.
ويقول "صحيح أن إنشاء علاقات مع من حولك ليس بالمهمة السهلة، بل يتطلب جهدا"، وصولا لعلاقات أكثر قوة واستقرارا وأمنا.
تشير اختصاصية علم الاجتماع الدكتورة فاديا الإبراهيمي، إلى أن العلاقات الاجتماعية على اختلاف أنواعها سواء كانت علاقات عائلية أو صداقات أو علاقات عاطفية أو علاقات عمل، يعتمد نجاحها أو فشلها على الأنا والآخر، "أنا في طريقة تفكيري واحتياجاتي كإنسان ونظرتي للآخر وقدرتي على استيعابه وتحمله وقدرتي أيضاً على تقييم هذه العلاقة وتقييم أثرها على نفسيتي وحياتي.. أما الآخر ففي مشاعره وأفكاره وسلوكه تجاهي".
الوقت الحقيقي والمناسب والأفضل لإنهاء بعض العلاقات، بحسب الإبراهيمي، عندما يشعر الشخص أنه وصل الى مرحلة عدم القدرة على الاستمرار في هذه العلاقة.
وغالباً، فإن الوصول لهذه المرحلة يكون عندما تصبح هذه العلاقات سامة فيها كذب أو نفاق أو عنف معنوي أو نفسي وعندما تؤثر على صحتنا النفسية والعقلية وتؤخر تقدمنا وتطورنا في الحياة والعمل، وتكون مرهقة ومتعبة بالنسبة لنا وتجلب المشاكل وتجعل الحياة سوداوية أمام البعض، وتكون مصدرا للإيذاء، وأيضا عندما تكون هذه العلاقات غير آمنة وتحرم الاستقرار والسعادة.
الى ذلك، حينما يكون الاهتمام غير متبادل ومن طرف واحد فقط، ويكون فيه شكل أو أكثر من الاستغلال والأنانية، وعندما تضعف ثقة الشخص، طبعاً مع وجود شرط، وهو التكرار والاستمرارية لمثل هذه السلوكيات أو المشاعر السلبية، حيث تصبح هذه السلوكيات نمطا سائدا وليس استثناء أو حالة عارضة أو مؤقتة، وفق الإبراهيمي.
وتقول الابراهيمي "المهم في هذه الحالات هو الوعي والقدرة على تشخيص هذه الحالات أو فهمها سواء قررنا التخلص من هذه العلاقات أو الاستمرار فيها"، لكن مجرد الوعي بها وخطورتها على حياتنا سيساعدنا على التعامل معها بأقل ضرر ممكن. 
وتنصح الإبراهيمي بتعلم مهارة التخلي عن الطرف الآخر وأن ننجو بأنفسنا دون الخوف أو الشعور بالذنب، لافتة إلى ضرورة أن يدرك الشخص تماماً ما في داخله وأنه يستحق الاحترام والمحبة والسعادة والعلاقات الصحية التي تجعله أفضل وتضمن له أن يعيش حياة ذات جودة عالية.
يقول المعالج النفسي جوردان ماديسون، لصحيفة "باستل" (bustle) "من الشائع جدا أن تكافح من أجل اتخاذ قرار بترك أي علاقة، خاصة العلاقة غير الصحية"، إلا أن الحيلة لكسر تلك الحلقة تكمن في تحديد الأفكار التي تعيقك واتخاذ خطوات للتغلب عليها، وتطوير عادات حب الذات اليومية، حتى لو كان شيئا صغيرا مثل الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية أو تخصيص وقت لممارسة هواية تجلب لك السعادة، يمكن أن يؤدي ذلك ببطء إلى تغيير أفكارك الذاتية المقيدة، وتمكينك من نسج علاقات صحية جديدة.
وتقول روكسي زرابي، الحاصلة على دكتوراه في علم النفس، في مقال لها على موقع "سيكولوجي توداي" (psychology today): "لا يكون نقص الوعي هو ما يبقي الناس عالقين في علاقات غير صحية، فرغم وجود صوت داخلنا يحثنا على مواجهة الحقيقة، فإنه يتم دفنه بسبب مخاوفنا الكامنة". 
وتضيف "بالنسبة للبعض، فإن وجود علاقة غير صحية أفضل من عدم وجود علاقة على الإطلاق.. إنهم يفضلون أن يكونوا غير سعداء وأن يكونوا مع شريك بدلا من أن يكونوا وحدهم".
اختصاصي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة، يبين أنه في بحث الإنسان عن الذات يبحث عمن يوفر له بيئة وطاقة إيجابية يستطيع معها أن يكون قادرا على التفاعل والإنجاز، وفي حال تعرضه لعلاقات سامة وسارقة للإيجابية، تتأثر أفكاره وسلوكياته وطريقة تعامله مع الحياة ومفاهيمه.
"الإنسان بطبيعته يبحث عن الأشخاص الذين يشكلون له إضافة ويمنحونه طاقة إيجابية وزيادة في الإبداع والنجاح بعيدا عمن يعيقون حياته ويؤثرون سلبا على نفسيته ويبعثون الإحباط ولايصدر عنهم الا الكلام المسيء"، بحسب مطارنة.
ويقول "لا بد من وضع حد لهؤلاء الأشخاص والانسحاب التدريجي من هذه العلاقات التي تضغط على الجهاز العصبي وتقلل من الحافزية".
ويلفت مطارنة إلى أن الكثير من الناس يستمرون بالعلاقات رغم أنها مؤذية، لأنهم لا يرغبون بالمواجهة أو معرفة ما يحتاجونه بسبب قلة الوعي الاجتماعي ومهارات الاتصال والتواصل.
ويرى مطارنة ضرورة أن يستخدم الشخص استراتيجيات القدرة على التنفيذ والصلابة النفسية لأخذ موقف بالابتعاد عن تلك العلاقات، وهو ما يمكن أن يعززه الاستشاري النفسي والسلوكي حتى يتمكن من تحقيق ذاته بشكل إيجابي.