عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Nov-2025

الشارقة.. حينما تصبح وطنا للكتاب*فريهان سطعان الحسن

 الغد

في معرض الشارقة الدولي للكتاب، يمتد جسر يربط القرّاء من كل بقعة على وجه الأرض، تدفعهم إليه لهفة الاكتشاف وحب المعرفة. هناك، يعيش الزائر داخل عوالم جديدة، ويتنقل بين الكتب كما لو أنه يعبر إلى مساحات أوسع في ميادين الفكر والوعي والإبداع.
 
 
لا يأتي الناس إلى أروقة المعرض فقط بحثا عن الكتب، بل لعيش تجربة إبداعية ثقافية متكاملة، فن وأدب وشعر وموسيقا وندوات وحوارات فكرية مع أهم الشخصيات، وقصص ملهمة بكل لغات العالم، تعلم الإنسان كيف يتحرر من مخاوفه ويمضي نحو الإنجاز. كل ذلك في مكان واحد… هنا، في الشارقة للكتاب.
"بينك وبين الكتاب" كلمات جسدت شعار المعرض في دورته الـ44، حيث لا تنتهي الحكايات، وتمتد الخيالات، وتُفتح أمامنا حيوات لم نعشها؛ لكننا نعيش تفاصيلها وكأننا أبطالها الحقيقيون.. وفي مكان واحد ينبض بالجمال وحرية الكلمة، يتحفز العقل على فهم الذات الإنسانية أولا، ثم فهم العالم من حولنا.
يعيش الزائر تجربة استثنائية بين صفحات الكتب؛ تجربة ترسم ابتسامة، وتوقظ أحيانا ألما ووجعا وربما خيبات، وتمنح إحساسا بالقوة، بالانتصار على شعور العجز، كل ذلك في مزيج واحد يقود في النهاية إلى تمرد ايجابي على الذات.
معرض الشارقة للكتاب، الذي انطلق بنسخته الأولى العام 1982، يضعنا في كل دورة أمام حالة من الفخر والفرح لما نشهده من منجز ثقافي وإبداعي يتنامى عاما بعد عام؛ صرح احتضن عبر مسيرته أبرز الشخصيات الثقافية والإبداعية في العالم، وشهدت أروقته توقيع أهم الكتب.
الشارقة؛ حارسة الثقافة والتاريخ والأمينة على الكتاب، حملت على عاتقها دعم العلم والثقافة. هذه الإمارة الكبيرة، بمثقفيها، وعلى رأسهم صاحب الرؤية العميقة والثاقبة حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان القاسمي؛ والذي نذر حياته لخدمة الثقافة ونشر العلوم والمعارف والآداب بين أبناء الأمة في مشارق الأرض ومغاربها.
المعرض، بما يقدمه من دعم للكتّاب والأدباء ودور النشر منذ دورته الأولى، ما يزال يتصدر المركز الأول بين معارض الكتب عالميا للعام الخامس على التوالي، ليكون الوجهة الثقافية الأولى لمبدعي العالم من مختلف أنحاء الأرض. 
وفي دورته الحالية، جمع المعرض أكثر من 2350 دار نشر، وقدم ملايين الكتب والمؤلفات بمختلف لغات العالم. كما استضاف أكثر من 250 مبدعا وأديبا ومفكرا من 66 دولة عربية وأجنبية، وقدم أكثر من 1200 فعالية ثقافية وإبداعية وفنية.
بين أروقته، يجرّ الصغار والكبار عربات ممتلئة بالكتب، تتعالى بينهم الضحكات والهمسات حول أي كتاب سيبدأون به حال عودتهم إلى المنزل، محمَّلين بالشغف والفضول لاكتشاف العوالم التي بين أيديهم، وعيش مغامرات ثقافية قادمة.
غيّر المعرض علاقة الجيل الحالي بالقراءة، في عالم تغزوه التكنولوجيا من كل اتجاه، وتتراجع فيه القدرة على إعادة البوصلة إلى مكانها الصحيح. لذلك أصبحت الحاجة ماسة لتبني عادات قرائية جديدة؛ وهو ما نجح المعرض في تحقيقه عبر تغيير مفاهيم كانت راسخة لدى هذا الجيل، ليصبحوا اليوم هم أنفسهم من ينتظرون هذا الحدث السنوي بكل حبّ وشغف.
على امتداد اثني عشر يوما في تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام؛ ذلك الشهر الذي بات يحمل مذاقا ثقافيا خاصا، تُفتح بوابات المعرض لتبني جسورا من الفكر وثراء الكلمة والحوار المعرفي البناء. 
واليوم، تسدل الستارة، لكن هذا الحدث لا ينتهي بإغلاق أبوابه، بل حين تستقر الكتب على رفوف البيوت، وتفتح صفحاتها الأولى.. عندها فقط تبدأ الحكاية التي تستحق أن تُروى بكل فصولها.