عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Sep-2020

مسار العملية التعليمية بين نهجيّ التعليم المباشر والتعلّم عن بُعد

 الراي-الدكتور عامر العورتاني

 
أخصائي علم اجتماع الجريمة
 
كان خيار إغلاق المدارس والجامعات الحلّ المنطقي الأول لتحقيق التباعد الاجتماعي مكانياً مع ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس الكوفيد – 19، فكانت الحكومات في مختلف دول العالم تقف أمام تحدٍ لا يقلّ في حجمه عن الفيروس المستجد نفسه، ما أضاف إلى العبء الصحي عبئاً يتعلق بخطر وقف التعليم وإبعاد نحو مليار طالب عن بيئة الدراسة والتعليم المباشر، وهكذا تباينت الاستراتيجيات التي أدارت من خلالها الدول الأزمة، ففي الوقت الذي تمسكت فيه بعض الدول بخيار الإبقاء على المدارس مفتوحة، مع الاعتماد على إجراءات وبروتوكولات وقائية للتعامل مع الحالات المحتملة في المدارس، آخذة مسألة العزل الجزئي لمناطق انتشار الإصابات بعين الاعتبار، إلى جانب استغلال موارد التعليم المتوفرة من بنية تحتية وموارد بشرية للحد من انتشار الفيروس عبر التوعية بماهيته وأخطاره، فإنّ الرأي القائل بإغلاق المدارس بشكل مؤقت على مستوى الدولة بأكملها كان الأكثر قبولاً، فرغم ما كانت المصادر الطبية تؤكده حول ضعف فرصة إصابة فئة الأطفال والشباب بالفيروس، إلّا أنّ الخطر يكمن في إمكانية حملهم المرض لكبار السنّ ضمن أسرهم، وهنا كان لا بدّ من إيجاد البديل المناسب والمُتاح، فتمكنت بعض الدول من أن تستمر في مسارها التعليمي رغم إغلاق المدارس ؛ عبر الاستعانة بمصادر التعلّم عن بُعد، وهنا كانت هذه الاستراتيجية متفاوتة من حيث إمكاناتها وآليات تنفيذها عبر العالم، حيث تمكنت بعض الدول من الاعتماد كلية على الإنترنت المتصل بأجهزة الحاسوب والهواتف الذكية ؛ في إيصال المادة التعليمية أو التواصل مع الطلبة وذويهم، كما دعمت بعض الدول هذه الاستراتيجية عبر الاستعانة بقنوات البثّ التلفزيوني ومحطات البث الإذاعي، ولم يمنع ذلك من ظهور بعض النقص المتمثل في تفاوت قدرة الطلبة وعائلاتهم على توفير فرص الاتصال بالإنترنت، كذلك الأمر فيما يتعلّق بقدرة الطلبة والمعلمين على التكيّف مع هذا النوع من التعليم خاصة في المجتمعات التي لم تختبره من قبل، إلى جانب تفاوت قدرات الوالدين في تأمين الدعم والعون اللازمين، هذا في حال توفرت لهما الثقافة الكافية للتعامل مع الأبناء في ظرف أصبح المنزل فيه البيئة التعليمية المتاحة، لكنّ ما لا يمكن إنكاره أنّ هذه الاستراتيجية هي الأكثر منطقية في ظروف الأزمات وهو ما يجعلها خياراً ينبغي دمجه إلى جانب التعليم التقليدي خارج نطاق الطوارئ.
 
لقد أثبتت الإجراءات التي اتُخذت بدائل للتعليم التقليدي خلال المرحلة السابقة من الجائحة ؛ مقدرتها على دعم النظام الصحيّ وإجراءات الوقاية إلى جانب التخفيف من أثر الوباء على العملية التعليمية، ومما لا شكّ فيه أنّ الطلبة والمعلمين والأهل جميعهم تمكنوا من اكتساب مهارات جديدة في الثقافة الرقمية، وأصبحوا يملكون القدرة على اكتساب المزيد للوصول إلى حالة أكثر تكيّفاً واتقاناً، لذا فإنّ وزارة التربية والتعليم في الأردن تقف أمام فرصة حقيقية لاستغلال ما تمّ إنجازه في المرحلة الأولى من الجائحة، والبناء على الزخم الذي تحقق على صعيد المجتمع، وذلك بهدف استجماع كامل قدراتها والمضي في عام دراسي جديد يتمّ فيه التعامل مع وجود المرض بالمواجهة وليس التعايش فقط، والإفادة من الخبرة السابقة وتعزيزها بمزيد من التدريب للكوادر الإدارية والتعليمية، وتهيئة الطلبة الذين أصبحوا أكثر تقبّلاً للنمط الجديد من عملية التعلّم والتعليم، عبر الدمج بين التعليم المباشر في البيئة المدرسية، ضمن سياسة المجموعات التي اتبعتها الوزارة، وبين التعليم الإلكتروني الذي هو عنوان مستقبل التعليم في العالم كله، فمن المؤكد أنّ حجم الفائدة المرجوّة من هذه الآلية يتعدى مواجهة الوباء فقط، فمن الواضح أن نظام المجموعات الذي وضعته الوزارة قد ساهم في التخفيف إلى حد كبير من اكتظاظ الطلبة في الصفوف، والقضاء على فرص الفوضى والتنمر التي ترافق تجمعات الطلبة بأعداد كبيرة خلال وقت الاستراحة، أو ما بعد انتهاء الدوام المدرسي، ما يعني وجود بيئة لائقة صحياً وتربوياً، إلى جانب أنّ اختصار بعض الوقت دون التأثير على الخطة الدراسية هو عين الصواب، فالطالب فعلياً لا يتمكن من التركيز مع موضوع الدرس بعد نصف ساعة من الحصة الدراسية، إضافة إلى مضاعفة فرصة المعلم في مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة، وإذا ما تمّ الدمج مع التعليم الإلكترونيّ فإنّ الطالب سيحصل على فرصة بتلقي المعلومة في الوقت المناسب له وبأسلوب يجمع مختلف الوسائط من صوت وصورة وفيديوهات توضيحية، أضف إلى ذلك المهارات التي سيتمكن هو والأهل من اكتسابها عبر هذا التنوّع في العملية التعليمية، وبهذا يتحقق الهدف الاجتماعي من وجود الطلبة في بيئة المدرسة، واندماجهم مع أقرانهم على نحو يصقل شخصياتهم ويطوّر مهاراتهم الاجتماعية، إضافة إلى الانتقال بشكل انسيابي نحو الثقافة الرقمية والتعليم الإلكتروني.
 
إنّ مقولة أن الأزمات تخلق الفرص أصبحت حقيقة ماثلة فيما يتعلق بالكثير من المجالات خلال جائحة الكورونا، وربما يكون قطاع التعليم من أكثر القطاعات التي يمكن لها اقتناص الفرصة الحالية لتحسين مسار التعليم بإيقاع أكثر سرعة، فلا بدّ من الاعتراف بالتعليم عن بُعد وسيلة دائمة وواقعاً يجب احترامه والإعداد له وإتقان مختلف آلياته، لذا فإنه من الواجب الإسراع في تلافي التفاوت في فرص الطلبة في الاتصال بالإنترنت، إذ يمكن التعاون مع شركات الاتصالات لوضع آلية يتم من خلالها إعفاء المستخدمين من رسوم تحميل المواد التعليمية، إضافة إلى إمكانية الاستعانة بالموارد التي تستهلك قدراً أقل من البيانات كالمدونات، كما يمكن التعاون مع شركات القطاع الخاص لتقديم الدعم عبر تأمين أجهزة الحاسوب أو الهواتف الذكية للطلبة الذين لا يملكون القدرة على توفيرها، مقابل إعفاءات مناسبة في نسب الضرائب السنوية على أرباحها، ومن التكرار أن نؤكد على دور وسائل التواصل الاجتماعي التي تتصدر المشهد بدورها في مدّ جسور التواصل بين المدرسة والأهل، لإبقائهم مطّلعين على الإرشادات والمستجدات، الأمر الذي يتطلب من كافة المدارس في بداية العام الدراسي عقد اجتماعات لأولياء أمور الطلبة لتوعيتهم بماهية دورهم اتجاه أبنائهم في المرحلة القادمة، وإبقائهم على اتصال دائم مع هيكل العملية التعليمية، ولا يمكن تجاهل دور القنوات المتلفزة والتي ساعدت بشكل حيوي في تجاوز العام الدراسي السابق بأمان، وهو ما يدفع القائمين عليها إلى وضع خطط أكثر تكيّفاً مع حقيقة التعلّم عن بعد، ورعاية ما تتضمنه برامجها من محتوى بشكل أكثر تماشياً مع متطلبات المرحلة القادمة.
 
إنّ الاستثمار في التعليم الإلكتروني يبدو خياراً يستحق التأملّ فيه، فهو الشكل الذي سيستقر عليه التعلّم والتعليم في المستقبل، وهو شكل يتمتع بالكثير من المزايا، وحتى تكون عملية محاكاة هذا النظام بشكل ناجح ينعكس على جميع الطلبة دون تفاوت في الفرص، ودون فجوات في المُخرجات، فإنّ على الأكاديميين والتربويين والمستثمرين وشركات الاتصالات وصانعي القرار، الجلوس على طاولة واحدة لاستحداث نماذج تعلّم جديدة يتمكن الجميع من الوصول إليها.