الغد
في زيارته إلى محافظة الكرك وكذلك شركة البوتاس العربية، وافتتاحه لمركز البحث والتطوير والابتكار فيها، أكد جلالة الملك عبدالله الثاني على الدور الاقتصادي المتميز الذي تقوم به شركة البوتاس، كما أشار إلى ضرورة الاهتمام بقلعة الكرك وصيانتها والمحافظة عليها. وحقيقة الأمر أن الملاحظات الملكية ينبغي التفكر فيها ليس في إطار المناسبة والمكان فقط، وإنما من منظور وطني وتنموي شامل، إضافة إلى أهميتها لموقع الزيارة بل وللمحافظة بكاملها. ذلك أن رؤية التحديث الاقتصادي التي من ضمن أهدافها الارتفاع بمعدل النمو الاقتصادي الاجتماعي للبلاد، لا ينبغي أن تقرأ فقط بالأرقام الإجمالية للمملكة، وإنما بقراءة صحيحة بالأرقام والتغييرات الحقيقية بالمحافظات بشكل خاص، على طريق تجسير الفجوات الاقتصادية الاجتماعية بينها واستثمار الثروة البشرية فيها ولتقدمها.
لتحقيق الهدف لا بد من تشغيل محركات فعالة تدفع في هذا الاتجاه. وكما هي تجربة الكثير من دول العالم التي تجاوزت التخلف ودخلت في عداد الدول المتقدمة أو الدول الناهضة، فإن الشركات على أنواعها والمؤسسات الكبرى والجامعات والمساهمات من الأفراد كلها متشابكة تلعب دورا بارزا بل وقياديا في التحديث الاجتماعي الاقتصادي والانتقال إلى التقدم والازدهار. فالشركات الكبرى لديها الخبرة الإدارية والمالية والتكنولوجية العريقة وبالتالي فهي قادرة على المساهمة بتحريك النمو الاقتصادي من خلال التوسع في أعمالها وإنشاء المشاريع الجديدة وخاصة تلك التي لها علاقة بتخصصها الرئيسي بشكل قريب أو متوسط أو بعيد. وهنا من المفيد الاشارة إلى عدد من النقاط:
اولاً: يجب النظر إلى الشركات الكبرى مثل البوتاس والفوسفات والأدوية والأسمنت وغيرها من منظور القطاع الكلي أي قطاع الأسمدة والكيماويات في حالة البوتاس والفوسفات والصناعات الدوائية والصيدلانية في حالة الأدوية والصناعات الغذائية وهكذا، وبالتالي الاستجابة للملاحظات الملكية في إطار القطاع بكامله.
ثانياً: جميع الصناعات الكبيرة والمتوسطة بل والصغيرة تشكل سلسلة من حلقات متداخلة، ولا يوجد صناعة لا تحتاج في مدخلاتها أو مخرجاتها إلى صناعات أخرى.
ثالثا: على وزارة الصناعة والتجارة ووزارة الاستثمار أن تعد دراسات معمّقة بالتعاون مع الخبراء واساتذة الجامعات وغرف الصناعة تبين الفضاءات الجديدة التي يمكن أن تصل إليها الصناعات الكبرى والمتوسطة المتشابكة في ظل التحولات التكنولوجية والإبداعية والإنتاجية السريعة، وبالتالي تحديد مجموعات المشاريع الجديدة التي يمكن للقطاعات الصناعية والزراعية والخدمية ورجال الأعمال والرياديين أن تبدأ فيها منفردة أو بالتشارك مع شركات أو مؤسسات أخرى.
رابعاً: الشركات الكبرى غالباً ما تتوزع في محافظات مختلفة، وبالتالي فإن من مسؤوليتها المجتمعية النظر في المزايا الخاصة بالمحافظة والتعاون مع مجلس المحافظة لإنشاء المشاريع التي تتواءم مع احتياجات المجتمع سواء في مجال تخصصها أو غير ذلك، وفي نفس الوقت تستفيد من مزايا المحافظة التي تقع فيها.
خامساً: افتتاح جلالة الملك لمركز أبحاث البوتاس يذكرنا بأهمية البحث والتطوير والابتكار في الصناعة، وخاصة الصناعات سريعة التطور مثل صناعات الأسمدة والكيماويات والدوائيات والغذائيات والمحيكات وغيرها. كما يذكرنا المركز البحثي الجديد بأهمية الابتكار والإبداع والإنفاق على البحث والتطوير، والذي ما يزال لدينا متواضعا لا يتجاوز 0.8 % من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بدول أخرى تتجاوز 2 % و3 % في حين يتجاوز الرقم 5.5 % في بلد مثل كوريا الجنوبية أو الكيان الصهيوني. فالمنافسة العالمية اليوم ومستقبلا على أشدها، والاعتماد على تصدير المواد الخام دون تصنيعها يجب ان يصبح من الماضي، فالتميز اليوم والثروة الحقيقية تتأتى عن تصنيع الخامات وابتكار مركبات بل حتى خدمات جديدة من خلال استثمار رأس المال الوطني البشري والمالي على حد سواء.
سادساً: العالم ونحن منه راح يتأثر بالتغيرات المناخية بشكل متسارع والمنطقة العربية عموما، وبلدنا العزيز بشكل خاص بمحافظاته المختلفة الأكثر تأثرا بهذه التغيرات. فما دور المؤسسات كالجامعات ومراكز الأبحاث والشركات الوطنية الكبرى كالفوسفات والبوتاس والأدوية وغيرها في ابتكار منتجات تساعد على التعامل مع التغيرات المناخية سواء بالاسمدة أو الكيماويات الدوائيات أو المياه وغيرها.
سابعاً: البنوك والمؤسسات المالية الوطنية يجب أن تكون حاضرة في هذا المجال وشريكة في الاستجابة لملاحظات الملك وأن تساهم في تطوير المحافظات وتشارك في المشاريع الجديدة. فالمال صناعة لها دورها الاقتصادي تماماً كما للشركات الإنتاجية السلعية والخدمية. ولعل المساهمة في تطوير الجمعيات التعاونية الاستثمارية والخدمية وتحديث أساليب عملها واحد من المجالات التي يمكن للمؤسسات المالية أن تلعب فيها دوراً بارزاً.
ثامنا: الإشارة الملكية إلى قلعة الكرك تمثل نداء وطنيا للحفاظ على المعالم الأثرية التي تنتشر في جميع المحافظات. وهنا يمكن أن يكون للشركات والبنوك والأفراد الأثرياء مساهمات في مشاريع محددة كجزء من العطاء للوطن.
حقيقة الأمر أن الزيارات الملكية وما تعبر عنه من اهتمام ومتابعة جديرة بان تكون انطلاقا لمرحلة جديدة من التحول الاقتصادي الاجتماعي الثقافي، وذلك من خلال مخاطبة الشركات والمؤسسات وأصحاب الأعمال والميسورين من المواطنين كل حسب اختصاصه بما يمكن أن يضيفه أو يدعمه من مشاريع جديدة. وتساعد المؤسسات الرسمية بوضع الملامح الأولية للمشاريع، في حين يساعد مجلس المحافظة في التنفيذ، وتساهم الهيئات الأكاديمية في الجامعات في الدراسات والأبحاث على طريق الإبداع والإبتكار. وبذلك يمكن تحقيق تطلعات الأردنيين جميعاً نحو المستقبل الأفضل.