عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Jul-2024

نبيهة عبد الرازق تصدر كتابا يتحدث عن المراحل الاستيطانية في فلسطين

 الغد-عزيزة علي

 صدر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، كتاب بعنوان "الاستيطان الإسرائيلي-تقويض لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني 1967-2020"، للباحثة الدكتورة نبيهة عبد الرازق.
 
 
جاء الكتاب في أربعة فصول تتناول بداية الاستيطان الصهيوني لفلسطين؛ حيث يتناول الفصل الأول "الإطار العام وخلفية الدراسة، فيما يتناول الفصل الثاني "دوافع الاستيطان الإسرائيلي والمراحل الاستيطانية في فلسطين"، بينما يتوقف الفصل الثالث عند "مواقف الشرعية الدولية والمجتمع الدولي من الاستيطان"، ويتحدث الفصل الرابع عن "الاستيطان الإسرائيلي وأثره على (حق تقرير المصير) للشعب الفلسطيني".
 
يشير خبير القانون الدولي، ومؤسس الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن الدكتور أنيس قاسم، في تقديمه للكتاب، إلى أهمية هذه الأطروحة التي تتناول "الاستيطان الإسرائيلي تقويض لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني 1967-2020"، مؤكدا أن هذا الكتاب هو جهد أكاديمي مميز بالنقاشات المهمة التي طرحت، والتغطية الواسعة التي شملت سوابق عديد، والمقارنات المفيدة؛ حيث جاء عنوان الأطروحة يختصر في الواقع جميع المشاكل السياسية والقانونية التي تطحن منطقة الشرق الأوسط لما يزيد على سبعة عقود، أي منذ نشوء دولة المستوطنين في فلسطين. إن استخدام تعبير "تقويض" هو استخدام موفق وقد، وقع في قلب المشكلة. فالاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية له تاريخ مبرمج منذ بداية المشروع الصهيوني وسار على خطة مدروسة، وما يزال يسير على هدى برامج استعمارية واضحة.
ويستفيض القاسم، في حديثه، حول بدايات المشروع الاستيطاني الذي استعانت الحركة الصهيونية من أجل تنفيذه بخبير الاستيطان الألماني "أرثر روبين"، الذي كان يعد "أبا الاستيطان الصهيوني في فلسطين"، لافتا إلى أن خبراء المشروع الاستيطاني كانوا يختارون المناطق الفلسطينية التي يمكن الدفاع عنها عسكريا، ويمكن إقامة مشاريع مستوطنات عليها بحيث تستطيع أن تدعم نفسها اقتصاديا، ولذلك كانت المواقع التي تيم اختيارها يراعى قربها من مصادرة المياه، كما كان الخبراء يختارون المواقع التي هي في عمق البلاد لكي ترسم حدود الدولة اليهودية المستقبلية على امتداد مواقع تلك المستوطنات.
ويرى القاسم أنه بعد قيام دولة المستوطنين في العام 1948، وتوسعها في الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967، اتخذ الاستيطان منحنى أكثر عدوانية وشراسة، ليس أن الاستيطان بدأ يقضم الأرض المحتلة ويستخدم آليات مختلفة للسيطرة على الأرض وحسب، بل كانت تتم العملية وفق مخططات وخرائط ومناهج جميعها تقوم على استراتيجية تقطيع أوصال الأرض الفلسطينية لكي تمنع التواصل الجغرافي بين الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتالي يصبح الإقليم الفلسطيني غير صالح لإقامة الدولة الفلسطينية عليه، وفي الوقت ذاته يتم خلق تواصل جغرافي بين المستوطنات اليهودية التي تقام على تلك الأراضي وإقامة تواصل بين هذه المستوطنات وبين إسرائيل خلف الخط الأخضر، أي أن الاحتلال الإسرائيلي، في الوقت الذي يفتت فيه الوحدة الإقليمية الفلسطينية، ينشئ تواصلا جغرافيا بين المستوطنات اليهودية وإسرائيل.
ويوضح القاسم أن الاستيطان الصهيوني في فلسطين ليس كـ"الاستيطان الفرنسي في الجزائر مثلا، وليس كالاستيطان الإيطالي في ليبيا قبل ذلك"، ففي الحالتين لم يقصد الاستعماران الفرنسي-الإيطالي التخلص من السكان الأصليين والقذف بهم عبر الحدود، بل أقاموا مستوطناتهم وربما سلبوا الأراضي الخصبة من السكان الأصليين كيد عاملة رخيصة، إلا أنه لم يتم تحويل الجزائريين أو الليبيين إلى لاجئين وحرمانهم من العودة إلى بلادهم.
ويرى القاسم أن الاستيطان الصهيوني يتصف بأنه استيطان إحلالي لا يمكن إنجازه الا بالتخلص من السكان الفلسطينيين والقذف بهم إلى ما وراء الحدود لكي يفسح المجال "للشعب اليهودي"، لإقامة دولته، ذلك أن الفضاء الفلسطيني لا يتسع إلا لقومية واحدة، وهي قومية "الشعب اليهودي"، وعلى هذا جاء قانون القومية الصادرة في العام 2018، حيث نص في المادة الأولى، الفقرة "ج"، ذلك أن "دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير". ولم يأت القانون على ذكر الفلسطينيين أو على أي حقوق لهم أو أنهم من السكان الأصليين أو أن لهم وضع أقلية قومية.
يقول القاسم "إن الاستيطان الصهيوني في فلسطين يتضمن خاصية تشبه خواص المستوطنات التي أقامها المستوطنون الأوروبيون في أميركا الشمالية وأستراليا، بحيث يتم القضاء على السكان الأصليين أو تدمير كيانهم ومقوماتهم القومية وأراضيهم حتى يتم إقامة المستوطنات المستوردة. وعلى هذا النسق جاء الاستيطان الصهيوني، إذ تم تطهير البلاد من السكان الأصليين، وقذفوا بهم عبر الحدود وصادروا أراضيهم وسيطروا عليها لاستغلالها ومصادرها الطبيعية لمصلحة "الشعب اليهودي"، وحرموا السكان الأصليين من العودة إلى ديارهم رغم الإصرار الدولي على حقهم في العودة".
وخلص القاسم إلى أن المؤلفة أصابت الحقيقة حين وضعت عنوانا ذكيا لأطروحتها؛ حيث وصفت الاستيطان الصهيوني بأنه "تقويض"، لحق تقرير المصير للعشب الفلسطيني، ذلك أن حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم لا يتم إلا بتفكيك الاستيطان الصهيوني. فالاستيطان الصهيوني وحق تقرير المصير الفلسطيني المقرر قانونا لا يجتمعان ولا يتصالحان. وقد أجادت المؤلفة في مقاربة تلك الجدلية الضاغطة والقائمة على مقارعة الاستيطان الصهيوني لمبادئ القانون الدولي وقواعده والواقع الذي تعيشه فلسطين والمنطقة.
فيما كتبت د.نبيهة عبد الرازق مقدمة لكتابها، توضح فيها أن الأرض وأصحابها هما الأساس والمحور الذي تدور حولة القضية الفلسطينية. ما يزيد على نصف قرن على حرب 1967، وما تزال "إسرائيل"، بلا مهادنة ولا توقف تسعى لابتلاع الأرض وطمس ملامحها العربية وهوية أهلها. الأرض هي بؤرة الصراع العربي الإسرائيلي الذي أصبح مقلما ومانعا للاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط منذ أن بدأ الفكر الصهيوني بوضع مخططاته الاستيطانية مستعينا بالقوى الاستعمارية الغربية لتنفيذها، للاستيلاء على فلسطين وتفريغها من أصحابها الأصليين لإحلال يهود الشتات فيها.
وتشير المؤلفة إلى أن المشروع الاستعماري الاستيطاني الإحلالي بدأ ينسج وجوده مع بداية تأسيس ووضع الدعائم الأولى للحركة الصهيونية التي أرساها "ثيودور هرتزل" في العام 1897، فكان هدية اليهود الحقيقية، لجمع شتاتهم وإقامة وطن لهم في الأرض التي يدعون أن الرب منحها لهم، مبينة أن الفكر الصهيوني العالمي قاد مشروعه الاستعماري الاستيطاني، وذهب في ادعاءاته نحو الاستيطان في فلسطين. وكان عليهم من منظورهم الديني أن يطردوا السكان الأصليين ويهجروهم من تلك الأرض بعد أن يشوهوا هويتهم باعتبارهم أعداء الرب الواجب قتلهم والتخلص منهم.
وتقول عبد الرازق "منذ البدء بالتسلل إلى الأرض الفلسطينية، عمدت "الحركة الصهيونية"، بدعم ومساعدة القوى العظمى، آنذاك، خاصة بريطانيا وفرنسا، إلى تغيير التركيبة السكانية والجغرافية والاجتماعية بإرغام السكان الشرعيين على مغادرة أراضيهم وممتلكاتهم وبيوتهم مستخدمة وسائل العنف والتطرف كافة، غير مبالية بالأثمان التي يدفعها أصحاب الأرض، سواء بالقتل أو التعذيب أو الطرد أو التهجير والتنكيل بهم".
وترى المؤلفة أن الحركة الصهيونية مارست نحو تحقيق هدفها، أبشع الطرق الإجرامية وأكثرها وحشية من دون أدنى اهتمام بقواعد القانون الدولي والإنساني، ومن دون أي اعتبار لمفهوم الاحتلال وأبعاده، ومن دون مراعاة حقوق الإنسان، ومن دون أي إقرار بأن هناك شعبا يسكن أرضا هي بلدة ووطنه منذ التكوين السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والفكري والحضاري للمنطقة.
وترى عبد الرازق أنه في ظل الاستقواء والتمرد على أحكام ومبادئ القانون الدولي، وإنكار حقوق الآخرين، فقد مارست دولة الاحتلال، مستعينة بالدعم الأميركي، سياسات توسيع رقعة الاستيطان وزيادة أعداد المستوطنين وإطلاق أيديهم في الاستيلاء على الأراضي والمساكن الفلسطينية، وإقامة المزيد من البؤر الاستيطانية في العديد من المناطق التي خضعت لسيطرة الاستعمار بعد حرب 1967؛ حيث أدى ذلك إلى فصل أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية بعضها عن بعض، وتحويلها إلى كانتونات صغيرة تنعدم معها إمكانية قيام وحدة جغرافية فلسطينية، ما يشكل عقبة كبيرة أمام الوصول إلى حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
وخلصت المؤلفة إلى أنها بسبب سيطرة القوة على مبادئ وقواعد القانون الدولي والإنساني، وبين حق شعب يناضل ويقاوم لنيل حريته وإقامة دولته المستقلة، "رأيت أن أقدم هذه الدراسة عن ظاهرة الاستيطان الإسرائيلي وما يقابلها من تهديد للهوية الفلسطينية وحرمان للشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير".