عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Jul-2025

البحث العلمي إلى أين؟*د. أشرف الراعي

 الغد

لا أعتقد أن ثمة قضية تستحق أن نعيد طرحها مراراً كما يستحق البحث العلمي ذلك؛ فبينما تتحرك دول العالم بسرعة نحو اقتصاد المعرفة والابتكار، ما زلنا في الأردن نراوح بين “مقاربات قديمة” تجعل البحث العلمي مجرد إجراء وظيفي مرتبط بالترقيات، لا نشاطاً علمياً يستشرف المستقبل.
 
 
إن البحث العلمي ليس ترفا ولا خيارا كماليا في زمن الذكاء الاصطناعي والثورات التقنية، فقد أصبح ضرورة وجودية للدول، ولأنني - كأكاديمي - أؤمن أن الأرقام لا تكذب، سأشير إلى بعض الحقائق؛ فوفقاً لمعهد اليونسكو للإحصاء، تنفق كوريا الجنوبية على البحث العلمي أكثر من 4.5 % من ناتجها المحلي الإجمالي، بينما لا تتجاوز هذه النسبة في الأردن 0.5 %، وهو فارق شاسع يفسر لماذا نجحوا في بناء اقتصاد قائم على الابتكار بينما بقينا أسرى نمطية التفكير والإدارة. 
 
الأخطر من ذلك هو أن البحث العلمي عندنا غالباً ما يُختزل في أبحاث الترقية الأكاديمية؛ حيث يكتب الباحث دراسته من أجل تحسين درجته الوظيفية، لا من أجل تقديم معرفة جديدة تخدم الناس والاقتصاد والهوية، وهكذا يغدو البحث العلمي وسيلة لتحقيق مكاسب محدودة، بدل أن يكون رافعة وطنية كبرى.
في الدول التي سبقتنا، جرى التعامل مع البحث العلمي بمنهجية شاملة تربط التمويل بالتأثير الحقيقي؛ فالاتحاد الأوروبي مثلاً عبر برنامج Horizon Europe خصص أكثر من 95 مليار يورو لدعم الأبحاث التطبيقية والإنسانية، لأنه يدرك أن التنمية لا تتحقق إلا بتكامل العلوم الطبيعية والاجتماعية.
بينما في الأردن، ما زالت معظم برامج الدعم تركز على العلوم الطبية والهندسية وتهمش العلوم الإنسانية والاجتماعية، وكأن قضايا التطرف والبطالة والفقر والهجرة لا علاقة لها بالتنمية المستدامة؛ فالبحث العلمي بلا علوم إنسانية لا يكتمل، وبلا شراكات دولية لا يتطور، وبلا معايير صارمة لا يتقدم.
إن المطلوب اليوم هو توسيع صندوق دعم البحث العلمي ليشمل التخصصات كافة بلا تمييز واعتماد معايير واضحة لتقييم الأبحاث، تركز على الأصالة والأثر المجتمعي وقابلية التطبيق مع تشبيك الجامعات الأردنية مع كبرى المؤسسات البحثية وهي خطوة - إن حدثت - ستضاعف جودة الإنتاج العلمي وتأثيره.
كما أن من المهم أن نفهم أن البحث العلمي ليس نشاطاً منفصلاً عن حياة الناس، بل إنه صانع المستقبل الحقيقي. فحين ننظر إلى تجارب دول مثل فنلندا وكندا، نجد أن نجاحها الاقتصادي والاجتماعي كان رهينا بإنفاقها السخي على البحث وتقديرها للباحثين، ووضع سياسات تحمي استقلالية الجامعات وتربط تمويلها بتأثيرها الفعلي الانفتاح على التجارب العالمية في هذا السياق. 
لقد آن الأوان أن نعيد تعريف غاية البحث العلمي في الأردن؛ فلم يعد مقبولاً أن نبقى أسرى عقلية “البحث من أجل الترقية”. بل يجب أن يكون بحثاً من أجل التنمية والإنسان والهوية إذا أردنا مستقبلا أفضل وأن يكون البحث العلمي خيارنا الأول، لا الأخير.