عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Nov-2025

كتلة حرجة من المعارضة العالمية تتجمع ضد الدولة الصهيونية

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

باتريك لورنس* - (ذا فلوتيست) 29/10/2025
صعود كاثرين كونولي إلى سدة الرئاسة في أيرلندا يمثل تطوراً في السياسة العالمية لا ينبغي أن نغفله. ثمة كتلة حرجة تتجمع ضد الدولة الصهيونية.
 
لكاثرين كونولي وجه أيرلندي جميل، عريض ومنفتح، بعينين متألقتين فيهما لمحة من الحزن، ودائماً إما يبتسم أو يوشك أن يهدي العالم ابتسامة. وهي تعتنق أيضاً سياسة أيرلندية أصيلة، ابنة غالواي هذه -الرئيسة الأيرلندية العاشرة التي انتُخبت يوم الجمعة الماضي- تستحضر مباشرةً الذاكرة الجماعية لاستعمار بريطانيا الطويل والقاسي لشعبها عندما تدين استعمار إسرائيل الطويل والقاسي للفلسطينيين. وكذلك يفعل ناخبوها الذين حازت دعم 63 في المائة منهم.
التاريخ يفعل ذلك أحياناً، شريطة أن لا يُدفَن على يد السلطة: فصوله القاتمة والعنيفة يمكن أن تُولّد لدى الأحياء وعياً متقداً والتزاماً بالعدالة. هذه من بين السمات الكثيرة التي تميز الشعب الأيرلندي.
كونولي تسمي الإبادة التي يمارسها النظام الصهيوني بما هي عليه فعلاً، وتعترف بـ"حماس" على أنها "جزء من نسيج الشعب الفلسطيني" -حركة تحرر، بمسمى آخر. هل كان بإمكانها أن تعبّر عن هذا الفهم بهذه الصراحة لو لم يكن "الجيش الجمهوري الأيرلندي" قد شكل جزءاً من نسيج الشعب الأيرلندي طوال تلك السنوات؟
قرأتُ صعود كونولي من البرلمان (حيث كانت نائبة لرئيسه) إلى رئاسة أيرلندا كإشارة على تقدم في السياسة العالمية لا ينبغي أن نفوته. كيف يمكن أن أقول الفكرة؟ لقد شرع العالم في الانقلاب ضد نظام الإرهاب الإسرائيلي منذ أن بدأ هذا النظام حملته من القتل والتجويع قبل عامين، في تشرين الأول (أكتوبر) 2023. وهو الآن يفعل ذلك بعزم وتصميم كبيرين، وبذلك يبدو وكأنه يجد صوته الجماعي أخيراً.
ما كنا نسمعه وكان الصوت يزداد علوًا باطراد في الشوارع خلال العامين الماضيين، أصبحنا نسمعه اليوم في أعلى مستويات الحكومة. ثمة زخم، كما أود أن أقول، وهو يمضي في الاتجاه الصحيح. فقط في أميركا ليس هذا هو واقع الحال -وهي نقطة سأعود إليها لاحقاً.
يُقال إن انتخاب كونولي دفع كثيراً من الإسرائيليين إلى التعهد بأن لا تطأ أقدامهم أرض "الجزيرة الزمردية" أبداً. رائع: الصهاينة الإسرائيليون ينضمون إلى العمل الملح المتمثل في عزل الصهاينة الإسرائيليين. مهما يكن عدد الذين سيظلون بعيدين، سوف تكون أيرلندا أفضل حالاً ببعد كل واحد منهم.
ثمة نفحة من التاريخ هنا، أيضاً. كما قد تتذكرون، كان الأيرلنديون سريعين جدًا إلى إدانة حملة الإرهاب الإسرائيلية قبل خريفين. وبحلول نهاية العام 2023، كانت ثمة دعوات من اليسار في البرلمان إلى طرد دانا إيرليخ، سفيرة تل أبيب ذات السمعة المنفرة، كما ينبغي أن يكون متوقعًا. وبعد بضعة أشهر، في أيار (مايو) 2024، اعترفت أيرلندا رسمياً بسيادة الدولة الفلسطينية. وفي نهاية ذلك العام، استسلم نظام نتنياهو أخيراً. قامت وزارة خارجيته في ذلك الحين باستدعاء إيرليخ وأغلقت سفارتها في دبلن بسبب "السياسات الأيرلندية المتطرفة المعادية لإسرائيل".
تصاعد الاعتراض
من المستحيل تجاهل تقاليد أيرلندا المناهضة للاستعمار والإمبريالية وتعاطفها الفطري مع المظلومين، وهي سمات لا يبدو أنها تنحني أبدًا أمام الرياح. وهو ما يجعلني أعتقد أن صوت كونولي سيكون قوياً بشكل خاص -هل أقول "حاداً"؟- بشأن قضية فلسطين. لكنها تقفز إلى متن قطار يتحرك مسبقًا -دعونا لا ننسى ذلك. كان الزخم الذي أشرتُ إليه يتراكم منذ بعض الوقت، ويبدو الآن أنه يصل الآن كتلة حرجة.
تذكّرني تجوالاتي المعتادة في منصة "إكس" يومياً بهذه الحقيقة. وإليكم قائمة -عشوائية، متفاوتة الأهمية، ناقصة، وليست بترتيب معين- جمعتها في الأيام القليلة الماضية فقط:
- النرويج ومذكرة توقيف بيبي: قبل اثنتين وعشرين ساعة من شروعي في كتابة هذا المقال، أفادت التقارير بأن النرويج أصدرت "دعوة قوية للاعتقال الفوري لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو". ولا أعلم من الذي يُمثّل "النرويج" في هذه الحالة، لكنني أعتقد أنه يمكننا أن نأخذ ما يلي في الاعتبار أيضًا: أصدرت وزارة الخارجية بياناً أكدت فيه التزام أوسلو بقرارات "المحكمة الجنائية الدولية"، التي أصدرت مذكرة توقيف بحق نتنياهو في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وللتذكير: أعلنت الوزارة في آب (أغسطس)، بينما كان "بيبي" يستعد لعبور أوروبا في طريقه إلى اجتماعات "الجمعية العامة للأمم المتحدة"، أنها ستعتقله إذا ما وطئت قدماه أرض النرويج.
- ستارمر يُذكَر بالاسم: في تقرير الأمم المتحدة المعنون "إبادة غزة: جريمة جماعية" الصادر في 20 تشرين الأول (أكتوبر) والموقّع من فرانسيسكا ألبانيزي، ورد ذكر رئيس الوزراء البريطاني بالاسم بسبب تورطه في حملة الإرهاب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة. وجاء في التقرير: "في 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، فور إعلان إسرائيل عن تشديد حصارها على غزة، عبّر قادة غربيون رئيسيون عن دعمهم لـ’حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها‘... ودافع زعيم المعارضة البريطانية آنذاك، كير ستارمر عن ’حق إسرائيل في قطع المياه والكهرباء عن المدنيين‘".
- تفعيل حظر السلاح الإسباني: فتحت إسبانيا للتو تحقيقاً جنائياً بحق شركة صناعة الصلب الإسبانية "سيدنور"، لبيعها منتجات إلى مجمع الصناعات العسكرية الإسرائيلية، وهي شركة فرعية من مجموعة "إلبِت سيستمز" سيئة السمعة. وكانت هذه أول عملية تنفيذ كبرى للحظر الشامل على تصدير الأسلحة الذي أقرّه البرلمان الإسباني وحوله إلى قانون حديثاً.
- الأنشوطة تضيق: في أواخر الأسبوع الذي سبق كتابة هذه السطور، بدأ مصرف "بنكو ساباديل"، وهو مؤسسة إسبانية كبرى، في تجميد حسابات الإسرائيليين، مطالباً إياهم بتوقيع إقرارات تؤكد أنهم لا يمارسون أي أعمال مع المستوطنات الإسرائيلية. وقال مسؤول في البنك إن جميع المعاملات التي تشمل إسرائيليين يجب من الآن فصاعداً أن يعتمدها قسم الامتثال في البنك.
- حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (B.D.S.) قيد العمل: أعلنت سلسلة مطاعم "بيتزا هت" في المملكة المتحدة عن إغلاق 68 فرعاً و11 موقع توصيل؛ لقد أجبرتها حملة المقاطعة التي استهدفتها بسبب أعمالها في إسرائيل على إعادة هيكلة شاملة.
- خدعة الولاء المزدوج: في مقابلة يوم الأربعاء الماضي، قال تاكر كارلسون، الصحفي ومقدم البرامج الأميركي المحافظ الشهير: "يجب ترحيل الأشخاص الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي. لا يمكنك أن تقاتل من أجل بلد آخر وتبقى أميركياً". أخيراً قيل ما كان ينبغي أن يُقال منذ زمن.
- كتلة حرجة: نظمت جماعة "قساوسة ضد الإبادة"، التي تمثل 1.200 رجل دين كاثوليكي، مؤخراً، مسيرة إلى البرلمان الإيطالي، حيث أقام أحد القساوسة القداس وهو متلفع بعلم فلسطين. وكانت عظته متسقة مع ردائه.
إذا بدت لكم هذه الأخبار موزعة وملتقطة من أماكن متباعدة، فهذا مقصود. نيّتي هي أن أشير فقط إلى ما يتبلور في شكل موجة اعتراض شاملة لكل المجتمع، والتي نراها تتجلى في صورة أو أخرى في أماكن عديدة. ويمكن لأي قارئ، أو قارئة، أن يضيف العديد من الأمثلة الخاصة به بمجرد القيام بجولة تزلج سريعة في وسائل التواصل الاجتماعي.
قضية جنوب أفريقيا
تنضم كاثرين كونولي إلى آخرين من الذين يشغلون مناصب رفيعة -خاصة، وإنما ليس فقط، بيدرو سانشيز، رئيس وزراء إسبانيا الاشتراكي؛ والرائع غوستافو بيترو، المقاتل الثوري السابق الذي يخدم الآن بشرف كبير كرئيس لكولومبيا. ويشير صعود كونولي إلى مصاف هؤلاء القادة إلى أننا نقف على أعتاب نقطة إقلاع، إذا جاز لي أن أستعير التعبير من الاقتصاديين. هذا هو تقييمي. عندما نتحدث عن حركة عالمية مناهضة لإسرائيل، فإننا نتحدث عن حركة تشرع في مراكمة قوة الدول نفسها خلفها.
حين نقوّم الوضع الراهن، ينبغي أن نستحضر في أذهاننا قضية جنوب أفريقيا. عندما سقط نظام الأفريكانين أخيراً هناك في العام 1994، حدث ذلك بالدرجة الأولى لأن تناقضاته الداخلية أصبحت كثيرة جداً وهائلة للغاية. لم يعد نظام الفصل العنصري في ذلك البلد قابلاً للاستمرار. وقد راكمت الحركة المناهضة الفصل العنصري قوتها تدريجياً على مدى سنوات طويلة -في حين جمعت الحركة المناهضة للدولة الصهيونية قوتها بسرعة أكبر، وإن لم تكن كافية بعد- لكن قضية مناهضة الفصل العنصري أثبتت فعاليتها في نهاية المطاف. وكان الضغط الدولي الذي مارسته من بين العوامل التي لم يعد بإمكان الأفريكانيين تحملها.
دعونا نستقِ العِبر التي يقدمها لنا هذا التاريخ.
المقاعد الفارغة على الطاولة تخص الأميركيين. وبينما تنضم كونولي إلى بيترو وسانشيز وغيرهما في مواقع القيادة، دعونا نلقِ نظرة على نظام ترامب. إن الرئيس، وماركو روبيو، وبيت هيغسِث، وستيف ويتكوف، وجاريد كوشنر، وسائر أعضاء "فريق" ترامب للسياسة الخارجية، هم بالمقارنة وحوش منفصلون تماماً عن العالم، عن روح العصر، ينتمون إلى زمن آخر، وإلى قضية أخرى -قضية لا تمت للقضية الإنسانية بأي صلة.
هل يجب أن أعترف بأن معظم الأميركيين منفصلون بالطريقة نفسها؟ أعتقد أن عليّ أن أفعل. كل التحية والثناء لأولئك الذين يخرجون إلى الشوارع كما يفعل الملايين من الآخرين في الأماكن الأخرى. لكن أعدادنا قليلة، تعكس سنوات طويلة من الدعاية المتواصلة، والتجزيء الاجتماعي، وخصخصة الوعي الجمعي، واللامبالاة المصنّعة. إنني لا أرى طريقة أخرى لفهم هذا الواقع، ولا سبباً مقنعاً لتوقع أنه سيتغير.
إن العيش في هذا الانفصال العميق عن العالم، مع هذا الاستخفاف الشديد بما يعلن العالم اهتمامه به، لن يخدم أميركا ولا الأميركيين على المدى الطويل. إن النخب الحاكمة لدينا تدور متعثرة في أنحاء العالم، متنقلة من مأزق إلى آخر، ومراكمة احتقار بقية الإنسانية. وماذا عن بقيتنا، نحن جميعاً باستثناء القلة صاحبة الضمير؟ هل ستقوم المصارف الدولية يوماً ما بالتدقيق على حساباتنا؟ يبدو ذلك خيالياً، لكن مجرد طرح السؤال مرير في ذاته.
حين تبتسم العيون الأيرلندية، يصبح العالم كله مشرقاً ويقف ضد الصهيونية. أليس هذا هو ما تقوله الأغنية؟
 
*باتريك لورنس Patrick Lawrence: صحفي ومراسل ومحلل سياسي أميركي بارز، عمل لسنوات طويلة مراسلًا خارجيًا لصحيفة "إنترناشونال هيرالد تريبيون" التابعة لـ"نيويورك تايمز"، وكتب في عدد من المنصات المستقلة مثل "كونسورتيوم نيوز" و"شير بوست". يُعرف بأسلوبه التحليلي العميق وانتقاده الحاد للسياسات الخارجية الأميركية والغربية، وبدفاعه عن القضايا العادلة وحق الشعوب في التحرر، خاصة في فلسطين. وهو أيضًا كاتب مقالات ومحاضر ومؤلف لكتب عدة، من أبرزها "الصحفيون وظلالهم" Journalists and Their Shadows (كلاريتي برس)؛ و"لم يعد ثمة وقت: الأميركيون بعد القرن الأميركي" Time No Longer: Americans After the American Century، اللذان يعالجان أزمة الإعلام الأميركي وتحوّلات الهوية السياسية في الولايات المتحدة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: A Worldwide Anti–Israel Movement