بعد إدانة “بيغاسوس” في المحاكم الأميركية… وكالة حكومية تتبنّى نظام تجسّس إسرائيلي جديد
درج ميديا
كشف تحقيق لصحيفة “الغارديان” أن وكالة الهجرة الأميركية، وهي وكالة لها تاريخ مثير للجدل في ما يتعلّق بمعاملتها للمهاجرين، وتكتيكات تطبيق القوانين الخاصّة بها، تستخدم تكنولوجيا تجسس إسرائيلية مُدانة في المحاكم. هذا المعطى الخطير يكشف أن هذه الأداة قد تُستخدم من قِبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كأداة رئيسية لتنفيذ سياسات الهجرة الصارمة.
من المفارقات الصارخة والمقلقة للغاية في ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن محكمة فدرالية في الولايات المتّحدة دانت في كانون الأوّل/ ديسمبر من العام الماضي، شركة برامج تجسّس بارزة، بالمسؤولية عن “الخبث والقمع والاحتيال” بسبب ممارساتها التجسّسية العدوانية، ومع ذلك، يبدو أن وكالة حكومية أميركية تنوي استخدام أدوات مماثلة.
فقد كشفت صحيفة “غارديان” البريطانية عن حصول وكالة الهجرة والجمارك الأميركية (ICE) على إمكانية الوصول إلى برامج تجسّس إسرائيلية متطوّرة، مثل Graphite من شركة Paragon Solutions الإسرائيلية، وهو ما يجب أن يُثير قلق كلّ من يقدّر الخصوصية والحرّيات المدنية، خصوصاً أن هذه الوكالة تنوي استخدام هذه البرامج في ملاحقة اللاجئين، والدخول إلى خصوصياتهم، والعمل على الضغط عليهم لترحيلهم، في تطبيق لسياسة معادية للاجئين تعتمدها الإدارة الجديدة.
لقد كانت تحقيقات “مشروع بيغاسوس”، التي شارك فيها موقع “درج” ضمن تحالف واسع من المؤسّسات الإعلامية الدولية، سبّاقة في الكشف عن مخاطر هذه الأدوات على نطاق عالمي. هذا التحقيق أثبت بالوثائق أن برمجيّة التجسّس التي ابتكرتها مجموعة NSO الإسرائيلية، قد استُخدمت في تسهيل انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق هائل في مختلف أنحاء العالم، وهو ما أكّدته لاحقاً أحكام قضائية.
الحكم الأخير ضدّ مجموعة NSO، الذي أمرها بدفع أكثر من 167 مليون دولار لشركة Meta لاستهداف مستخدمي “واتساب”، لم يكن مجرّد تعويضات مالية. لقد كان إعلاناً واضحاً من هيئة محلّفين أميركية بأن نشر مثل هذه البرامج التجسّسية ضدّ الأفراد – وخاصّة الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين- هو عمل متجذّر في الخبث والشرّ. أدركت المحكمة الخطر الكامن وعدم شرعية هذه الأدوات عند استخدامها لتخريب الخصوصية الشخصية وحرّية التعبير.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن شركة Paragon سعت إلى تمييز نفسها عن مجموعة NSO، بعد فضح تورّطها مع أنظمة قمعية وديكتاتورية في الشرق الأوسط، وبعد استخدامها في فرنسا للتجسّس على الرئيس الفرنسي نفسه. وقد ذكرت الشركة الإسرائيلية أنها على عكس مواطنتها NSO – التي باعت في السابق برامج التجسّس الخاصّة بها للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة والمغرب وأنظمة أخرى – فإنها لا تتعامل إلا مع الدول الديمقراطية. كما ذكرت أن لديها سياسة عدم تسامح، وستقطع علاقاتها مع العملاء الحكوميين الذين يستخدمون برامج التجسّس لاستهداف أعضاء المجتمع المدني، مثل الصحافيين. ترفض Paragon الكشف عن هوّية عملائها، وتقول إنها لا تملك أي رؤية حول كيفية استخدام عملائها للتكنولوجيا التي تقدّمها.
ومع ذلك، يشير تحقيق “الغارديان” إلى أن وكالة الهجرة الأميركية، وهي وكالة لها تاريخ مثير للجدل في ما يتعلّق بمعاملتها للمهاجرين، وتكتيكات تطبيق القوانين الخاصّة بها، تستخدم تكنولوجيا مماثلة. هذا المعطى الخطير يكشف أن هذه الأداة قد تُستخدم من قِبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كأداة رئيسية لتنفيذ سياسات الهجرة الصارمة.
وهذه البرامج المتقدّمة، مصمّمة لتجاوز التشفير، والوصول إلى الاتّصالات الخاصّة، وتتبّع الأفراد بدقّة مقلقة. في حين أن مجموعة NSO تسوّق منتجاتها لـمكافحة “الجرائم الخطيرة والإرهاب”، فإن الواقع، كما يتّضح من الدعاوى القضائية والتحقيقات، هو نمط من الانتهاكات ضدّ أهداف غير إجرامية. القلق بشأن ICE هو أن هذا النمط يمكن أن يتكرّر، أو حتى يتضخّم، ضدّ الفئات الضعيفة داخل الولايات المتّحدة المتمثّلة باللاجئين.
لطالما انتقدت الولايات المتّحدة دولاً أخرى لاستخدامها تكنولوجيا المراقبة لقمع المعارضة وانتهاك حقوق الإنسان. يصبح هذا الموقف منافقاً عندما تتبنّى وكالة حكومية في الوقت نفسه أدوات مماثلة، في تجاوز متعمّد للمساءلة الديمقراطية عن تقنيات تمّ إدانتها قانونياً، في محاكم الولايات المتّحدة، عند استخدامها من قِبل الآخرين.
القضيّة الأساسية هي أن هذه الأدوات، كما يشير الخبراء “تمّ تصميمها للديكتاتوريات”، وهي تمنح سلطة غير مسبوقة لمراقبة الأفراد وتتبّعهم والسيطرة عليهم وابتزازهم. عندما توضع هذه القوّة في أيدي وكالة مثل ICE، في زمن ترامبي شديد التطرّف، فإن احتمال الانتهاكات يرتفع بشكل كبير. فحقوق الأفراد في الإجراءات القانونية الواجب تطبيقها، بما في ذلك أولئك الذين يخضعون لإجراءات الهجرة المعقّدة، تتعرّض للخطر بشكل جوهري عندما يمكن مراقبة اتّصالاتهم وحركاتهم الأكثر خصوصية بشكل سرّي، واستخدام معلوماتهم الخاصّة لابتزازهم وحملهم على مغادرة البلاد.