عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Apr-2025

الدولة الوطنية.. والتنظيمات الظلامية*د. ابراهيم بدران

 الغد

كشفت الحادثة المؤسفة التي تم ضبط أفرادها قبل أيام قليلة، أنه ما تزال هناك بعض الجماعات والتنظيمات تعمل في الدولة بمسارين مختلفين: المسار الظاهر أنها تعمل كما يعمل الآخرون وأنها حريصة على المصلحة الوطنية، والمسار الباطن أنها غير ذلك تماماً. ودون الدخول في أي تفاصيل، خاصة وأن المسألة اليوم بين يدي القضاء، فالواضح أن هناك إشكالية كبيرة مع تلك التنظيمات حين يستهدفون الشباب ويعملون على زعزعة انتمائهم للوطن، وتجنيدهم أو دفعهم للقيام بأعمال تخريبية ومخالفة للقانون تحت عناوين مزيفة، تارة باسم الدين والدين براء، وتارة باسم فلسطين، وتارة ثالثة باسم التغيير والإصلاح.
 
 
إن مثل هذا التجنيد ليس بالضرورة أن يكون على نطاق واسع، وإنما يكفي ضررا وأذى للوطن أن يكون مجرد موجود، وينخدع به قلة من شباب يمكن القول إنهم متعلمون. ومع هذا ينخرطون في  توجهات مضادة للدستور والقانون، وللمصلحة الوطنية، بل ومضادة لكل ما يقوم به الأردنيون من جهد وعمل وإنجاز.
 
كل ذلك يطرح أسئلة لا بد من وضع الإجابات العملية لمواجهتها في إطار زمني كاف للتصحيح:
 أولاً: الثقافة الحزبية أو التنظيمية. إذ لا يكفي أن نقرأ البيانات الرسمية للأحزاب والتنظيمات، وإنما ينبغي التعرف على ماهية ونوعية الثقافة التي يشكلها التنظيم لدى منتسبيه. هل هي ثقافة التعصب والتفرد ورفض الآخر ما لم يكن منهم؟ أم ثقافة التسامح والتعايش والقبول والتعاون والتشارك المتكافئ؟ هل هي ثقافة الانفتاح على العلم والقانون والمؤسسية ومستجدات الحياة؟ أم ثقافة الانغلاق والتشدد والارتداد إلى الماضي؟ هل هي ثقافة العقل والفكر المستنير الذي يقبل الآخر؟ أم ثقافة الأيديولوجيا المتصلبة التي تضع كل شيء في إطار مقولات ونظريات جامدة؟ وهل هي ثقافة معلنة؟ أم أنها ثقافة مخفية؟ 
ثانياً: المواطن والدولة الوطنية: تعرضت المنطقة العربية ونتيجة الأحداث السياسية المختلفة الى التشكيك في الدولة الوطنية: مرة بادعاء أنها قطرية وليست قومية، ومرة أنها مصطنعة ولم تكن موجودة بحدودها قبل مئات السنين، وثالثة أنها دولة تحكمها الرأسمالية، أو أنها كافرة لأنها لا تطبق أحكام الشريعة كما هم يريدونها، وليست كما ينبغي أن تكون عليه الدولة الحديثة وغيرها. ثالثا: الخلط بين الدولة والإدارة، يذهبون إلى الخلط المتعمد بين «الدولة بكل مكوناتها من أرض وشعب ونظام ومؤسسات وقانون، وبين الحكومة أو الإدارة باعتبارها مسؤولة عن إدارة الشؤون لفترة زمنية قصيرة، وبرامجها عرضة للصواب والخطأ، ولكن فصل السلطات ووجود البرلمان الحر يضمن تفعيل عمليات التصحيح». ومن هنا فإنهم يحاولون تشويه انتماء المواطن للوطن الدولة باعتباره المحّرك الرئيس للحرص على سلامة الدولة بكل مكوناتها والعمل على البناء والإضافة وتصحيح الأخطاء إن وجدت بالحوار والقانون والتفاهم.
رابعا: تحديث المفاهيم: ولأن الأحزاب والجماعات الدينية تربط نفسها دائماً بالماضي فهم يتهربون من استعمال تعبير الدولة ويذهبون إلى استعمال تعبير الأمة أو أولي الأمر. وبالنسبة للشباب من هم أولي الأمر؟ هل المسؤولون في الدولة أم أنهم المسؤولون في الحزب والتنظيم؟ وكذلك يضللون الشباب باستعمال كلمة الجهاد حين يحرضونهم على الخروج على القانون وعلى سلطة الدولة، كما فعلت القاعدة وداعش وغيرهما.
وهنا لا بد من وضع المفاهيم العامة في إطارها المعاصر. بمعنى أن يكون موضوع الجهاد عماده الدفاع عن الوطن وحفظه وسلامته وصيانته كما تمثله الدولة بقيادتها ومؤسساتها وقوانينها، وليس كما يريده منظرو الحزب أو التنظيم. وهنا تقع مسؤولية على أساتذة الشريعة والفقه والمؤسسات الدينية الرسمية لوضع الأطر الصحيحة المعاصرة للمصطلحات من منظور وطني مستنير، حيث لا تعارض أبدا.
خامسا: المراجعات حين تقوم الأحزاب الأيديولوجية والعقائدية بمراجعات سياسية بعد اكتشافها أنها كانت تسير في الطريق الخاطئ أو المسدود، وتعلن ذلك يبرز سؤال كبير: هل يتم إلغاء الأدبيات الأيديولوجية المتشددة ونقض الكتب الصادرة سابقا وإعلان رفضها؟ أم تبقى على حالها بين أعضاء الحزب؟. وهنا يمكن أن تنشأ ثقافة غير معلنة يجري توظيفها وإغواء الشباب لانتهاجها.
 ولا شك أن المدرسة بالدرجة الأولى ثم الجامعة والمؤسسات الثقافية والإعلامية والشبابية بالدرجة الثانية تلعب الدور الأساس في تكوين عقلية الشباب من حيث المرونة والقدرة على التفكير والتحليل، وتشكيل هذه العقلية باتجاه العلم والانفتاح والقبول الإنساني والمؤسسي والوطني. وهذا يعطي للمدرسة والجامعة وللمعلم والأستاذ دوراً بارزاً في اتجاه الارتباط بالدولة والقانون والمؤسسات الوطنية والتشارك المتكافئ مع الآخر، وتأكيد العقل العلمي وقت مبكر. وقد يستلزم الأمر أن يكون هناك تدريبا للمعلمين والأساتذة على هذه المسألة، حتى يكونوا قادرين على الإقناع المستنير وليس مجرد الأمر والتعليمات.
ونقول بكل ثقة لكل من هو حريص على دعم الأشقاء في فلسطين أن لا دولة قدمت للقضية الفلسطينية بكاملها كما قدم الأردن، ولا تزال وستبقى تقدم. ولا يمكن دعم الأشقاء في فلسطين إلاّ من خلال الدولة الأردنية القوية التي لا تسمح لأحد باختراق بنيانها المنيع.
 من جانب آخر، على الإدارات الرسمية لدينا مسؤولية كبيرة وهي: العمل على تجسير فجوة الثقة بين المواطن والإدارة الحكومية والتي يتم تحويلها من التنظيمات الظلامية بخبث إلى فجوة ثقة بين المواطن والدولة. كما أن استمرار البطالة بمعدلاتها المرتفعة واتساع مساحات الفقر يعطي المتطرفين البيئة الخصبة التي يبحثون عنها للإيقاع بالشباب والتغرير بهم. وهذا يستدعى تكثيف وتحفيز البرامج الاقتصادية الاجتماعية التي تضع حداً لهذه الظاهرة وخاصة في المحافظات. 
وأخيراً فإن سلامة الدولة الأردنية بكل تفاصيلها هي مسؤولية وطنية وأخلاقية وإنسانية لكل مواطن. علينا أن نعمل على صيانتها وتعزيز إمكاناتها بالعمل الجاد وبناء المستقبل.