عمون
*قراءه تحليلية في مسار المشروعية السياسية والشرعية الدستورية
حيث القول المأثور:
"إننا قد نمضي في محيط لا نرى فيه أرضًا بل وربما لا نبصر فيه الشمس أو النجوم، غير أن لدينا خريطة وبوصلة ندرسها ونستشيرها ونطيعها، وهذه: الخريطة هي الدستور" المحامي الدستوري دانيال ويبستر، "والبوصلة هي الرقابة القضائية على دستورية القوانين" الدكتور علي الباز.
وعليه سنذهب إلى القراءة التحليلية في التجربة الدستورية الأردنية، حيث نقطة البدء: "المقصود بالدستور كـخريطة يعني في الفقه الدستوري المقارن: مجموع القواعد التي تحدد وتنظم عمل الدولة أو تُمارَس السلطة وفقًا لها**.** فهو الذي ترسم قواعده الإطار القانوني للدولة وتُشكّل العمود الفقري لأي نشاط قانوني في الدولة، ومن خلال هذه القواعد تتحدد شروط عمل السلطة السياسية وصلاحيات الحكّام بحيث لا يعود تطبيق آليات الحكم وقفًا على حرية وإرادة هؤلاء الحكّام، بل تبقى تصرفاتهم خاضعة لشروط الدستور."
هذا، وفي مرحلة لاحقة استيقظ الفكر الدستوري على مقولة Roger Collard: "إن الدساتير ليست خيمًا تُنصب للنوم"، فانكسر الطوق حول المفهوم الضيق سالف الذكر (أي قصر تركيز تلك القواعد على صلاحيات السلطات) نحو المفهوم الأوسع للدستور، يُجسِّد فيه ومن خلاله صورة الميثاق الوطني السامي، بحيث يحدد الدستور طريقة تسمية الحكّام والسلطات بالإضافة إلى صلاحياتهم الدستورية، كما يحدد من جهة أخرى الحقوق والحريات العامة للمواطنين، ليصبح الدستور كما قيل "ذو قيمة رمزية وذو قيمة فلسفية، والأهم ذو قيمة قانونية مطلقة جعلته "القانون الأساسي للدولة"؛ ليقتصر بالتالي دور الحكّام في الدولة على تنفيذه، وليسمو وفـقًا لمبدأ علوّ الدستور عليهم وعلى ما عداه من القواعد القانونية الأدنى منه التي تقررها السلطات في الدولة.
وبهذا لم يعد الدستور – كما يقول الفقه الدستوري – نصًا مغلقًا ومعزولًا انتهى مفعوله لحظة إقراره، بل هو عمل يواكب التطور الدائم بما يتناسب مع تقدم المجتمع.
هذا، ولأن الدستور لا يوجد بصورة تلقائية، حيث يُطلق على السلطة التي تُقيم الدستور "السلطة التأسيسية الأصلية le pouvoir constituant originaire" المنبثقة من الشعب ومستقلة تُعبّر عن إرادة صاحب السيادة/الأمة أو الشعب، أو يُطلق على ما يقابلها "السلطة التأسيسية المنشأة le pouvoir constituant dérivé" البرلمان/مجلس الأمة المنبثق عن الشعب وتستمد نشأتها من الدستور، وتمارس عملها في صورة ما يأمر به الدستور غير منحرفة في استعمال هذه السلطة المقيّدة المحددة التي تستمدها من الدستور.
هذا ومن المفيد في نهاية هذه الإطلالة على "ما هو هذا الدستور" أن نذكر بأن الدستور كما سبق وقلنا "إنه ليس خيمة تُنصب للنوم؛ أي وجود نص مكتوب اسمه الدستور لا ينتهي مفعوله لحظة إقراره**"،** ولكن للدستور وجوده الفعلي بمعنى أن يكون الدستور مَعمولًا به ساري المفعول، يُعبّر عن إرادة الشعب بشكل حقيقي ويوفر بالتالي المشروعية السياسية، وتُترجم إلى مبادئ وقواعد يتكوّن منها الدستور كنظام قانوني تلتزم باحترامه كافة السلطات العامة في الدولة، وبهذا يوفر الشرعية الدستورية. عندها سنشهد "الهيئات والمؤسسات إلخ. التي توفر له الدعم واستمرار الحماية من كل ضرر أو أذى. فكيف تتم الحماية، ومن يتولّاها؟
وهنا نسارع إلى القول إن الذي يتصدر هذه المهمة الأساسية، أي الحماية، وهذا العمل الرئيسي بانتماء حقيقي، هو الشعب، وبإسناد أو تدخل لبعض الجهات أو الهيئات من خلال الدستور وما يتضمنه خاصة بالتعديل الدستوري لتطوير مكوّن الشرعية الدستورية "المبادئ والقواعد التي يتكوّن منها الدستور كنظام قانوني تلتزم باحترامها كافة السلطات العامة"؛ ونضيف الدور الهامّ الذي يتولّاه "النظام القضائي المستقل العادل والنزيه" المنزّه عن الأغراض السياسية. كما نذكر أن حماية الدستور تكمن في التعددية الحزبية ونبذ سيطرة الحزب الواحد أيًّا كانت صفته. ولأن الصحافة يُشار إليها بالسلطة الرابعة، فبينها وبين الدستور علاقة متبادلة: فهي من ناحية يكفلها الدستور، ومن ناحية ثانية توفر الحماية للدستور من خلال آلياتها التي تتعامل بها. أما المجتمع المدني "بمؤسساته وجماعاته – الاتحادات/النقابات المهنية، المؤسسات التعاونية، مؤسسات الأبحاث والدراسات –، وبخياراته وتوجهاته السياسية" يوفر الكثير المفيد لحماية الدستور.
أما ما يخص تجربة الأردن الدستورية،
حيث نقطة البدء أن الدستور بما يتضمنه من قواعد أساسية يبيّن نظام الحكم. وحيث إن نظام الحكم كما يذهب الفقه الدستوري يجب أن يؤسَّس على قاعدتين أساسيتين: "الاستقلال الذاتي والحكم الدستوري".
أما بالنسبة للاستقلال الذاتي فلم يكن بمقدور الأردن الحصول عليه فورًا؛ حيث كانت نقطة البدء "3 من تشرين أول عام 1922" هي السعي للحصول على الاستقلال، وذلك بالبدء بالمفاوضات ما بين الأمير عبدالله وكلايتون مندوبًا عن الحكومة البريطانية، وامتد هذا السعي إلى عام 1946 "22 من آذار"، حيث تم في 25 من أيار إعلان الأردن دولة مستقلة ذات سيادة، ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي، وتتويج المغفور له الملك عبدالله بن الحسين ملكًا دستوريًا على المملكة.
وأما الحكم الدستوري فلا يتم إلا تدريجيًا، وقد تدرّج؛ حيث كانت نقطة البدء نشر القانون الأساسي أو الدستور "16 من نيسان عام 1928"، ومن بعده تم نشر دستور 1947 في الأول من شباط، وأخيرًا تم نشر دستور 1952 الساري المفعول "في 8 من كانون الثاني عام 1952"، وضعته لجنة (الـ"11"( مكوّنة من الذوات: دولة إبراهيم باشا هاشم، دولة سمير باشا الرفاعي، معالي فلاح باشا المدادحة، معالي محمد باشا الشريقي، معالي روحي باشا عبد الهادي، معالي انسطاس بك حنانيا، علي بك حسنا، عبد اللطيف بك صلاح، أحمد بك الطراونة، أنور بك نسيبة، الأستاذ السيد عبدالله غوشة.
هذا ومن مظاهر ذلك العمل المثالي لدستور 1952 أنه اعتمد كلمة أو اصطلاح "الدستور". فهذا الاصطلاح، فضلًا عن إيجازه ودلالته، إلى جانب شيوع استعماله في لغة الضاد – كما يقول الفقه الدستوري – يتضمن شيئًا من معنى القدسية ومسحة السموّ، ممّا يمتاز به الدستور على القوانين العادية؛ ليصبح لفظ دستور مع الزمن من طبيعة أخرى تُخالف طبيعة القوانين العادية وتسمو عليها، إلى جانب بساطته وقوة دلالته. ونضيف أن كلمة دستور أصبحت – كما يقول الفقه الدستوري – تتصف بها دولة القانون، وتجسّد صورة الميثاق الوطني الذي يختزن وفقًا لنص المادة الأولى منه "الإرادة الوطنية والسيادة القومية للشعب". وامتاز بثباته النسبي وفقًا لأسلوب تعديله ومدى جموده "يحظر التعديل وكذلك إجازته المواد "84 و93 و126"، ولا يلغيه كقانون دستوري إلا قانون دستوري.
وأنه اعتُبر دستور 1952 من نوع "الدساتير المختصرة الموجزة"؛ يتألف من 131 مادة تتضمن القواعد الكلّية وتحيل لبيانها إلى القواعد القانونية العادية المكمّلة. تجسّد مبدأ ممارسة السيادة السياسية بما تضمّن وحقق إقامة الدولة الأردنية على دعائم الحكم الديمقراطي. ونضيف أن دستور 1952 – كمعظم الدساتير الحديثة – لديه حكمتها المشتركة وأسلوبها المشترك في التعبير عنها، بسند من مجموع مواده المائة والواحد والثلاثين، تستند إلى ثلاث قواعد أساسية:
الأولى( الأمة مصدر السلطات، تمارس الأمة سلطاتها على الوجه المبين في هذا الدستور.
الثانية )قانون الأغلبية أو الأكثرية majorité الذي يعتبره ويؤكد عليه الفقه الدستوري المقارن وكذلك المشرّع الدستوري أحد مفاتيح الدستورية أو التفوّق القانوني والسياسي للدستور.
والقاعدة الثالثة) هيعقيدة حقوق الإنسان ومصطلحاتها.
وعليه، ولأن دستور 1952 – كعمل مثالي متفوّق – يمثّل مضمون الإرادة السياسية للشعب الأردني التي تصوغ المشروعية السياسية، أصابه نوع من عدم الاعتبار؛ فلم يعد دستور 1952 دستورًا واحدًا بل أكثر من دستور:
ففي مرحلته الأولى – وبتفوّق – استمر حتى عام 1954؛ حيث انطلق وفقًا لأسلوب نشأته "اللجنة/السلطة التأسيسية الأصلية 11 من أيّار 1950" وفقًا لمجموعة المبادئ والأفكار السائدة في ذلك الوقت التي تضمنتها دساتير الدول الديمقراطية. وأكّدت السلطة التأسيسية المنشأة – أعني مجلس الأمة الأردني – ذلك؛ لأنه حين يريد إدخال تعديل على الدستور إنما يجتمع بصفته سلطة تأسيسية لا تشريعية، وفي هذه الحالة يُشترط في انعقاده وفي طريقة التصويت شروط وإجراءات أشدّ تعقيدًا ممّا يُشترط حين يُراد منه النظر في القوانين العادية؛ لالتزامها بكافة الضوابط التي حددتها السلطة التأسيسية الأصلية وعبّرت من خلالها عن إرادة الشعب، ولم تلجأ في الفترة ما قبل 1954 إلى ما يضرّ بها وفقًا لأي أسلوب.
وفي مرحلة تالية "السنوات 1954 حتى عام 2011" تراجع ذلك التفوّق لإرادة الشعب التي تصوغ المشروعية السياسية للدستور، حيث انحرفت السلطة التأسيسية المنشأة "مجلس الأمة الأردني" صاحبة سلطة تعديل الدستور، وقامت بإدخال الغش على الدستور la fraude à la constitution، أو كما يُؤثِر كبار الفقه الدستوري العربي تسميته "الانحراف في استعمال السلطة التأسيسية المنشأة"، وأدخلت ما مجموعه: ثلاثين تعديلًا على الدستور، أصابت كلًّا من السلطة والحرية بضرر كبير، دون أن تلتفت إلى ما يعنيه وينصرف إليه كلٌّ من المدلول السياسي والقانوني للدستور، كما لم تلتفت إلى ما يجب أن يستهدفه تعديل الدستور، خاصةً بتطوير المبادئ والقواعد التي يتكوّن منها الدستور كنظام قانوني تلتزم باحترامه كافة السلطات العامة القائمة لمواجهة عدم سلامة المعالجة في الدستور القائم في ضوء تطوّر الحياة السياسية التي تتطلّب معالجة دستورية جديدة تحقق الأهداف العليا للدولة التي يُعدّ بلوغها جزءًا من الإرادة السياسية للشعب. ومن خلال تعديل الدستور يتم حماية وضمان استمرار الإرادة السياسية للشعب، ويَتجنّب وفقًا لهذا كله الضعف السياسي الذي قد يحدث بسبب عدم ملاحقة التطوّر، ونضيف أنه بالتعديل يتحقق التجديد الحقيقي للحياة السياسية بِوأد أي أزمة تتعلّق بمستقبل المؤسسات الدستورية. الأمر الذي قاد إلى حالة مضطربة وضرر أصاب كلًّا من السلطة والحرية.
وفي مرحلة ثالثة هي برأيي الأهم، ونتمنى أن تتكرر في مجال الإصلاح الدستوري، حيث أنتجت حدثًا هامًّا ومهمًّا خالدًا في التاريخ الدستوري للمملكة الأردنية الهاشمية، هو يوم الدستور الخالد "الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2011"، لما تضمنه من مراجعة مسؤولة لكافة التعديلات الدستورية لعام 2011، أنتجت بتفوّق إصلاحًا دستوريًا وتحديثًا سياسيًا غير مسبوق بروحه ومعناه ومضمونه في مجالي "المشروعية السياسية والشرعية الدستورية"، استمر حتى 31/1/2022. طالبنا وتمنّينا أن يكون ذلك اليوم الخالد "الأول من تشرين الأول/أكتوبر" من كل عام عيدًا وطنيًا للمملكة، يُنتِج يومًا علميًا في كلٍّ من كليات الجامعات الأردنية، لا لرغبة من هذا أو ذاك، ولا لتحقيق مصلحة لهذا أو ذاك، ولا للاحتفاظ بامتياز هنا وهناك، وإنما مصدرها الحقيقي والأساسي جميعًا هو الدستور.
وهنا لا بدّ من وقفة لنذكّر بما قاد إلى نفي ذلك الغش أو الانحراف، والأمل بطَيِّه وعدم تكراره، والذهاب إلى النهوض بنظام الحكم، الذي يوفّره – كما يقول الفقه الدستوري والسياسي والفلسفي – عاملان:
أ) وجود نظام طيب من أنظمة الحكم.
ب) أن يكون على رأس أداة الحكم وجود شخصيات قوية ذات كفاءة، خبرة، نزاهة، غيرة على الخدمة العامة، موضع ثقة واحترام من الشعب.
لنشهد بداية العهد الجديد في المملكة بتولي جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين سلطاته الدستورية "7 من شباط 1999"، حيث اتّسعت ساحات الحوار حول حاضر العمل السياسي الأردني ومستقبله، وحول النظام الدستوري الأردني.
ولمّا تبلورت الآراء التي تدعو إلى مراجعة التعديلات الدستورية التي أُدخلت على دستور 1952 في الأعوام "1954 و1955 و1958 و1965 و1973 و1974 و1976 و1984"، تدخّل صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ليتوّج مرحلة ما بعد عام 1954 "بيوم خالد لدستور 1952 كما هو الحال يوم إصدارِه في 8/1/1952"، ويعلن جلالته مخاطبًا قائلًا:
"إنّنا إذ نتوجّه اليوم إلى الأردنيين والأردنيات معبّرين عن ضرورة معالجة موضوع التعديلات الدستورية بمنهجية وعمق وحرص على الوصول إلى مخرجات ترفد الأداء المتميّز لنظامنا السياسي، لنؤكد أن بلدنا يرتكز إلى إرث هاشمي راسخ في قيادة الإصلاحات الدستورية، فها هو دستور جدّنا المغفور له بإذن الله تعالى جلالة الملك طلال بن عبد الله مثال راسخ على الرؤية الوطنية الشاملة…"
وعليه، ووفقًا لأسلوب تشكيل اللجان الملكية لمراجعة التعديلات الدستورية، عهد جلالته "في 26 من نيسان 2011" إلى دولة الأستاذ أحمد اللوزي برئاسة اللجنة الملكية لتتولى مراجعة التعديلات الدستورية، وعضوية كل من الذوات: "رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري، ورئيس مجلس النواب فيصل الفايز، ودولة الدكتور فايز الطراونة، ومعالي السيد راتب الوزني رئيس المجلس القضائي، ومعالي السيد رجائي المعشر، ومعالي الدكتور سعيد التل، ومعالي السيد طاهر حكمت، ومعالي السيد مروان دودين، ومعالي السيد رياض الشكعة."
انتهت اللجنة الموقّرة وأدخلت "تسعة وثلاثين تعديلًا" على الدستور. تم التعديل لمجموعة من المواد وفقًا "لأسلوب التعديل بالإضافة" وذلك لسدّ النقص في مجالي السلطة والحرية. كانت جوهرة مجموعة التعديلات التي أُضيفت هي المادة 128 التي لا مثيل لتفوّقها في أي من الدساتير العربية وحتى – كما أعتقد – في أي من الدساتير الأخرى، ونصّها: "لا يجوز أن تؤثّر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمسّ أساسياتها".
أمّا المجموعة الأخرى فقد تم تعديلها وفقًا "لأسلوب التعديل بالحذف"، أي حذف كافة المواد الضارّة ذات الصلة بالديمقراطية السياسية والديمقراطية الإدارية أو الإدارة المحلية وبالحقوق والحريات العامة.
وبهذا قام مجلس الأمة/السلطة التأسيسية المنشأة بردّ الاعتبار إلى الاختيار السياسي للشعب الذي يصوغ المشروعية السياسية، المدخل الهام للشرعية الدستورية، أي للمبادئ والقواعد التي يتكوّن منها الدستور كنظام قانوني تلتزم باحترامه كافة السلطات العامة في الدولة. واستمرّت كصفة تتعلّق بالسلطة وما يصدر عنها من قرارات تعبّر عن إرادة الشعب، كما استمرّت كمعنى يرتبط بالمعنى السياسي للدستور لينعكس استقرارًا للشرعية الدستورية.
هذا ولأن ردّ الاعتبار للمشروعية السياسية كمدخل للشرعية الدستورية وتفوّقها لم يستمر طويلًا، عاد مجلس الأمة/السلطة التأسيسية المنشأة إلى الانحراف مرّة أخرى عندما لم يلتفت إلى أمر مهم، ألا وهو الالتزام بالضوابط التي حدّدتها الإرادة السياسية للشعب؛ حيث إنّ التعديل لنصوص الدستور الذي أجراه بالإضافة أو بالحذف في السنوات "2014 و2016" خاصٌّ بقواعد ومبادئ دستورية، ظنًّا من القائمين عليها أنها مفيدة لنظام الحكم، ولكنها في الحقيقة أضعفته وكانت ضارّة ومسيئة. وإذا أضفنا إلى هذه التعديلات مجموعة أخرى تمّت في 31/1/2022 وبلغت 25 تعديلًا، كان انحراف مجلس الأمة/السلطة التأسيسية المنشأة بشأنها غير ناصح، لنشهد بناء عليه أزمة حقيقية لمبدأ المشروعية السياسية وتضعنا أمام "شرعية دستورية مضطربة".
وبهذا الجديد الذي توفّر نشهد بدء المرحلة الرابعة من مراحل تدرّج توفير الاختيار السياسي أو الإرادة السياسية للشعب التي تصوغ المشروعية السياسية، وهي – كما نعتقد – المرحلة الأسوأ من مراحل التحديث أو الإصلاح، حيث التراجع غير المسبوق في مجالي السلطة والحرية، وحيث الرديء الجاحد لكل من الحركة الدستورية الأردنية وذوات اللجنة التأسيسية الأصلية التي أنشأت دستور 8/1/1952. ونضيف بأن هذه المرحلة الرابعة "سيئة وضارّة للرؤية الملكية وللطموح الملكي في مجالي الاستقلال والحكم الدستوري، والانحراف عن رفد الأداء المتميّز للنظام السياسي الأردني (يُراجع بصفة خاصة نص الرسالتين الموجّهتين إلى كل من: دولة الأستاذ أحمد اللوزي – رحمه الله – "26 من نيسان 2011" برئاسة ( لجنة الـ11( الملكية المكلّفة بمراجعة نصوص الدستور، ودولة سمير الرفاعي "10 من حزيران 2011" برئاسة (لجنة الـ92 )الملكية لتحديث المنظومة السياسية، ومخرجات كل من اللجنتين (كما يُراجَع لنا على هامش مهام اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية "10 من حزيران/يونيو 2021" – عمّان 2021)
هذا وبناءً على كل ما تقدّم، فإن السؤال القائم: إذا كانت الشرعية الدستورية مضطربة، فكيف نراها مستقرة؟ فهذا سؤال في القانون يتطلّب إجابة بالقانون. وبناءً عليه، فإن نقطة البدء أنّه في المرحلة الرابعة التي نعيشها الآن بلغ مجموع التعديلات التي أُجريت 33 تعديلًا أُدخلت على 32 مادة من مواد دستور 1952 والبالغ عددها "131 مادة".
هذا، وحيث إن الدستور الذي ينبثق من الإرادة الشعبية هو صحيح ومشروع، وهو ما ينطبق على أي تعديل دستوري يجب أن يكون – كما يقول الفلاسفة ورجال القانون – طريقًا نحو الاتفاق، وليس طريقًا نحو المعارك؛ فلا يجوز أن يكون طريقًا تنتصر فيه أغلبية اليوم، وإنما يجب أن يكون طريقًا تنتصر فيه أغلبية الغد.
فالدستور يستمدّ وجوده من الإرادة السياسية للأمّة صاحبة السيادة، وهو مصدر كلٍّ من المشروعية السياسية والشرعية الدستورية، حيث أداة التعبير عن تلك الإرادة هي: السلطة التأسيسية الأصلية le pouvoir constituant originaire، وتستمرّ الإرادة السياسية عند قيام مجلس الأمة/السلطة التأسيسية المنشأة le pouvoir constituant dérivé ذات السلطة المقيّدة والمحدّدة un pouvoir limité؛ مهمتها تعديل الدستور وفق المبادئ العامة للتعديل – كما سبق وبيّنا – والحدود التي أرستها وبيّنتها السلطة التأسيسية الأصلية، ولا تخالف الدستور بنصّه وروحه، وإلا اعتُبر عملها "غشًّا أو انحرافًا في استعمالها لسلـطتها يقود إلى الضرر بالدولة ونظام الحكم فيها".
هذا، ولأن التعديلات الدستورية تأتي لتضمن استمرار المشروعية السياسية وفقًا للإرادة السياسية للشعب وتوفير الشرعية الدستورية التي تقوم على مدلول الدستور كنظام قانوني، كما تستهدف حماية الدستور واستقراره، وتواجه تلك الموضوعات التي لم يعالجها الدستور وتلك النصوص المعيبة التي يتضمنها، وتحقّق بالتالي شرعية دستورية مستقرة غير مضطربة.
نسأل: هل تلك التعديلات التي أُجريت في "عام 2011 وما بعدها" حققت الغرض؟ لن أُسارع بالرأي حول ما إذا انحرف مجلس الأمة/السلطة التأسيسية المنشأة أم لا بإدخال الغش على الدستور. ولكني سأذهب إلى بسط الحقيقة وفقًا للأبلغ من القول: "من لا يتسع صدره للرأي لن يكون من أهل العلم أو أهلًا للعلم".
وحيث نقطة البدء بالعودة إلى تلك التعديلات: "تاريخ 5/5/2016"، حيث تم إضافة سبعة "7" تعديلات أُدخلت على ست مواد من مواد الدستور، وهي "المواد 40 و42 و50 و69 و75 و127"، فما الذي يُؤخذ عليها؟
الواقع أننا أمام مسارين هامّين لتلك التعديلات: الأول يصيب النظام في روحه وأساسه، والآخر نفعي انتهازي يشطر الولاء للدولة ونظام الحكم فيها إلى ولاءين.
أما المسار الأول: خاص بالمادة 40، والتعديل بالإضافة الذي قام به وقنّنه مجلس الأمة "السلطة التأسيسية المنشأة"، الذي جعلها تتكوّن من بندين اثنين:
أما البند الأول: يتحدث عن ممارسة جلالة الملك لصلاحياته بواسطة وزرائه، وفقًا لنص المادة 26 من الدستور، بإرادة ملكية موقعة من رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين، ويُبدي الملك موافقته بتثبيت توقيعه فوق التواقيع المذكورة.
وعليه، فإن الملك، وفقًا لنص المادة 25 من الدستور، ركن في السلطة التشريعية، وهو رئيس السلطة التنفيذية وفقًا لنص المادة 26 من الدستور، يتمتع بمركز سامٍ لا يُسأل سياسيًا ولا جنائيًا عن أفعاله، فهو، وفقًا لنص المادة 30 من الدستور، رأس الدولة، وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية.
هذا، ولما لم تُترك تحديدُ سلطات الملك وعلاقته بوزرائه لفعل الظروف، بل بينها الدستور، وقرر أن يتولاها بواسطة وزرائه، وهي كما حُدِّدت عديدة وخطيرة "تشريعية وبرلمانية ودبلوماسية وإدارية وأخرى تتعلق بالأنظمة…" ولا تتعلق بشؤونه الخاصة، ولكنها تتعلق بالدولة وشؤونها، أي بالشؤون العامة، التي يحرم الدستور، ولم يُجز ممارستها بشكل منفرد، ولكن "بواسطة وزرائه"، المصطلح الأدق والأكثر قيدًا من مصطلح "مع وزرائه".
كما نذكر بأمر هام أن جلالة الملك لا يُنفّذ إرادته إلا بشرط أن يحصل على إمضاء "رئيس الوزراء أو الوزير أو الوزراء" ليتحمل كل منهم المسؤولية، ولكن "رئيس الوزراء أو الوزير أو الوزراء" يُقرّر على شرط الحصول على توقيع الملك، وبهذا ينتفي كل ادعاء "بالولاية العامة".
أما البند الثاني المضاف، بفقراته من أ–ط، زائد الفقرة ح من المادة 122/1 من الدستور، فينصّ على أن يُمارس الملك صلاحياته بإرادة ملكية دون توقيع من رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين في الحالات التالية:
أ) اختيار ولي العهد ، ب) تعيين نائب الملك ، ج) تعيين رئيس مجلس الأعيان وأعضائه، وحلّ المجلس، وقبول استقالة أو إعفاء أي من أعضائه من العضوية ، د) تعيين رئيس المجلس القضائي، وقبول استقالته ، هـ) تعيين رئيس المحكمة الدستورية وأعضائها، وقبول استقالاتهم ، و) تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات ومدير الأمن العام، وقبول استقالاتهم وإنهاء خدماتهم ، ز) تعيين قاضي القضاة ورئيس المجلس القضائي الشرعي، وقبول استقالتيهما وإنهاء خدماتهما ، ح) تعيين المفتي العام، وقبول استقالته وإنهاء خدماته ، ط) تعيين رئيس الديوان الملكي الهاشمي، ووزير البلاط الملكي الهاشمي، ومستشاري الملك، وقبول استقالاتهم وإنهاء خدماتهم.
وعليه، وحيث إن مجلس الأمة "السلطة التأسيسية المنشأة" لم يلتفت إلى الخلاف بين مصطلحين دستوريين هامّين ومهمين للمشرع الدستوري:
الأول) مصطلح الإرادة الملكية (Royal Decree)، يصدرُها الملك استعمالًا لحقوقه التي يتولاها بواسطة وزرائه، وتتعلق بالدولة وشؤونها العامة.
الثاني) مصطلح الأمر الملكي (Royal Rescript)، دون توقيع من رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء، يصدرُه الملك استعمالًا لحقوقه الشخصية.
وحيث إن الفقرات من أ إلى ط تدخل جميعها في شؤون الدولة لا في شؤون الملك الخاصة، فهي تصيب النظام بروحه وأساسه، بمعنى "إن الإرادة دون توقيع سالفة الذكر أعادت توزيع عبء المسؤولية التي تضمنتها المواد 25 و26 و27 من الدستور، كما أعادت التساؤل حول مدى الانسجام مع قاعدة "يمارس الملك صلاحياته بواسطة وزرائه". وبناءً عليه، فإن هذا الفعل من مجلس الأمة "السلطة التأسيسية المنشأة" بإدخال الغش على الدستور أنتج حالة مضطربة خاصّة بضبط المسؤولية والمساءلة، وشكّل انحرافًا بيّنًا وواضحًا.
وأما المسار الثاني: فهو خاص بحمل جنسية دولة أجنبية التي أجازتها المواد الدستورية المعدّلة عام 2016 التالية: 42 و75 لكل من الأعيان والنواب، وأجازتها المادة 9/أ/1 من قانون استقلال القضاء وفقًا للقانون المعدّل رقم 19 لسنة 2016 لمن يُعيَّن قاضيًا. وهو بهذا يتعارض ولا ينسجم مع المواد 29 و43 و80 من الدستور، وهي النصوص التي أمرت بأن يقسم كل من الملك "م29"، ورئيس الوزراء والوزراء "م43"، وكل عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب "م80"، اليمين الدستورية أو اليمين المنصوص عليه في الدستور. ولا ينسجم مع ما تضمنته المادة 14 من قانون استقلال القضاء التي ألزمت بأداء القسم القانوني "أمام الملك وأمام المجلس القضائي وأمام رئيس المجلس القضائي".
فهؤلاء يشغلون مناصب سيادية، يكون لشاغلها كما يقول الفقه الدستوري القدرة على القيام بعمل من أعمال السيادة أو المشاركة فيه بصورة مباشرة، وفقًا لما يأمر به الدستور والقوانين المكمّلة.
فهل يجوز إسناد هذه المناصب الهامة الخطيرة إلى من يحمل جنسية دولة أجنبية؟ سنُسارع إلى الإجابة بالنفي: لا يجوز، وإلى هذا ذهب الفقه الدستوري، وكذلك القضاء الإداري.
فهذه المحكمة الإدارية العليا المصرية في حكمها الصادر في الطعن بحكم محكمة القضاء الإداري بالمنصورة "جلسة 12/10/2000" تقول إن القسم الدستوري يفترض وحدة الجنسية، وإن متعدد الجنسية يكون متعدد الولاء، حيث يكون ولاؤه مقسمًا لأكثر من دولة، أي إن أداء القسم لا يصلح إلا لمن يحمل جنسية منفردة، ولا تنازعه في الإخلاص أي دولة أخرى.
وفي حكم آخر رقم 1960 لسنة 47ق بتاريخ 6/11/2000، في الطعن المقدّم ضد حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 244 لسنة 23ق، ذكرت أن الجنسية تعني فقهًا وقضاءً رابطة تقوم بين الفرد والدولة، بحيث يدين الفرد بولائه للدولة التي ينتمي إليها بجنسيته، وفي المقابل على تلك الدولة أن تحميه.
وبالتالي، فإن الشخص الذي ينتمي إلى دولتين بحكم تمتّعه بجنسيتين هو متعدد الولاء بتعدّد الجنسية، أو كما ذُكر "**انشطر الولاء قانونًا إلى ولاءين".
وهنا علينا أن نؤكّد بأن هذا هو الغش بعينه الذي أُدخل على الدستور، بانحرافٍ من مجلس الأمة "السلطة التأسيسية المنشأة".
وأما التعديل الذي أُدخل على المادة 75 من الدستور، وهو إلغاء "الفقرة ب منها" المتعلّقة بمن يحمل جنسية دولة أخرى، فقد انسحب على المادة 61 التي بيّنت شروط العضوية في المحكمة الدستورية الأردنية، حيث نصّت الفقرة 1 منها على: "يُشترط في عضو المحكمة الدستورية: أ- أن يكون أردنيًا ولا يحمل جنسية دولة أخرى، ب- أن يكون قد بلغ الخمسين من العمر، ج- أن يكون ممن خدموا قضاة في محكمة التمييز أو المحكمة الإدارية العليا، أو من أساتذة القانون في الجامعات الذين يحملون رتبة الأستاذية، أو من المحامين الذين أمضوا مدة لا تقل عن عشرين سنة في المحاماة…" ونحن نعتقد بأن هذه المدة كشرط للتعيين يجب أن تنسحب على المحامي الذي يقوم بالدفع أمام المحكمة الدستورية.
واستمر النص مُبيّنًا في عَجْزه: "ومن أحد المختصين الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الأعيان"، وهي الشروط التي بيّنتها المادة 64 من الدستور، إضافة إلى الشروط المُعيَّنة في المادة 75 من الدستور: "بأن يكون قد أتم أربعين سنة شمسية من عمره… ولا يكون عضوًا في مجلسي الأعيان والنواب: أ- من لم يكن أردنيًا"، حيث تم شطب الشرط الذي تضمنته الفقرة (ب): "من يحمل جنسية دولة أخرى".
وبهذا، وضع مجلس الأمة "السلطة التأسيسية المنشأة" أمام تعارض واضح مع المادة 61 من الدستور وما يُكملها، وهو تعارض غير جائز في محل واحد، وعلى خلاف ما يجب أن تلتزم به وألا تنحرف بشأنه.
وعليه، وفيما يخص التعديلات التي أُدخلت على الدستور عام 2022، والتي بلغت 24 تعديلًا، فإن الرأي حولها سنجهر به، وهو الرأي الذي نذهب إليه ونكرّره وفقًا لقاعدة: "إذا لم يتسع الصدر، فلن نكون أهل علم أو أهلًا للعلم".
وهنا نسارع إلى السؤال: حيث إن الهدف من رسالة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين في 10/6/2021 أن تُحدث التعديلات الدستورية نقلة نوعية في الحياة السياسية والبرلمانية، فهل تحقق ذلك؟ وهل أنصفت التعديلات الدستورية جلالة الملك عبد الله الثاني؟ ونضيف: هل أنصفت التعديلات الدستورية دستور 1952؟ وهل أنصفت التعديلات الدستورية القضاء الأردني في المملكة الأردنية الهاشمية؟ أم أن السلطة التأسيسية المنشأة "مجلس الأمة" قد أفسحت المجال أمام غش أنتجته هذه التعديلات وفق مبدأ الانحراف في استعمال السلطة؟
لنذهب ونرى:
حيث إن أولى التعديلات التي أُجريت كانت على المادة السادسة من الدستور، ولأنه لم يُلتفت لما يمتاز به دستور 1952 من كونه "مختصرًا موجزًا"، فقد اعتقدت السلطة التأسيسية المنشأة "مجلس الأمة" أن النص بحاجة إلى تعديل. تلك العبارة الموجزة "الأردنيون أمام القانون سواء…"، اعتُقد أنها تُخلّ بالمساواة، واقتُصر على الاختلاف في العِرق أو اللغة أو الدين، والذي ورد على سبيل المثال لا الحصر.
أما التعديل الآخر، فقد أُجري على المادة 44، حيث اجتهد مجلس الأمة/السلطة التأسيسية المنشأة خطأً بتكرار عبارة "أثناء وزارته"، واستُبدلت عبارة "أملاك الحكومة" الواردة في النص: "لا يجوز للوزير أن يشتري أو يستأجر شيئًا من أملاك الحكومة…"، بعبارة: "يشتري أو يستأجر شيئًا من أملاك الدولة". ولم يلتفت مجلس الأمة/السلطة التأسيسية المنشأة إلى الفارق بينهما، وفقًا لما ذهبت إليه المواد 44 و74 و111، حيث إن "أملاك الدولة" أو "الخزينة العامة" وفقًا لقانون أملاك الدولة الأردني تشمل الأموال غير المنقولة "العقارات"، الأصول العقارية والمنقولة، ولا تخضع لأحكام البيع، أمّا "أملاك الحكومة"، فهي الأملاك التي تستخدمها الحكومة في أداء مهامها، ويجوز البيع فيها وكذلك الاستئجار وفقًا للقيد المذكور.
وتكرّر خطأ مجلس الأمة/السلطة التأسيسية المنشأة عندما ذهب إلى تعديل المادة 52 وتوأمِها المادة 76 من الدستور، والاستعاضة عنهما بنصٍّ آخر سيّئ، رديء، وضارّ، أُسِّس على التعارض والتناقض مع نصّين هامّين: المادة 16/2 والمادة 51 من الدستور، حيث القاعدة أن الوزارة في النظام النيابي البرلماني، وهي عندنا كذلك، تتألّف أصلًا من الأغلبية البرلمانية، وأعضاؤها يجمعون بين المراكز الوزارية وعضوية البرلمان، وهي النتيجة الطبيعية لما تأمر به وتتضمّنه المادة 51 من الدستور الخاصة بالمسؤولية الوزارية.
وهنا يجب أن نُذكّر من يذهب إلى العبث بالدستور الأردني، بأن الغالب في النظام النيابي البرلماني أن يكون جميع الوزراء أو معظمهم أعضاءً في البرلمان، فهم يجمعون بين العضوية البرلمانية والوظائف الوزارية. فالمادة 52 من الدستور كما هي في الأصل وقبل التعديل تنصّ على أن اختيار جميع الوزراء أو معظمهم من بين أعضاء البرلمان ليس شرطًا دستوريًا: "لرئيس الوزراء أو للوزير الذي يكون عضوًا في أحد مجلسي الأعيان أو النواب… أمّا الوزراء الذين ليسوا من أعضاء أحد المجلسين…"
فهذا هو الفن التشريعي الأردني الذي ذهب إلى أفضل النظم التي تراعي الواقع وتُحقّق التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وبالتالي، فإن الاعتراف بالخطأ فضيلة كبرى، وبخاصة العودة إلى النصوص السابقة.
وبالذهاب إلى ما أُجري من تعديل على المادة 53 من الدستور، نجد أن هناك ما يُؤخذ على ما قام به مجلس الأمة/السلطة التأسيسية المنشأة:
فمن ناحية، تم إلغاء عبارة: "طلب موقّع من عدد لا يقل عن عشرة أعضاء من مجلس النواب لعقد جلسة الثقة بالوزارة أو بأي وزير"، واستُبدلت بعبارة: "طلب موقّع من عدد لا يقل عن ربع عدد أعضاء مجلس النواب". ومثل ذلك، أُلغيت الأغلبية المطلوبة من كل من مجلس الأعيان ومجلس النواب لإصدار القرار بالطعن المباشر لدى المحكمة الدستورية وفقًا لنص المادة 60 من الدستور، واستُبدلت بما لا يقل عن ربع عدد أعضاء المجلس المعني.
وهو في هذا يُثير الانتباه، حيث التركيز على "الربع" أو "****25%"، وأُهمل استعمال مصطلح "الأغلبية" أو "الأكثرية" أو حتى "العدد القليل" الذي يُسهّل الوصول إلى الهدف.
لماذا؟ وما هي الغاية؟ علينا أن نذكر أولًا، لعل الذكرى تنفع، أن مصطلح "الأغلبية" أو "الأكثرية" (majorité) هو أحد مفاتيح الدستورية أو التفوّق القانوني والسياسي للدستور، وله عدّة معانٍ:
المفهوم الاجتماعي: بسند التعبير إلى التعدديّة، أي إلى مجموعة من الأصوات تتغلّب عدديًا لأنّها أهم من العدد الذي حصل عليه الآخرون (أغلبية نسبية)، أو تتجاوز نصف الأصوات المدلى بها (أغلبية مطلقة)، أو الأغلبية اللازمة التي يمكن أن تكون ثلثي الأصوات أو أكثر.
ومن الوجهة التنظيمية، تدل الأغلبية في النظام النيابي على الحزب أو الائتلاف الحزبي الذي يحصل على العدد الأكبر من المقاعد في المجلس النيابي ويدعم الحكومة الناجمة عنه.
هذا، ولأنّه يسبق كلًّا من العبارتين "عبارة لا يقل"، فهذا يعني الحد الأدنى ويُجيز الأكثر، ولكن الفارق أنّ 25% قد تقود إلى إهدار أو إعدام حقّ النائب في طلب عقد جلسة الثقة التي تحدّد نتيجتها المادة 54 من الدستور، ومثل ذلك قد يقود إلى إهدار أو إعدام قرار كلٍّ من مجلس الأعيان ومجلس النواب بالطعن المباشر.
وإذا قمتَ بمعادلة رياضية حول عدد ما لا يقل عن ربع عدد أعضاء المجلس المعني اللازم لاتخاذ قرار بالموافقة على الطعن من كل من المجلسين، في ضوء "حضور الأغلبية المطلقة لأعضاء كلٍّ من المجلسين لتصبح الجلسة قانونية، زائد صدور القرارات بأكثرية أصوات الحاضرين" (المادة 84 من الدستور)، ستكتشف أنّ التعديل لا يعني أي شيء. ويبقى السؤال: ما الغرض منه؟
ومن ناحية ثانية، كانت إضافة الفقرة رقم (6) للمادة 53 إضافة تجترّ ما تضمنته الفقرة الثالثة من المادة 53، وبأسلوب تنبذه لغة الدساتير وقواعدها، حيث اقتصرت تلك الإضافة على استبدال كلمة "يترتب" بكلمة "يتوجب"، وعبارة "كل وزارة" بـ "أي وزارة"، وعبارة "إلى مجلس النواب" بـ "أي مجلس النواب". وبالتالي، من الضروري الالتزام بالنص الأصلي.
وبالذهاب إلى التعديل الذي أُجري على المادة 54، بإضافة عبارة: "ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الوزارة التي تليها"، فهذا كما أراه مجرّد لَغوٍ من مجلس الأمة/السلطة التأسيسية المنشأة، حيث إن الاستقالة وجبت لعدم الحصول على الثقة، وبالتالي فإن ما يخصّ إعادة التشكيل أو عدم الإعادة يظلّ في عهدة مجلس النواب. الأمر الذي يدعونا إلى الالتزام بالنص الأصلي دون إضافة.
وبالعودة إلى المادة 60 من الدستور، نجد أن مجلس الأمة/السلطة التأسيسية المنشأة يجترّ الفقرة الأولى منها، فاستبدل عبارة "للجهات التالية على سبيل الحصر…" بكلمة "يقتصر حق الطعن…"، حتى يتم الفصل ما بين من يحق له الطعن المباشر أمام المحكمة الدستورية ) مجلسا الأمة: النواب والأعيان( عن مجلس الوزراء. والتقييد لمجلسي الأمة بضرورة توفير الربع من عدد أعضاء كل منهما، وهو تعديل – كما سبق وقلنا – لا معنى له.
ونضيف أن التعديل لم يلتفت إلى بيان النظام المستقل الذي يجوز الطعن به أمام المحكمة الدستورية، لا التنفيذي أو القرار الإداري، حيث هو من اختصاص القضاء الإداري. كما قام مجلس الأمة بإلغاء عبارة "المحكمة التي يحددها القانون"، واستعاض عنها بـ "المحكمة الدستورية وفق أحكام القانون"، وبهذا فات على مجلس الأمة أننا في هذا الموضوع لسنا بحاجة إلى تعديل دستوري، وإنما التعديل يجب أن ينصبّ على القانون.
هذا، ولأن توأم القضاء الدستوري هو القضاء الإداري والقضاء العادي، لماذا لم يطّلع مجلس الأمة على أيٍّ منهما؟ ألا يُعتبر القضاء هو الرقيب والضامن الحقيقي للتعديل وما يتضمّنه؟
لنذهب إلى المادة 64 التي أُجري عليها التعديل، فقد انصبَّ على إلغاء مصطلح "الطبقات" واستبداله بكلمة "الفئات"، وأضيفت عبارة "السابقون الذين شغلوا مناصب قيادية". وبناءً عليه، فإن مصطلح "طبقة" كما يذهب فقه اللغة، يحكمه ويميّزه أكثر من متغيّر: "صفة، خاصية، عنصر"، أكثر من كلمة "فئة" التي يحكمها ويميّزها متغيّر أساسي واحد هو "المهنة". ونضيف أنّ العبارة المضافة تُثير الخلاف والجدل.
وهنا لا بدّ من وقفة لنُذكّر مجلس الأمة الموقّر، السلطة التأسيسية المنشأة، بأن من تضمنتهم المادة 64 هم من طبقات معيّنة من الشعب، ولم يكن الذوات واضعو دستور 1952 مبتدعين في هذا، حيث جرت – كما يقول كبار أساتذة القانون الدستوري والنظم السياسية – عادة الأمم الدستورية: فرنسا، بريطانيا، إسبانيا… إلخ، على وضع نظام خاص بالمجلس الثاني للبرلمان أو مجلس الأمة "الأعيان، اللوردات، الشيوخ"، يُلاحَظ فيه عادةً الأمة أو الشعب وحالته الاجتماعية وتطوره السياسي.
ولكن دول العالم تباينت في تكوينها لهذا المجلس الثاني: انتخاب، تعيين، انتخاب وتعيين، من طبقات مختلفة: أشراف، أمراء، وزراء، هيئة علماء… وأمام هذا التباين، وأمام حالة الأردن الاجتماعية، سلك واضعو دستور 1952 قصر هذا الحق في التعيين على طوائف معيّنة من الشعب، هي في الواقع الأوسع.
وبهذا، أصبح مجلس الأعيان موازنًا لمجلس النواب، موازنةً يستقيم بها – كما يقول الفقه الدستوري – التشريع، وتؤمَّن به الهفوات والعثرات… إلخ. وبناءً عليه، لا أرى بما ذهب إليه مجلس الأمة بالتعديل في هذا المجال نافعًا أو مفيدًا، بل ضارًّا.
وباستمرار تناول التعديلات الدستورية، نطّلع على تعديل خاصّ بأمر هامّ يتعلّق بالأحزاب السياسية، لا نعتقد بإيجابيته. لنذهب ونرى:
حيث تنصّ المادة 67/2 من الدستور على أن تُنشأ بقانون هيئة مستقلة يُناط بها: (ب) النظر في طلبات تأسيس الأحزاب السياسية ومتابعة شؤونها وفقًا لأحكام القانون.
فهل هذا ينسجم مع المادة 16/2 من الدستور، حيث الأحزاب السياسية (كوادر): "للأردنيين حق تأليف… والأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور"؟ وما يُكملها من مواد أخرى تضمنها الدستور، حيث الأحزاب السياسية (برامج ( بسند المواد: الأولى، الثانية، 120، و121 من الدستور؟ وكذلك كما تضمّنه قانون الأحزاب السياسية رقم 7 لسنة 2022 ووفقًا لنص المادة السابعة منه: "يكون لكل حزب نظام أساسي يتضمن اسمه وشعاره، والمبادئ التي يقوم عليها الحزب، والالتزام بالمبادئ والقواعد المنصوص عليها في الدستور…"
ولأن الهيئة المستقلة ليست هي صاحبة الاختصاص الأصيل في نشأة الأحزاب السياسية وتأسيسها ومتابعتها، فإن القضاء هو المختصّ أوّلًا وأخيرًا.
ولهذا، وحتى نشهد وضعًا قانونيًا مميّزًا للأحزاب السياسية في المملكة الأردنية الهاشمية، علينا أن نضع ما يتعلّق بالأحزاب السياسية في موضعه الصحيح، وهذا الوضع الصحيح يتم وفقًا للنصوص سالفة الذكر، وما يُكملها أيضًا ممّا يتضمّنه قانون الانتخاب، خاصّةً بأسلوب أو طريقة الانتخابات، في ضوء الأساليب المتقدمة التي عرفتها وطبّقتها الدول الديمقراطية، برقابة القضاء بأنواعه: النظامي، الإداري، والدستوري.
ولهذا فائدة كبيرة، حيث يبلغ عدد الأحزاب الآن 38، وقد يزداد، غير أنني لا أراها جميعها أو أغلبها ينسجم مع ما يأمر به الدستور، خاصةً فيما يتعلق بالكادر وبالبرامج. وبالتالي، فإن الالتزام بتلك النصوص السالفة الذكر سيُقلِّص حتمًا هذا العدد الضخم برأيي إلى أقل من أربعة أحزاب. وفقًا لاختلاف فهم النصوص السندِ للبرامج.
لماذا ذلك؟ لأن النظام الأساسي، بما يتضمنه، سيُبنى على ما يُستخلص من المواد: الأولى، الثانية، المائة والعشرون، والواحدة والعشرون. وحيث إن الرأي الذي يُستخلص حول الديمقراطية السياسية والديمقراطية الإدارية بمصادرها المتعددة والمتنوعة سيُقلِّص حتمًا من ذلك العدد الكبير للأحزاب السياسية إلى أقل من أربعة أحزاب. ولا يفسح المجال أمام التطابق، وستصبح المملكة الأردنية الهاشمية من الدول ذات النظام الحزبي الحقيقي، تخوض الأحزاب فيها الانتخابات وفق أسلوب أو طريقة انتخاب ديمقراطية، تُفسِح المجال أمام اختيار حر ونزيه، وستنتج حتمًا "أغلبية وأقلية"، وسيكون البرلمان هو موطن المعارضة الحقيقية بولائها وانتمائها في حماية المصالح الوطنية.
أما الفائدة العظيمة الأخرى، وبسبب الالتزام بسند الدستور وبالرقابة القضائية، فستتحصّن الأحزاب السياسية من الأذى أو التدخل في شؤونها، وتتجذّر الديمقراطية النيابية البرلمانية الأردنية.
هذا، وبالذهاب إلى التعديل الذي أُجري على مواد الدستور بالإضافة: المادة 69/3-أ، "الاستقالة تُعتبر نافذة من تاريخ إيداعها…"، والمادة 72: "من تاريخ تقديمها"، بدلًا من: "وعلى الرئيس أن يعرض الاستقالة على المجلس ليقرر قبولها أو رفضها"، فهذا جميعه غير صائب، بين الخطأ والغلط. ذلك لأن المجلس هو الذي يقبل الاستقالة، ومن المسلم به أن للمجلس الحق في أن يرفض استقالة أعضائه.
ومن ناحية أخرى، فإن الاستقالة لا تُنتج آثارها القانونية إلا من تاريخ قبول المجلس لها، وليس من تاريخ تقديمها. فهذه قاعدة أصولية، حيث يظل للمستقيل صفة العضوية، بما يترتب عليها من حقوق والتزامات، حتى يقبلها المجلس.
أما ما يخص التعديل على نص المادة 71/1 من الدستور، فقد تم إلغاء عبارة "يختص القضاء…"، والاستعاضة عنها بعبارة: "تختص محكمة التمييز بحق الفصل في صحة نيابة أعضاء مجلس النواب…"، وأُلغيت عبارة: "أن يُقدَّم طعن إلى محكمة الاستئناف التابعة لها الدائرة الانتخابية للنائب المطعون بصحة نيابته…".
وقد كان الأولى في التعديل أن يذهب إلى إلغاء تحصين قرارات محكمة الاستئناف "وتكون قراراتها نهائية وغير قابلة لأي طريق من طرق الطعن…"، والسماح بتمييزها، بدلًا من أن تذهب مباشرة إلى محكمة التمييز، وهي محكمة القانون تقتصر على تقرير المبادئ القانونية الصحيحة في النزاع المعروض أمامها.
وبالذهاب إلى التعديل بالإضافة لنص المادة 74/2 "الحكومة التي يُحل مجلس النواب في عهدها قبل الأشهر الأربعة الأخيرة التي تسبق انتهاء مدة المجلس تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها".
وحيث فات على مجلس الأمة/السلطة التأسيسية المنشأة أن يعي جوهر الفقرة الثانية من المادة 74 السالفة الذكر، وهو: حل مجلس النواب في عهد الحكومة القائمة، ليرتب النتائج التالية:
• استقالة الحكومة
• عدم جواز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها
فما المقصود من "تليها"؟ هل المؤقتة بغرض الإشراف على الانتخابات ومنع استمرارها؟ أم تستمر بثقة البرلمان؟ أم المقصود "التالية التي تليها"؟ هذا هو المهم الذي كان يجب أن يطل عليه مجلس الأمة، لكن أن يُمرَّر ويُقذَف بعبارة غير مألوفة وغير مفهومة، أمر لا يجوز. فالواضح واللازم التقيد به هو أن الحكومة – أي حكومة – لن تستمر ولا يجوز لها أن تستمر دون الحصول على ثقة البرلمان.
هذا، والتعديل بالإلغاء على المادة 75 من الدستور لعبارة "على أن يُرفع القرار إذا كان صادرًا من مجلس الأعيان إلى جلالة الملك لإقراره" لا ينسجم ولا يتفق مع ما تضمنته المادة 90 من الدستور التي لم تُفرّق بين الإبطال والسقوط.
والتعديل بإضافة الفقرة رقم 3 على المادة 84 من الدستور: "بأن تصدر قرارات كل من المجلسين بموافقة ثلثي أصوات الأعضاء إذا كان القرار متعلقًا: بالقوانين الناظمة للانتخاب، والأحزاب السياسية، والقضاء، والهيئة المستقلة، وديوان المحاسبة، والنزاهة ومكافحة الفساد، والجنسية، والأحوال الشخصية…".
هذا، ويُعتبر التعديل بإضافة الفقرة سالفة الذكر من أسوأ وأخطر التعديلات وأكثرها ضررًا بالنظام القانوني الأردني، ويعبّر عن انحراف مجلس الأمة – السلطة التأسيسية المنشأة – بإدخال الغش على الدستور، ذلك لأنه أراد بالتعديل المذكور أن تسمو مرتبة القوانين التي تضمنتها الفقرة المضافة على مرتبة القوانين العادية، وهي ما يُطلق عليها القوانين الأساسية (lois organiques) أو القوانين التنظيمية، لتصبح بمرتبة الدستور من الناحية الشكلية أو الشكل الخارجي للقاعدة القانونية، أي تلك الإجراءات التي تحيط بإعدادها وإصدارها، وليس من الناحية الموضوعية، أي جوهر القاعدة القانونية وموضوعها.
وهو من المسارات الدخيلة على دستور 1952، حيث أطل مجلس الأمة/السلطة التأسيسية المنشأة على الدستور الأردني وما يمتاز ويتصف به عن بُعد، ولم يَسْبُر أغواره، وقام بتقليد الدستور الفرنسي لعام 1958 والنقل عنه، حيث هو الذي أنشأ هذه الطائفة الجديدة من القواعد القانونية أو القوانين الأساسية، وفي ضوء بحث الفقه عن تعريف لها، انتهى الرأي اعتمادًا على الجمع بين الاعتبارات الشكلية والاعتبارات الموضوعية إلى: "أنها مجموعة القواعد القانونية التي تعمل على تطبيق النصوص الدستورية المتعلقة بتنظيم السلطات العامة والحريات الفردية، ويتبع في إقرارها إجراءات خاصة ومتميزة عن إجراءات القوانين العادية".
وهنا لا بد أن نقف وبوعي تام ونذهب إلى القول بأن دستور 1952 الأردني يتفوّق على ما عداه، حيث اعتمد مبدأ جمود الدستور ضمانًا لسيادته وعلوّه، وضمانًا لاستقراره وزيادة احترامه. ومن ناحية أخرى، لم يفرّق ما بين القانون الأساسي وغير الأساسي أو التنظيمي، فالقانون المكمِّل في النظام القانوني الأردني هو الأدنى مرتبة من الدستور، وهو:
أولًا: 1) التشريع الرئيسي أو القانون العادي الذي تسنّه السلطة التشريعية بالاشتراك مع السلطة التنفيذية في الدولة في حدود اختصاصها الذي نظّمه الدستور، ويُطلق عليه لفظ القانون (la loi) بالمعنى الضيق لهذا القانون، كقانون استقلال القضاء، قانون الانتخاب، قانون الأحزاب السياسية (المواد 25 وما بعدها، 91 وما بعدها).
2)تشريع الضرورة أو القوانين المؤقتة (م 94.
ثانيًا: وأن القانون المكمِّل لا يقتصر على تنظيم بعض الموضوعات دون الأخرى، وإنما يتناول كافة الموضوعات دون تفريق أو تمييز بين هذا العمل أو ذاك، وما إذا كان له طبيعة القواعد الدستورية أو لا صلة له بها.
وحيث انصبّ التعديل بالإضافة على المادة 92 بإضافة فقرة جديدة: "لمجلسي الأعيان والنواب، وفقًا للنظام الداخلي لكل منهما، تشكيل لجنة مشتركة لبحث المواد المختلف فيها لمشروع أي قانون والتوافق على صيغة نهائية ورفع توصياتها للمجلسين"، فهو تعديل يُلغي القاعدة الأساس لدى كل البرلمانات، ومنها البرلمان الأردني، حيث هي القاعدة الضامنة لقاعدة الأغلبية، مفتاح التفوّق القانوني والسياسي لأي دستور، الذي ينتجها أسلوب الذهاب والإياب بين المجلسين أو القاعدة التي يُطلق عليها "المكوكية"، وهي مرتين في النظام القانوني الأردني.
وهنا نتساءل: أين التعديل سالف الذكر من الأعراف ومن التقاليد البرلمانية ومن الديمقراطية؟ أيّ الآراء التي تعزّز حرية الرأي وتحترمها أكثر؟ لْنَلْفِظْ كل ما لا ينسجم مع جوهر التحديث وهدفه.
وعليه، وبناءً على كل ما تقدّم، وحيث السياسة التشريعية لم تُنتج قيمة علمية نسعد لها، فقد أنتجت عدم إنصاف لجلالة الملك عبد الله الثاني، وللدستور الأردني، وللقضاء الأردني، ولم تُنصف بالتالي "الشرعية الدستورية"، بل وضعتها في الوضع غير الصحيح، وقادت إلى "إضعاف المشروعية السياسية واضطرابٍ في الشرعية الدستورية". نتمنى ألّا يطول التحديث الحقيقي القادم الذي يُحصّن الدولة الأردنية ونظام الحكم فيها ويصدّ الأخطار عنها حاضرًا ومستقبلًا
هذا ووفقا للدستور كبوصله التي تعني " الرقابه القضايه على دستورية القوانين " فان القراءة التحليلية للتشريعات الناظمة للقضاء الدستوري الأردني المَنُوط بالمحكمة الدستورية الأردنية كهيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها، فإن الدستور والقوانين المكمِّلة في مختلف الدول هي التشريعات الناظمة لقضائها الدستوري. فالدستور فيها ليس مجرد نص سياسي "نصوص سياسية" ولكنه وثيقة قانونية تفرض قواعدها على جميع السلطات في الدولة. أمّا القوانين المكمِّلة "الأساسية" أو "غير الأساسية" فهي التي تعمل على تطبيق النصوص الدستورية المتعلقة بتنظيم السلطات العامة "التنفيذية والتشريعية والقضائية" وبالمجالس/المحاكم الدستورية، وبتنظيم الحقوق والحريات العامة.
هذا، وفي الحالة السلبية يترتّب إبطال أعمال تلك السلطات من قبل القضاء. لهذا اعتُمِدت الرقابة على دستورية القوانين، وأُنيطت هذه المهمة بـ"سلطة" أو "هيئة قضائية مستقلة".
وبإطلالة موجزة على التشريعات الناظمة للقضاء الدستوري الأردني، نُسارع إلى القول: إن تاريخ 1/10/2011 "يوم الدستور الخالد – تاريخ نشر التعديلات الدستورية في الجريدة الرسمية والتي بلغت 41 تعديلًا أُدخلت على 39 مادة من مواد الدستور البالغ عددها 131 مادة –" يشكّل فاصلًا بين مرحلتين هامتين:
ما قبل 1/10/2011 حيث خلا دستور 1952 الأردني من نصوص تُنظِّم أمر حمايته، واكتفى بأحكام المبادئ العامة، وما جرى عليه العرف الدستوري في أغلب المجتمعات "أن يكون القضاء بكل محاكمه – مع احترام قاعدة التدرج بالنسبة لقوة الأحكام – صاحبَ الحق في الحفاظ على سيادة الدستور"، وذلك على النحو التالي: إن ظهر للمحكمة شُبهةٌ في القانون السَّند في الدعوى أمام القضاء العادي أنه غير دستوري، عندئذٍ يجوز أن تمتنع هذه المحاكم عن تطبيق القانون.
ومن الأمثلة المهمة التي تُذكر هنا: أنه في عام 1999 أصدرت محكمة صلح جزاء عمّان برئاسة القاضي المُميَّز "وليد بك كناكريه" قرارًا في القضية رقم 7658/99 يقضي بعدم دستورية نص المادة الخامسة من ق.ع والامتناع عن تطبيقها، ليتدخل المشرّع العادي الأردني ويذهب على أثر ذلك القرار إلى إلغاء النص المذكور. وحيث ورد النص في ق.ع الفلسطيني واقتداءً بما تم عندنا، قامت المحكمة الدستورية الفلسطينية بإلغاء النص سالف الذكر.
هذا، وتكرّر موقف القاضي كناكريه عندما كان رئيسًا لمحكمة بداية جزاء عمّان "القرار في القضية رقم 876/2002" بإلغاء المادة 41/ب من قانون المطبوعات والنشر. وعندما كان رئيسًا لمحكمة بداية شمال عمّان بصفتها الاستئنافية "القرار رقم 1375/2012" بإلغاء المادة الخامسة من قانون المالكين والمستأجرين.
وأمّا ما بعد 1/10/2011، فقد قُنِّنَت هذه المرحلة تحوّلًا هامًّا ومهمًّا في نوع الهيئة القضائية التي تختص بالرقابة: من اختصاص جميع المحاكم "لامركزية الرقابة" إلى تركيز الرقابة في محكمة واحدة "مركزية الرقابة"، وهي "المحكمة الدستورية الأردنية كهيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها". وبناءً عليه سنذهب إلى إطلالة موجزة على كل من:
أولًا) النصوص الدستورية الخاصة بالمحكمة الدستورية الأردنية "المواد 58 و59 و60 و61".
ثانيًا) النصوص الدستورية ذات الصلة لنبذ الأزمة الوجودية التي تعيشها المحكمة الدستورية، وهذه المواد – كما نراها – هي "17 و24" والمواد "1 و2 و120 و121 و16" والمواد "33 و59 و128" والمواد "47 وما بعدها، و53 وما بعدها".
وبناءً عليه، فإن نقطة البدء لتلك الإطلالة أن ندفع الوهم "بأن المحكمة الدستورية الأردنية سلطة"، وهو ما يردده بعض رجال القانون وممن يعملون في الصحافة والإعلام ورجال السياسة من أن المحكمة الدستورية الأردنية سلطة، وسلطة تعلو بقية السلطات، بحجّة التقسيمات الرئيسية والفرعية للفصول والأقسام التي اتبعها المشرّع الدستوري الأردني في تبويب الدستور الأردني، ولِما لأحكامها وقراراتها من قوّة وحجّية اتجاه جميع السلطات والكافة.
وحيث لم يضع هؤلاء الذوات المسألة في وضعها الصحيح، وبيان ذلك: أنه لا دلالة على الإطلاق لذلك التصنيف والتبويب على أن المحكمة الدستورية الأردنية سلطة؛ فاختيار الموقع الحالي للمحكمة الدستورية أو توطينها في "الفصل الخامس من الدستور" الذي جاء بعد الفصل الخاص بالسلطة التنفيذية وقبل الفصلين الخاصين بالسلطتين التشريعية والقضائية كان اجتهادًا من المشرّع الدستوري سيُثاب حتمًا عليه، وعلى فرض صحته فإنه لا يرتّب تلك النتيجة التي تتردد "إنها سلطة" و"سلطة تعلو بقية السلطات". ونحن نعتقد – وحتى ينسجم موقع المحكمة الدستورية مع الأساسيات الهيكلية للصناعة الدستورية بما تتضمنه من مفاصل رئيسية – أن تُوطَّن المحكمة الدستورية وتأخذ موقعها بعد السلطات الثلاث، وبخاصة بعد السلطة القضائية.
ونضيف أن عبارة "أحكامها نهائية وملزمة لجميع السلطات والكافة" لا دلالة لها مطلقًا على أن المحكمة الدستورية "سلطة"، ولا على أن المحكمة الدستورية "فوق جميع السلطات"، ذلك لأن مصطلح "نهائية وملزمة" يعني أن قضاء المحكمة الدستورية يكون: أ) القول الفصل فيما فُصل فيه بما لا يقبل أي تأويل أو تعقيب أو مجادلة، ب( ويحوز حجية مطلقة وليست نسبية، فلا يقف مفعولها عند الخصوم في الدعوى المعنية فقط، وإنما يمتد إلى الكافة من أفراد وسلطات، مما يؤدي إلى تصفية النزاع حول دستورية القانون والنظام مرة واحدة وبصفة نهائية. وعليه،وحتى نضع المسألة في وضعها الصحيح، سنذهب مع ما يقول به كبار الأساتذة في الفقه الدستوري، وإلى الواقع التطبيقي في العديد من الدول، بأن القضاء الدستوري يقوم كسلطة دستورية أو كهيئة دستوريه ( 1 يكون سلطة دستورية عندما تكون الرقابة منوطة بالمحكمة العليا التي تشكل رأس الهرم في السلطة القضائية، وهي عندنا) "محكمة التمييز الموقرة" (المادتان 27 و100 من الدستور، والمادة 9 وما بعدها من قانون تشكيل المحاكم النظامية وتعديلاته رقم 17 لسنة 2001.
2) ويكون القضاء الدستوري كهيئة دستورية عندما تكون الرقابة من قبل "محكمة دستورية" أو من قبل "مجلس دستوري" لا علاقة لها – أي للمحكمة الدستورية أو لِلمجلس الدستوري – بالهرم القضائي في هذه الدولة أو تلك.
وبناءً على هذا، ذهبت المادة 58 من الدستور الأردني: "تُنشأ بقانون محكمة دستورية يكون مقرها في العاصمة وتُعتبر هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها".
وبالعودة إلى مجموع النصوص "من 58 إلى 61" التي أفردها الدستور الأردني لتنظيم القضاء الدستوري الأردني، عُدَّت المملكة الأردنية الهاشمية من دول القضاء الدستوري عندما تولّت نقل الرقابة الدستورية في النظام القانوني الأردني من الرقابة اللامركزية أو الامتناع عن تطبيق القانون إلى الرقابة المركزية في محكمة واحدة يقتصر عليها الرقابةُ على دستورية القوانين والأنظمة أو عدم دستوريتها، وأنتجت تفوقًا عندما لم تذهب في بلورة اختصاص المحكمة الدستورية أبعد من قضاء الرقابة الدستورية وقضاء التفسير، بلا مسٍّ أو اعتداء على اختصاص كلٍّ من القضاء العادي والإداري… إلخ، وتجنُّبًا لما يواجه تشكيل المحكمة الدستورية من أهم المشاكل، ألا وهو "تجنّبها التأثير السياسي".
هذا، ولما قيل إن أول المشكلات التي تواجه هذا التشكيل هي: "كيف يمكن تجنّب التأثير السياسي؟"
أ- بِمَن يملك التعيين "السلطة التنفيذية" كما هو الحال عندنا في الأردن وفي العديد من الدول: مصر، الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، اليابان، النمسا، إسبانيا، بلجيكا… إلخ؟ أم السلطة التشريعية كما هو الحال في جمهورية ألمانيا الاتحادية، سويسرا، وبعض الدول الشرقية؟ أم اشتراك أكثر من سلطة في التعيين كما هو في فرنسا، إيطاليا، البرتغال؟
ب- أم يرتبط بمَن يجوز تعيينهم بحكم القانون، كما في الأردن، فرنسا، اليونان، كازاخستان… إلخ؟
ج- أم بالموقف الخاص باشتراط التخصص القانوني، كجمهورية ألمانيا الاتحادية، اليونان، إسبانيا، البرتغال، اليابان ومصر، أو عدم اشتراطه كفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا… إلخ؟
د- أم بشرط السن والقيود الخاصة بمدة العضوية؟ مثل: الأردن (بلوغ الخمسين من العمر ولمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد)، الولايات المتحدة الأمريكية (مدى الحياة)، جمهورية ألمانيا الاتحادية ("من 40 إلى 68 سنة" ولمدة 12 سنة غير قابلة للتجديد)، وسويسرا (بلا قيد يتعلق بالسن ولمدة ست سنوات قابلة للتجديد)، واليونان (40 سنة والاستمرار حتى بلوغ الـ70)، والبرتغال (ست سنوات قابلة للتجديد)، وفرنسا (تِسع سنوات غير قابلة للتجديد، وعندهم "الخلف يُكمل عضوية السلف إلا إذا كانت المدة أقل من الثلث "ثلاث سنوات" فيُعيَّن من جديد)، ومصر (45 سنة وحتى سن الـ60 تاريخ الإحالة على المعاش).
هذا، وعلى الرغم من تأثر كل ما سبق بالاعتبارات السياسية، فإني أعتقد بأن أهمية الوظيفة التي يشغلها عضو المحكمة الدستورية في الأردن وفي غيره من الدول تفوق أي اعتبار آخر؛ فهذه المادة 128 من الدستور تنص على أنه لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات العامة على جوهر هذه الحقوق أو تمسّ أساسياتها، وهاتان المادتان 58 و40/2 من الدستور تنصّان (بمأخذ( على أن يتم تعيين رئيس المحكمة الدستورية وأعضائها وقبول استقالاتهم بإرادة ملكية دون توقيع (أو بالأمر الملكي) من رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين.
فقد ترجمت المادة 128 من الدستور سالف الذكر أمرًا للقاضي الدستوري أن يمارس رقابته على أساس الدستور بنصّه وروحه، وليس على أساس أي مبادئ خارج الدستور. وبهذا تظل الرقابة الدستورية رقابة مشروعية لا رقابة ملاءمة؛ أي إن القاضي الدستوري يجب ألا يخرج من حدود مهمته الفنية القضائية ويدخل في حدود الميدان السياسي، أي القيام بمهمة من شؤون الحكم لا من شؤون القضاء.
هذا، وبناءً على ما تقدّم، نضيف إطلالة أخرى على المواد 59 و60 من الدستور، وهي النصوص التي تنقلنا بحق إلى "قضاء دستوري حقيقي"، تُعزِّزه إضافة المادة 128 من الدستور إلى المواد سالفة الذكر؛ حيث – وعلى فرض أن النزاع بدأ سياسيًا أمام القضاء الدستوري – سينتهي حتمًا بفضل المادة 128 نزاعًا قانونيًا.
وبيان ذلك: إن المادة 59 من الدستور، عندما ضيّقت من اختصاص المحكمة الدستورية وحصرت محلَّ الرقابة الدستورية بالنص على أن تختص المحكمة الدستورية بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وأضافت "الحق في تفسير نصوص الدستور"، لم تذهب أبعد من قضاء الرقابة الدستورية، كما فعلت بعض الدول التي وسّعت من اختصاص القضاء الدستوري – ومنها جمهورية ألمانيا الاتحادية – ليشمل على سبيل المثال "قضاء الانتخابات السياسية".
هذا، ووفقًا لنص المادتين 59 و60 من الدستور:
1) "للجهات الآتية على سبيل الحصر حق الطعن مباشرة لدى المحكمة الدستورية في دستورية القوانين والأنظمة النافذة: أ) مجلس الأعيان، ب) مجلس النواب، ج) مجلس الوزراء. وللمحكمة الدستورية حق تفسير نصوص الدستور إذا طُلب إليها ذلك بقرار صادر عن مجلس الوزراء أو بقرار يتخذه أحد مجلسي الأمة بالأغلبية، ويكون قرارها نافذ المفعول بعد نشره في الجريدة الرسمية
ب) "وفي الدعوى المنظورة أمام المحاكم، يجوز لأي من أطراف الدعوى إثارة الدفع بعدم الدستورية، وعلى المحكمة إن وجدت أن الدفع جديٌّ أن تُحيله إلى المحكمة الدستورية وفق أحكام القانون."
وهنا لا بد من وقفة لنذكر بضرورة ألا تستمر المحكمة الدستورية الأردنية الموقّرة "كمأوى لمتقاعدين"، وأنها تعاني من أزمة حقيقية وجودية؛ حيث حُدِّدت اختصاصاتها بالطعن المباشر وبإثارة الدفع بعدم الدستورية، وبحق تفسير نصوص الدستور (المادتان 59 و60.
فهذا – كما نراه – تقنينًا ضارًّا شكّل أزمة حقيقية للمحكمة الدستورية الأردنية وللقضاء الدستوري في المملكة؛ حيث انعكس ذلك التقنين الضار على كمِّ الخصومة والنزاع اللذين يتصلان بالمحكمة الدستورية، كما انعكس من ناحية ثانية، وعمَّق أزمة المحكمة الدستورية عندما اختُصرت اختصاصاتها بدفعٍ وطعنٍ مباشر وتفسيرٍ لتمارسها بتبعية واضحة إلى كل من:
1 محاكم القضاء العادي وفق مسار الإحالة الجديد الضار من أي من المحاكم مباشرة إلى المحكمة الدستورية (م 60/2 من الدستور).
2 ولكلٍّ من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وفقًا لنص المادة 60/1 من الدستور.
وبناءً عليه، وحتى نتجاوز هذه الأزمة الوجودية للمحكمة الدستورية الأردنية – التي تهدّد استمرارها وبقاءها – يجب أن نذهب إلى توسيع اختصاصاتها بالإضافة إلى ما نصّت عليه المادتان 59 و60؛ ليتم تضمينها في قانون المحكمة الدستورية وفقًا للنصوص الدستورية ذات الصلة التي وفّرها المشرّع الدستوري، وهي كما يلي:
1-بإضافة صلاحية أو اختصاص "الشكوى الدستورية" بسند المادة 17 من الدستور: "للأردنيين الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من أمور شخصية أو فيما له صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي يعيّنها القانون".
-2 وإضافة صلاحية الرقابة على التعديلات الدستورية بسند المادة 24 من الدستور: "الأمّة مصدر السلطات، وتمارس الأمّة سلطاتها على الوجه المبين في هذا الدستور".
3-إضافة صلاحية الرقابة على إنشاء وتكوين الأحزاب السياسية بسند المواد "الأولى والثانية" والمادتين 120 و121 من الدستور (مصدر عنوان الحزب وبرنامجه) والمادة 16 من الدستور (مصدر كادر الحزب).
4 -إضافة صلاحية الرقابة على أعمال السيادة وفقًا لمبدأ المشروعية لا الملاءمة، وبسند المادة 33 والمادتين 59 و128 من الدستور.
5 -الرقابة على التعديل الوزاري بسند المادة 47 وما بعدها والمادة 53 من الدستور.
هذا، ونختم بما يقول به الفقه الدستوري: "إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين تدعم مبدأ المشروعية إن أحسن واعتدل القضاء الدستوري في ممارستها، لتظلَّ مظهرًا من مظاهر سيادة القانون، ووسيلة حماية للحقوق والحريات العامة؛ وتهدر مبدأ المشروعية إن أسرف واشتطّ القضاء الدستوري في رقابته على دستورية القوانين، وذهب إلى فرض الوصاية القضائية على السلطة التشريعية، والقيام بمهمة من شؤون الحكم لا من شؤون القضاء."
والله الموفق الى سوي الطريق..
عمون