عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Aug-2020

هارون رشيد: سنرجع يوماً مهما يمرّ الزمان!
أشهر المطربين غنوا فلسطين من قصائده
 
الراي - أبواب - وليد سليمان - الشاعر الفلسطيني الكبير «هارون هاشم رشيد» الذي رحل مؤخراً في آخر شهر تموز من هذا العام 2020؛ له الكثير من القصائد الوطنية الشهيرة, ومنها مثلاً تلك النشيدة المُغناة بصوت الموسيقار والمطرب الأردني «غازي الشرقاوي» وهي: (أنا لن أعيش مشردا أنا لن أظل مقيدا).. تلك التي اشتهرت في الكتب المدرسية لدى بعض الدول العربية, وفي أكثر الإذاعات العربية قديماً في الخمسينيات والستينيات، فقد اتسمت أشعاره بالمباشرة والشعبية، وبمزجها بين المنطق والعاطفة، بصورة فريدة شكلت لوحدها حالةً شعرية.
أنا لن أعيش مشردا
أنا لن أعيش مشردا أنا لن أظل مقيدا
أنا لي غدٌ وغداً سأ زحف ثائراً متمردا
أنا لن أخاف من الـعواصف وهي تجتاح المدى
ومن الأعاصير التي ترمي دماراً أسودا
ومن القنابل والمدافع والخناجر والعِدا
أنا صاحب الحق الكبير وصانعٌ منه الفِدى
وطني هناك.. ولن أظل بغيره متشردا
سأعيده وأعيده.. وطناً عزيزاً سيِّدا.
ذكريات مدرسية
وأذكر أنه بعد العام 1967 وكنت طالباً في الصف التاسع قد اشتركت بمجلة الحائط المدرسية التي كان يشرف عليها مدرس اللغة العربية «حسني عدوان» بنشر صفحة كاملة لقصيدة طويلة للشاعر «هارون هاشم رشيد» كانت منشورة في إحدى الصحف اللبنانية, والتي تتحدث عن فلسطين وحق العودة لمن شُردوا منها, حيث أبدى الأستاذ عدوان أعجابه الشديد بمشاركتي باحضار هذه القصيدة لمجلة الحائط ليقرأها طلاب ومدرسو مدرسة الأشرفية الكائنة في حي المصدار بعمان.
وأذكر أيضاً وعندما أصبحت مدرساً للطلاب في مدرسة عمان الابتدائية السادسة أن زار مدرستنا وبشكل مفاجئ الشاعر الكبير هارون هاشم رشيد وذلك في تسعينيات القرن الماضي على ما أظن, حيث بعث مدير المدرسة «أحمد مزهر» الآذن كي أحضر بالحال أنا والممدرس الشاعر زهير زقطان الى الإدارة بسرعة!! فجلسنا وعدة معلمين من حوله في غرفة الإدارة الصغيرة.
وكان اللقاء دافئاً وغزيراً بالمشاعر الوطنية والانسانية مع هذه الشخصية الإعلامية والسياسية والثقافية الشهيرة في كل أرجاء الوطن العربي.
مشاهير المطربين والمطربات
ومن المعروف أنَّ أشهر المطربين والمطربات العرب قد تغنوا بقصائده الوطنية الخالدة.
فهناك ما يقارب ال (90 (قصيدة من أشعاره قدمها أعلام الغناء العربي، وفي مقدمة من تغنوا بأشعاره: » فيروز، وفايدة كامل، ومحمد فوزي، وكارم محمود، ومحمد قنديل، ومحمد عبده، وطلال مداح, ومحمد الطوخي, وغازي الشرقاوي, وغيرهم مؤخراً مثل: لطيفة التونسية, وعلي الحجار, وعبداالله الرويشد».
وكان الشاعر هارون هاشم قد كتب أيضا أربع مسرحيات شعرية، مُثِل منها قديماً على المسرح في القاهرة مسرحية «السؤال» من بطولة كرم مطاوع وسهير المرشدي.
وبعد حرب العبور 1973 كتب مسرحية «سقوط بارليف» وقٌدمت على المسرح القومي بالقاهرة عام 1974 ،ومسرحية «عصافير الشوك»، إضافة إلى العديد من المسلسلات والسباعيات التي كتبها لإذاعة «صوت العرب» المصرية وعدد من الإذاعات العربية.
شاهد المأساة الفلسطينية
ولد الشاعر والمناضل الكبير هارون هشام رشيد في مدينة غزة عام 1927 ،ومنذ طفولته كان شاهداً على الأحداث والتطورات التي شكلت المأساة الفلسطينية، ورأى الأطفال والنساء والشيوخ يبتلعهم البحر الهائج، حيث كانت مراكب اللجوء تنقلهم إلى شواطئ غزة، بعد أن شردتهم العصابات الصهيونية عن ديارهم وأراضيهم.
من الصور التي ظلت منقوشة في ذاكرة الشاعر صورة تلك المرأة التي رمتها نفسها في البحر الهائج، في محاولة يائسة لإنقاذ ابنها من أمواجه العاتية.
ومنذ ذلك الوقت وهو يكتب شعراً مسكوناً بهموم الوطن ونكباته، وملامح الصمود وأساطير المقاومة، فخرج شعراً مقاوماً وطناً تغنت به الأجيال العربية والفلسطينية ولا تزال.
وهارون هاشم رشيد الذي يُعتبر الأب الروحي للشعر الفلسطيني المعاصر هو من شعراء الخمسينيات الذين أطلق عليهم لقب «شعراء النكبة» أو «شعراء المخيم» أو «شعراء العودة».. حيث يفيض القاموس الشعري لرشيد بمصطلحات اللجوء والعودة والثورة، حتى قيل إن مجمل قصائده وأغانيه تصلح لأن تكون دستورًا لمبدأ حق العودة وتقرير المصير.
وقد عمل هارون هاشم مديرًا لإذاعة «صوت العرب» في غزة منذ إنشائها عام 1954 ،وظل في منصبه عدة سنوات، والتحق بمنظمة التحرير الفلسطينية حتى أصبح مندوبًا مناوبًا لفلسطين في جامعة الدول العربية.
فيروز والرحابنة
وحين قررت فيروز والأخوان رحبانى «عاصي ومنصور» إحياء الذكرى العشرين لنكبة فلسطين 1984 ،التي وافقت عام 1968 ،كان إحياء ذكرى «النكبة» آنذاك يصادف واقعًا مؤلماً، فلم يكن قد مضى عام واحد على هزيمة حزيران 1967 ،حين احتلت إسرائيل الأراضي العربية في غزة والضفة وسيناء والجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية. في تلك الأثناء كان الشاعر هارون هاشم رشيد قد طُرد لتوه من غزة على أيدي سلطات الاحتلال لينتقل إلى القاهرة، وبعث لفيروز بعدة قصائد تشكل منها ألبوم «عائدون».
الحزن والانتظار
يقول الشاعر رشيد في كلماته التي ازدانت بصوت فيروز وألحان الرحابنة في العام 1968:
أحترف الحزن والانتظار
أرتقب الآتي ولا يأتي
تبددت زنابق الوقت
عشرون عامًا وأنا أحترف
الحزن والانتظار
عبرت من بوابة الدموع
إلى صقيع الشمس والبرد
لا أهل لي...
في خيمتي وحدي
عشرون عاما وأنا يسكنني
الحنين والرجوع
ومن جديد...
ضربتنا موجة البغض
وها أنا أستوطن الفراغ
شردت عن أهلي مرتين
سكنت في الغياب مرتين
أرضي ببالي وأنا أحترف
الحزن والانتظار.
وتظهر هذه الكلمات مدى الضياع الذي تعرض له رشيد وأبناء جيله، فقد تعرضوا للترحيل وأجبروا على اللجوء مرتين، واحدة في نكبة 1948 ،والأخرى في 1967.
جسر العودة
ومع ذلك الواقع المرير، لم ييأس رشيد ولم يجد أفضل من صوت فيروز ليشيد من خلاله «جسر العودة»، وكأنه أراد أن يشيد هذا الجسر ليعبر عليه أبناء فلسطين في مسيراتهم الحالية، فكتب قائلاً:
يا جسر الأحزان
أنا سميتك جسر العودة
المأساة ارتفعت
المأساة اتسعت
وسعت صدعت
بلغت حد الصلب
من صلبوا كل نبي
صلبوا الليلة شعبي
العاثر ينهض النازح يرجع
والمنتظرون يعودون
وشريد الخيمة يرجع
و بليلة عتم أبيض
كالأولى للميلاد
ملأى بغموض الآتي
وبفرح الأعياد
يأتي من صمت الأشجار
طفلٌ في سن العشرين
يحتفل اليوم بميلاده
عيده العيد برشاش
فمضى يتصيد ويقيم
في أرض أبيه وأجداده
يدخل آلاف الأطفال
من كبروا الليلة في الخارج
عادوا كالبحر من الخارج
أرجع في العتمة معهم
نصمد ونقاتل لا نرحل
ونقيم كشجر لا يرحل
تقفون كشجر الزيتون
كجذوع الزمن تقيمون
كالزهرة كالصخرة
في أرض الدار تقيمون
وسلامي لكم...
يا أهل الأرض المحتلة
يا منزرعين بمنازلكم
قلبي معكم وسلامي لكم
والمجد لأطفال آتين
الليلة قد بلغوا العشرين
لهم الشمس لهم القدس
والنصر وساحات فلسطين.
وهكذا لقد عوّل رشيد على الأجيال الجديدة التي ولدت في النكبة، وطردت وعاشت في الخيام بين دروب الشتات، ومع شدة المأساة من غاصبي الأرض وصالبى الأنبياء، إلا أن مسيرات العودة ستصمد وستثبت كشجر الزيتون الذي لن يرحل عن تلك الأرض.
لن ينام الثأر في قلبي
وكانت قديماً قد غنت المطربة المصرية الشهيرة » فايدة كامل» قصيدته الشهيرة «لن ينام الثأر» التي جاء فيها:
لن ينام الثأر في قلبي
وإن طال مداه
لا ولن يهدأ في قلبي لظاه
صوت أمي
لم يزل في مسمع الدنيا صداه
وأبي ما زال في قلبي وروحي نداه
أن تقدم، ثابت الخطو إلى الحق تقدم
وتقحَّم حالك الأهوال
سوف تطويك الليالي السود
إن لم تتعلم
كيف تطفي غلة الثأر
بنيران ودم.