عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Feb-2020

وظيفة الكاتب و”مشاعر الشارع” - إبراهيم جابر إبراهيم

 

الغد- لا يحترم القراء كاتباً ينشغل الآن بالكتابة عن شروط وفنيّات القصيدة؛ في الوقت الذي تنفتحُ (الروايةُ) الشعبيةُ على كل هذا الدم!
ولا يحترم القراء المثقفَ الذي يدفنُ رأسه بين الكتب في الوقت الذي يدفن أهل بلده شهداءهم وأطفالهم عصر كل يوم ويعودون لاعتصامهم السلمي!
لكنَّهُ، وفي الحديث عن الكاتب، علينا أن نتحدث عن الجرأة والعقل وأدوات النقد، كمعدّات رئيسة لهذه “المهنة”!
وعلينا أن نعرف لماذا يهرب الكاتب أحياناً من إعلان موقفه مما يجري، و”يغيّر مجرى الحديث”. ولماذا يتجنب مواجهة الشارع بموقفه، ويختار أسلم الحلول وأربحها، بانتظار انجلاء الغبار ليقف مع “الجهة الغالبة”.
رغم أن الاحتيال على الحقيقة وتزويق صورة القاتل وامتداح الجريمة خدع قصيرة العمر؛ لا تنفع لتزويق صورة الكاتب نفسه إن انمزعت، ولن تنطلي على الناس.
لماذا يخاف الكاتب؟
يخاف الكاتب أحياناً من السلطة، ويخاف أحياناً من الشارع، والخوف من الشارع صار شائعاً أكثر الآن؛ حيث اشتدت قبضة الشارع وتغوّلت سلطته، ويخاف الكاتب من شروط المجتمع ونواهيه، ويخاف من شيخ الجامع، ومن الأحزاب، ومنظمات المجتمع المدني، ومخرجي البرامج، ومؤخراً من “السوشال ميديا” كجهة لها هيبة وسلطان.
وهنا يقعُ نوع الكاتب: هل ينقاد للجمهور أم يفكر له ويقوده؟
الأول هو الذي لا يجرؤ على مواجهة السائد، ولا يتصدى للفكرة العادية والعامّية، وينساق خلفها، ويصفق لها، ويسخّر كتابته لترويجها. من دون أن يحدّق في كمية المنطق فيها، من دون أن يُقلّبها في كفّيه، ومن دون أن يخضعها للعقل.
وهذا الكاتب تفزعه، بل ترعبه فكرة مخالفة الجمهور، والسير بعكس اتجاهه، ولو مرّةً واحدة. بل هو يبحث بمثابرة عن كل ما يثير غريزة الشارع، ويضعه موضع التصفيق الشعبي دائماً!
وهذا كاتب لا يليق به دور الكاتب؛ الذي وظيفته بالأساس قيادة الرأي العام وليس الانقياد له؛ والتفكير للشارع بمنطق علمي لا عاطفي أو شعبوي.
وهنا يدفع للاستغراب مثلاً أن يقول كاتب معروف يختتم سيرته الصحفية في نهاية مقاله الأخير إنه لم يخالف الشارع مرة واحدة في حياته؛ وأستغِرب من تعامله مع الفكرة كوسام أو كجائزة يفتخر بها، وأنّه لم يقدم لهذا الشارع ولو مرة فكرة مخالفة، صادمة، قاسية، مناقضة، وبقي يطبطب عليه كطفل مدلَّل!
فما الذي يقدمه كاتب أو مثقف للشارع حين يكرر خطابه نفسه؟! وماذا يجدي للناس أن يخرج عليهم كاتب أو محلل على الشاشات يصرخ ويهتف مثل أي فتى في مظاهرة؟
وليس المطلوب هنا مخالفة الشارع لأجل الاختلاف فحسب، أو بغرض ادعاء الحكمة والثقافة؛ ولكن المطلوب من الكاتب أن يقدم للشارع / للجمهور/ للقارئ تحليلاً يصدر عن رجل هادئ يختلف في تفكيره عن رجل في مظاهرة، وحتى لو كان يتفق مع الشارع فعليه أن يعيد تشكيل خطابه بشكل علمي وممنهج وتحليلي وليس بالنبرة العاطفية الشعبوية ذاتها!
أما الكاتب الثاني فهو الكاتب البطل، وهو في الحقيقة ليس بطلاً أبداً بقدر ما هو يقوم بدوره الذي يتوجَّب عليه، بمهمته الطبيعية. هو المستعد دائماً للمغامرة، والذي لا يجنح للفكرة المسالمة، ويحمل رأياً نقدياً، ولا يتورع عن كتابةٍ انتحاريةٍ حتى لو خالفت عموم الشارع. يحتكم لعقله ويجازف بتقديم رأيٍ لا يغري بالتصفيق!
يحمل للناس الفكرة بدون جماهيريتها، وبدون إغراءاتها، ولا يراهن على إعجاب القراء السريع بل على التغيير التراكمي في تفكيرهم.
أمَّا الكاتب الذي يرضي كلَّ الناس في كلِّ ما يكتب فعليه حتماً أن يتحسس رأسه!