عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Oct-2019

”إن بطش ربك لشدید“ - محمد المجالي

 

 
الغد- ھو نص مثل غیره من النصوص القرآنیة الكثیرة التي أراد الله منھا تعزیز الإیجابیة في النفس، وبث الطمأنینة عند المؤمن بأن الله تعالى الذي یلوذ بھ المؤمنون غیر عاجز عن نصرتھم وتأییدھم، ْ ولكن  حكما وسننا، ولا بد للمؤمن عموما من إدراك ما لھ وما علیھ، ویتیقن بعد ذلك بأن العاقبة للمتقین ولو بعد حین، ولعل تأخر النصر أو وقوع الابتلاء أو حدوث ما ظاھره عكس وعد الله إنما ُحد حین تعجبوا مما حل بھم ھو من عند أنفسنا، وقد قالھا الله تعالى حكایة عن حال الصحابة یوم امن تنكیل وقتل فقالوا: ”أنّى ھذا!؟“، فأجابھم الله تعالى: ”قل ھو من عند أنفسكم“.
تمر بالأمة محن كثیرة لا تقل عما تعرضت لھ زمن التتار والحروب الصلیبیة، بل تكاد تكون الإرادة الحقیقیة مشلولة مأمورة بأمر أعداء متحكمین في كثیر من المفاصل المھمة، وكما قلت فالسبب في ھذه الأحوال ومعھا الابتلاءات والمصائب یرجع جزء كبیر منھ لأنفسنا، بھذا الھوان الذي رضیناه لأنفسنا، حین رتعنا في الشھوات ونسینا المنجیات ولم نأخذ بالأسباب، وحین تركنا حبل النجاة وركنا إلى الأعداء، وحین عطلنا عقولنا عن الإبداع، واكتفینا لغیرنا بالاتباع، وحین سكتنا عن الظلم والظالمین، بل صنعنا رموزا في أصلھا ھشة، وإذا بھا تُخشى وتطاع أكثر من الله، فشلَّت إرادتنا، وتبعثرت جھودنا، ولأن غالبنا لا یھمھ أمر دین ولا أمة، وكثیرون أعذروا أنفسھم بأنھم لا یستطیعون فعل شيء، أو أنھم اكتفوا بالحد الأدنى من الإنكار ونسوا الاستمرار، ھنا ھانت علینا أنفسنا قبل أن یھون علینا أمر دیننا وأمتنا، فتحكم الصغار، وأفسد الأغیار، وغاب الأخیار.
لا بد من الاعتراف أن ھناك كثیرا من العابثین بالدین، یستھترون بقیمھ، ویثیرون الشبھات حولھ، بل یشككون حتى في قدرتھ على تنظیم الحیاة، بل لھم نظرتھم في أصل الدین كلھ، سیطرت علیھم أفكار غریبة دخیلة، أفكار ظاھرھا أحیانا خیر، ومحتواھا شر، یظن ھؤلاء أنھم قادرون على إلغاء  الدین من مفھوم الحیاة، یسوغون أفكارھم ھذه بأن الدین أفیون الشعوب، وضد التقدم، وسبب التخلف، وربما رأوا تصرفات المسلمین وأحوالھم متردیة متخلفة، فظنوا أن الدین سبب ذلك، وما ّفرقوا بین دین وأتباعھ، ربما قاسوا المسألة خطأ على ما جرى في أوروبا في العصور الوسطى، ولذلك یجتھدون في بث الفكرة بأن سبب التأخر والتخلف ھو الدین، وھكذا سعى كثیرون (ومنھم من أبناء جلدتنا) إلى أن یشوھوا الدین وأتباعھ، وشیطنة كل فكرة إسلامیة، أو محاولة إسلامیة للنھضة والمشاركة في الحیاة وفق ھدي الإسلام العظیم.
(إن بطش ربك لشدید)، ذكر الله ھذه الآیة في سورة البروج، تعقیبا على ما حصل للفئة المؤمنة ُ التي انتصرت بعقیدتھا العزیزة على الحیاة الذلیلة، حین حفرت الأخادید، وأضرمت فیھا النار، ُلقي فیھا الرافضون للكفر وتألیھ الأشخاص، فلا مساومة على دین الله، وظن ھؤلاء الطغاة أنھم وأ انتصروا، ولكنھم في الحقیقة خسروا، لأن ھدفھم كان تحویل الناس عن دینھم وعبادة إلھ مزعوم، اللهُ كل من یعتدي فما تحقق لھم ذلك، بل بقي القوم على التوحید وإن غابت أجسامھم بقتلھم، ویحذّ على المؤمنین بأن بطشھ شدید، ولا یغتر أحد بقوتھ أمام بطش الله الشدید، فھو یمھل ولا یھمل، یملي للظالم، حتى إذا أخذه لم یفلتھ.
ّ ھذا الدین حي ّ تكفل الله برعایتھ، أكملھ الله وأتم نعمھ علینا بھ، ورضیھ لنا دینا، ھو الدین الخاتم على النبي الخاتم بالكتاب الخاتم للوحي، حاول الصلیبیون قدیما وما أفلحوا، وخلصوا إلى الحرب الفكریة بشبھاتھا وشھواتھا، وحاولوا قریبا واحتلوا بلادنا كلھا، ولكن الدین بقي حیا، وھا ھو ینتشر في بلادھم، بل ھو الدین الأسرع نموا رغم كل محاولات التشویھ والتخویف منھ، فھو الله سبحانھ الذي وعد: ”یریدون أن یطفئوا نور الله بأفواھھم، ویأبى الله إلا أن یتم نوره ولو كره الكافرون“.
وفي المقابل، مطلوب من أتباع ھذا الدین حسن الاتباع وحسن الأداء، وقبل ذلك حسن الفھم وأدب الاختلاف، والانتماء الحقیقي لھذا الدین لا مجرد الادعاء بأننا مسلمون، فلا أحد أحسن ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمین، وھذا یترتب علیھ التزام حقیقي بین العبد وربھ سبحانھ، بالاستقامة والإیجابیة والصبر على ذلك، فقد تكفل الله بنصر من نصره: ”ولینصرن الله من ینصره“، فإن تأخر الوعد أو لم یتحقق فلا شك أن المدخلات (أننا نصرنا منھج الله) فیھا خلل، فالمراجعة ضروریة، ولا یكفي مجرد الالتزام العام بالدین، فلا بد من الأخذ بالأسباب وتحقیقھا فلسنا أفضل من الصحابة الذین ھ ِزموا وفیھم رسول الله، لا لشيء عظیم، بل لمخالفة أمر من الأوامر التي أمر بھا ثلة منھم، لیكون الدرس القاسي الذي اعتبروا بھ، ولم یُ ْھَزم الصحابة بعدھا أبدا.