عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Feb-2019

لماذا یصدقونهم ویکذبون الحکومة؟! - سائد کراجة
 
الغد- ظل العقل العربي الرسمي یتعامل مع الشعوب العربیة باعتبارھا ”ناقصة عقل وتقدیر“، فدأب ُ على تحدید احتیاجاتھم الخاصة، وجرعاتھم التي یحددھا لھم من الدیمقراطیة والحریة، وأن یقرر لھم شكل حیاتھم الاقتصادیة والسیاسیة والاجتماعیة، وفي الإعلام على وجھ الخصوص ظل العقل العربي الرسمي یحدد بمقص الرقیب أو بسلطة النص القانوني ــ والذي غالباً ما یكون غیر دستوري- ماذا علیھم أن یعرفوا وماذا علیھم أن لا یعرفوا، وما یصدقوا وما یكذبوا، وقد نجحت الحكومات العربیة -أو ھكذا تخیلت- في قولبة الذھن الجمعي للشعوب العربیة، وقدرتھم  على تقدیر الأمور والحكم علیھا، حتى جاء الإنترنت وانقلب السحر على الساحر، وخرج الأمر عن السیطرة، وصارت المعلومات والأخبار في متناول المواطن العادي قبل المتخصص أو الخبیر وخاصة الممنوعة منھا – وكل ممنوع مرغوب-.
ُ وھنا تجلى للمواطن حجم ما لا یعرف، وحجم الوقائع التي سترت عنھ أو جملت لھ، إخفاء للحقیقة أو لبعضھا، وبھذا تشكلت لھ حالة من عدم الثقة والتوجس من كل ما یأتي بھ العقل الرسمي، وعلیھ فإن الشعوب العربیة الآن تتلقى جل ما یأتي من الحكومات بشك وریبة حتى قبل ان المواطن بل ھي نتیجة ترتبت أن تمحصھا أو تدقق فیھا، ولھذا فإن حالة عدم الثقة لیست من لد عن غیاب الشفافیة والدیمقراطیة والمشاركة في الحكم.
ُ بعد الإنترنت انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي، فالأرقام تقول إن ما یقارب نصف سكان الأرض مجتمعون على صفحات التواصل الاجتماعي، ومحلیاً ھناك خمسة ملایین صفحة فیسبوك أردنیة بما یمثل 70 % من عدد سكان الأردن تقریبا، وھناك أیضاً حوالي أربعمائة ألف أردني على ”تویتر“، وكأن وسائل التواصل الاجتماعي عادت بالناس إلى أیام الدیمقراطیة ٌ المباشرة حیث یجتمعون في فضاء لكنھ افتراضي في حالتنا، یناقشون فیھ الأمور ویصوتون علیھا ویتناقلون أخبار المدینة دون معقب.
عصفت وسائل التواصل الاجتماعي بالطرق التقلیدیة للإعلام الرسمي كافة؛ فانھارت صحف الحكومات، وتھاوى تفرد التلفزیون الرسمي، لیس ھذا وحسب بل أنھ وبفعل التكنولوجیا امتلك
كل مواطن ودون ترخیص من أحد منبراً یعبر منھ عن رأیھ ویتناقل الأخبار ویتداولھا بسرعة مذھلة وبالطریقة التي یرید، فیستطیع المواطن الأردني الآن من بیتھ دون استدعاء ودون طوابع أو واسطة أن یضع على طاولة رئیس الوزراء أي خبر أو أمر یرید، لا بل ویستطیع أن یناقش الرئیس في القرارات التي تصدر عن مجلسھ. وسائل التواصل الاجتماعي وجدت لتبقى، وان أي محاولة لتحجیمھا أو تكمیمھا ھي محاولة بائسة وفاشلة سلفا، لكن الموضوعیة تقتضي القول؛ أن
ُ وسائل التواصل الاجتماعي تعج بالخبیث من الأفكار والفاسد من المعلومات والملفق من الأخبار، وإنھا – كجمیع أمور الدنیا- قابلة للاستغلال من حاقد أو مغرض.
ومواجھة سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي یقع في أغلبھ على عاتق الحكومات وفعلھا
الضروري الأھم بھذا الصدد ھي أن تتبنى وتعترف بوسائل التواصل الإجتماعي بإعتبارھا منابر شعبیة، وأن تقول لھذه المنابر قصتھا بشفافیة، وتتحدث لھا عن إنجازاتھا بوضوح، وأن تعترف بأخطائھا وتسعى لتصحیحھا، وأن تملأ فراغ الإشاعة بلغة الحقیقة والواقع، مستخدمة في كل ذلك نفس آلیة وسائل التواصل الاجتماعي، فلم تعد وسائل الحكومات وخطابھا التقلیدي جاذباً للناس وخاصة الشباب.
على عكس ما ھو شائع فإن للناس حسا معقولا للتمییز بین الإشاعة على الرغم من أن الواقع الحالي یمیل الى تصدیق أي إشاعة عن المسؤولین والحكومات بسبب عمق فجوة الثقة تاریخیاً،
الأمر الذي یوجب على الحكومات أن تردمھا بمزید من الشفافیة والمھنیة وسرعة الخبر وحسن العمل، فإن بقي بعد ذلك ــ وسیبقى ــ من یستقوي ویعتدي على أعراض الناس وسمعتھم ممن یسیئون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وینشرون الإشاعة ویھددون المصالح العلیا للدولة والمجتمع یكون ھنا التطبیق العادل والحازم للقانون بشكل سریع الإجراءات بائن النتائج وسیلة للردع، وبذلك جمیعھ تتعزز ثقة العموم ویصبح المواطن قادراً على تمییز الصالح من الطالح في المحتوى ونخمد الشرارة في مھدھا، ھناك مثل انجلیزي یمكن ترجمتھ بالقول: إن لم تستطع ھزیمتھم انضم إلیھم، فاھم علي جنابك!