الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
تقرير خاص – (الإيكونوميست) 25/12/2020
في الغرب، على الأقل، ثمة قلة من الناس الأحياء اليوم الذين عاشوا عامًا يشبه 2020 -ليس من حيث التشنجات، وإنما العزلة؛ وليس من حيث الصدمة، وإنما الضجر. ومع أنه أقل عنفًا من الحرب، وأطول أمداً من كارثة طبيعية عادية، كان “كوفيد -19” مميتًا ومربكًا وغير مألوف. ولكن، على الرغم من أن الذاكرة الحية كانت ذات فائدة محدودة كدليل مرشد لكيفية التأقلم مع هذا الوباء، فقد أثبتت ذكريات الآخرين وتخيلاتهم أنها مفيدة لملايين القراء.
نادرًا ما كان العزاء والتضامن اللذان توفرهما القراءة أكثر أهمية بالنسبة لمثل هذا العدد الكبير من الناس. وبينما وجدوا أنفسهم عالقين في الإغلاقات والوحدة، هرب الكثير منهم إلى حيوات أخرى وعوالم بعيدة. لكن كثيرين بحثوا عن كُتَاب ربما يساعدونهم في فهم الوباء والعثور فيه على بعض المعنى. وتضمنت الكتب الشائعة “دفتر أحوال عام الطاعون” -مذكرات دانيال ديفو شبه الخيالية (التي يُعتقد أنها تستند إلى قصة عمه) عن الحياة في لندن في العام 1665، عندما اجتاح الطاعون الدبلي المدينة. وتظهَر الآفة نفسها في مذكرات صموئيل بيبيس: يلاحظ بيبس بوضوح اقتراب المرض وهجومه، لكنه يستمر مع ذلك في تسجيل التفاصيل عن وجباته وحفلاته المرحة، ويُظهر نفس الشعور بعدم التصديق والإنكار الذي انتشر في أوائل العام 2020. ومع ذلك، وقبل انقضاء طويل وقت، يشرع في التأسِّي على شوارع العاصمة الخالية الباعثة على الكآبة.
انفجارات الوباء الخيالية في رواية “الرجل الأخير” لماري شيلي؛ و”الطاعون” لألبير كامو؛ ورواية “العمى” الآسرة لخوسيه ساراماغو، و”المحطة الحادية عشرة” لإميلي سانت جون ماندل -والتي تزن كلها خبرة موت فرد مقابل مصير العالم- تقدم، إن لم يكن السّلوى فإحساسًا جديدًا طازجاً بالمنظور. بالنسبة لبعض هؤلاء المؤلفين، كان المرض مجازاً يعبر عن مشاكل أخرى، مثل السياسة المتطرفة؛ بطريقة مماثلة، بدت القصص عن أنواع أخرى من التشوُّش وكأنها تلتقط جوانب من الوباء وطريقة إدارته. في رواية “البيوض المُهلكة”، على سبيل المثال، يعني عمل بيروقراطي سيئ المشورة أن يتحول مسعى إلى تعزيز إنتاج الدواجن في الأساس إلى تخليق بلاء من الثعابين العملاقة التي اجتاحت روسيا. وفي حكاية يظهر فيها أيضًا السكارى الطائشون في الشوارع وعلماء معصوبو العيون، تتباطأ السلطات في الاعتراف بالكارثة وتتلكأ، قبل أن تتخذ أخيراً إجراءات مضادة صارمة وقاسية.
بعض القراء الذين قرأوا هذه الكلاسيكيات سمعوا صدى لإيقاعات العام الماضي، في ما هو، في ظاهره، نوع مختلف تماماً من القصة. كان الآلاف من الناس في جميع أنحاء العالم غير سعداء بالطريقة نفسها، وتعزّوا بالطريقة نفسها عندما غمسوا أنفسهم في قراءة “الحرب والسلام”. كان التردد في رواية ليو تولستوي الملحمية بين ساحات القتال في حروب نابليون من جهة، وصالونات سانت بطرسبرغ من جهة أخرى، يعكس تجربة الإغلاق بطريقة غريبة مخيفة؛ والتي جمعت، أيضًا، بين ألفة الحياة المنزلية والوعي بالأحداث الصاخبة المضطربة في الخارج. وفي تصوير تولستوي الحاد والمكثف للعواطف المتأرجحة والمبالغ فيها التي تثيرها أوقات الأزمات، وجد القراء انعكاسًا لمشاعرهم المتقلبة -التقارب المتردد المتوتر مع الأحباء، على سبيل المثال، أو الشعور بالانعتاق من الحياة العادية الذي ومض وسط الثقل الساحق لرهاب الأماكن المغلقة.
على أمل أن تستمر الحياة -وكانت مستمرة في الحقيقة- اقترحت “الإيكونوميست” اللجوء إلى ألكسندر بوشكين. في الحجر الصحي الذي فُرض في العام 1830 بسبب تفشي وباء الكوليرا، عثر الشاعر على مهرب جلبته له ضربة حظ موفقة من المخاوف بشأن زواجه الوشيك، وموارده المالية المتهالكة، وخلافاته مع الرقباء القيصريين. واكتشف بوشكين، العالق في الحجر في عزبة ريفية، إحساسًا منحرفاً بالحرية والحيوية. وجابت كتاباته وخيالاته حول العالم. أنهى “يوجين أونيغين” روايته الشعرية الرائعة. وأعاد صياغة مسرحية شعرية لشاعر اسكتلندي تدور أحداثها أثناء نوبة طاعون. وتقدم نسخة بوشكين هذا الرد المؤثر والمتحدي للمرض والموت:
ثمة نشوة في ساحة المعركة،
وحيث الهاوية السوداء،
وعلى المحيط الهائج المحتدم،
وسط أمواج الموت العاصفة،
في إعصار الصحراء،
وفي أنفاس الطاعون المُهلِكة.
لأن كل شيء يهدِّد بالبوار
يُخفي فرحة غريبة، وحشية –
ربما تكون لإنسان فانٍ، التماعةً
تعِدُ بحياة أبدية؛
سعيدٌ هو الذي يعرف
هذه النشوة الطروب في العاصفة والنضال …
سوف نحتسي النبيذ الوردي البِكر
ونُقبِّل الشفاه، حيث قد يكمُن الطاعون!
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: The literature of lockdown: Classic works have helped people make sense of the pandemic