بوابة ترامب.. يمين بيمين!*بشار جرار
الدستور
اللهم اجعلنا من أهل اليمين. و»اختلاف أمتي رحمة» كما في الحديث الشريف، ولا خلاف يجوز أن يفسد للود قضية حتى وإن كان الحديث عن تصريحات على الواقف في الهواء على ارتفاع ثلاثين ألف قدم أو أكثر، أقامت الدنيا ولم تقعدها لدى المشتغلين بمهن الصحافة والتحليل وللأسف التنجيم كما يحلو للبعض. في إشارة على الهامش أسفل الصفحة، أحسن الإعلام في مصر الحبيبة صنعا بحظر ظهور المشعوذين والدجالين باسم علم الفلك!
بعيدا عن تصريحات الرئيس الأمريكي القديم الجديد أو المتجدد دونالد جيه ترامب الذي انتخبته ثلاثا لاعتبارات شتى أهمها روحية-أخلاقية اجتماعية-اقتصادية، ومن بعد في آخر سلّم الأولويات، السياسية. فالسياسة متحركة في طبيعتها لا ثوابت فيها إلا المبادئ والمصالح، أيهما تتقدم على الأخرى تلك مسؤولية قيادات الدول والناخبين وما بينها من بطانة صالحة بعون الله، تلك النخب التي تقول الحق ولا تخشى في الحق لومة لائم.
الحل الأمثل للتعامل مع أي إدارة هو البحث عن لغة مشتركة أولا، ومن ثم تطابق أو تقاطع المصالح وتحييد ما أمكن مما هو عصي على الاتفاق أو الحل، للمراحل الأخيرة كما في عملية السلام، أي قضايا الحل النهائي! قضايا كان من المفترض أن تحل قبل عقدين على أبعد تقدير.
هذا رئيس أهم ما أوصله إلى البيت الأبيض مرتين -وقد جاهر بعد التنصيب بأنه فاز بالانتخابات الرئاسية ثلاث مرات- إبداعه في التعبير عن قناعاته بشتى الوسائل المتاحة. قرارات وسياسات عبّر عنها عبر تويتر سابقا، «اكس» حاليا ومنصته «تروث سوشال» حتى «تيك توك» لم يوفره وبدّل قناعاته منه كمنصة مئة وثمانين درجة، بعد أن أنصت لنصيحة نجله الأصغر بارون في التواصل مع الناخبين لأول مرة بأي وسيلة ولغة يفهمونها، وقد كان. كسب الشباب وشرائح أخرى أحدث فيها فارقا أنكرته طوال الحملة الانتخابية الجهات «إياها» التي للأسف صارت وباء عالميا مكررا إلى حد الملل المستفز. ثمة سرديات أطلقتها جهات يتضح يوما بعد يوم أنها مع الاحترام تعيش في فقاعة على رأس برج عاجي مدبب في صحراء تبدو الرمال فيها ماء عذبا زلالا!
من الذين كسب أصواتهم ترامب الأميركيون من أصول لاتينية وقد أجرى استفتاء على الهواء في عدد من المهرجانات الانتخابية إن كان يفضلون تسمية «هِسْبَنِكْسْ» أم «لاتينوز»؟ ساخرا من استطلاعات وأبحاث قد تكلفه ثلاثمئة ألف دولار وهو قادر على معرفة الإجابة الصحيحة والدقيقة، فورا وبالمجان. من الناحية العملية ليست ب «بلاش» لأن حضور المهرجانات منبع ومنجم لجمع أموال المتبرعين بوسائل عدة أقلها تلك الطاقية ذات شعار «ماغا» وعلى جانبها رقمي «45 و47» في إشارة إلى رئاستي ترامب.
من درس، عاش، أو حتى زار أمريكا ولو لبضعة أيام، قادر على فهم بساطة الناس، أريحيتهم ووديتهم، وميلهم إلى التصديق والثقة والتعاون والحلول الوسط والعملية. على اختلاف مستويات وأعمار الأمريكيين داخل بلاد العم سام وخارجها، داخل القواعد العسكرية أو خارجها، ثمة حساسية مفرطة من الكذب، الفهلوة والبلطجة. من الأمور المرفوضة أخذ ضيافة المضيف مثلا على نحو وكأنه حق مكتسب أو تحصيل حاصل! الامتنان والصدق والعدل معايير في صميم النسيج النفسي للثقافة الأمريكية، بتوفرها كل شيء متاح. ما وصفه ترامب في خطاب التنصيب، العودة إلى «تحكيم المنطق» ووقف استغلال تيارات العولمة واليسار المتطرف لأموال دافع الضرائب الأمريكي، هو الذي سيعزز من قوة وشعبية قراراته وقد ارتفعت بالفعل إلى أرقام قياسية في أقل من أربعة أيام قال إنه حقق فيها لأمريكا ما عجز عنه سلفه جو بايدن في أربع سنوات. بصرف النظر عن السجال السياسي الداخلي، فإن قوة ترامب ونفوذه ستبقى متصاعدة على الأقل لعامين قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الذي يملك جناحيه الآن الشيوخ والنواب، ولكن بأغلبية ليست مريحة سيما عند اتخاذ القرارات التي تواجه مقاومة داخلية أو خارجية.
كلمة السر في بوابة ترامب هي يمين بيمين، والرقم المفتاحي: واحد واحد، واثنان فاصلة صفر! وإليكم أحبتي القراء الكرام التفسير، وهذا ليس على سبيل المزاح.
أقدر الناس على حوار الإدارة والكونغرس وحتى الدولة العميقة في هذه المرحلة لعامين على الأقل هم اليمين الأردني. كل الأردنيين وطنيون والناس كلها خير وبركة. لكن النشامى المبدعين في شتى صنوف الحياة وميادين العمل، يعلمون أن معظم ما لم يكن كل منطلقات وثوابت اليمين في العالم واحدة. من الأمثلة، أمن الحدود وملف الهجرة ومحاربة الإرهاب والمخدرات والانحلال الأخلاقي. في الإدارة -إدارة الاقتصاد والسياسة- هم الأقرب إلى اللامركزية والحد من تدخل الحكومة والقطاع العام في حياة الناس ومصالحهم وخصوصياتهم. صحيح أن اليمين في بلاد قد يتضارب مع توجهات أو خطط وحتى مخططات طرف أو أطراف أخرى، لكن على الأقل نملك لغة مشتركة وفرص أكبر لتقاطع المصالح. وهنا ميزة أخرى للثقافة الأمريكية خاصة بين الشركاء الحلفاء والأصدقاء، بأن «دعنا نتفق على اختلافنا على هذه أو تلك» وبعدها يواصل الجانبان العمل بكل ثقة وارتياح لأنهما تحدثا عما يوصف «بالفيل في الغرفة» بمعنى المكاشفة حول المخاوف والخلافات.
أما رموز الأرقام المفتاحية فهي طرح أمريكا أولا والأردن أولا أيضا، وأي طرف ثالث أو أكثر يدخل في أي موضوع للتفاوض. بهذا يتضح أن الرقم الأخير هو اثنان فاصل صفر، وهو التذكير الدائم لكل من أراد فهم ترامب وسياساته أو قراءتها أو توقعها بأنه ترامب الجديد والولاية الثانية. من الخطأ القاتل قياس ترامب اليوم بترامب الأول، لأن الدفعة أو الدفقة الأولى من قرارات ترامب الثاني وأوامره التنفيذية هي ما اختمر أربع سنين عجاف بين رئاستين حاول فيها أعداؤه وأعداء اليمين اغتياله مرتين.
ليت من تأخذه الحماسة في التعبير عن تنديده بمطالب أو أحلام التهجير والوطن البديل وهي مرفوضة قولا واحدا ليس أردنيا فقط بل ومن بعض أقرب وأشد مؤيدي ترامب أمريكيا وعربيا وحتى إسرائيليا، ليتهم يتوخون الدقة في رؤية الأمور بحجمها الطبيعي لا بعدسة محدّبة ولا مقعرة ويا ريت بدون فلاشات وموسيقى تصويرية!