عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Apr-2021

الدباس يكتب: بوحٌ في ذكرى الضمير* علي أحمد الدباس
خبرني - نكمل اليوم عدة السنين اثني عشرة سنة من الفقد بعد رحيلك عنّا في ذلك الصباح النيساني الماطر الغريب! انت لم ترحل عنا فقط يومها بل رحلت ايضاً عن محبوبتك التي سخرت لأجلها حياتك: الصحافة!
 
ولا زلتُ يا والدي الطيب كلما مرت الذكرى اعيشها مرة أخرى؛ استرجع الشريط عشرات المرات وأبحث فيها عن لحظة مواساة.... ولا أجدها لا في ذلك اليوم ولا في كل الايام التي سبقته ولا حتى في اللحظات الجميلة التي اختزنتها الذاكرة عنك؛ الا انني أجد مواساتي في سيرتك وسمعتك ونظافة يدك وانت الذي اطلقت عليك الاسرة الصحفية الاردنية لقب "الضمير" بناء على هذه السمعة! 
 
نعم أيها الضمير ؛ لقد شكل ضميرك الحي الذي ما مات معك أكبر مواساة لي؛ لكنه في الحقيقة كان طوال السنوات الماضية أول رقيبٍ عليّ.... أتحرى ضميرك في كل حرفٍ اكتبه و أتحراه أكثر في كل حرفٍ لا أكتبه! وهنا لعلك تغفر لي حين لا أكتب تجنباً للبعد عن الحق ؛ فأنا أقف بين برّين وغضبين .... إن كنتُ بارّاً بك في قبرك وكتبت الحق غضبت عليّ أمي وأنا أُبعَد عنها قسراً لما كتبت؛ وان اغضبتُك في قبرك رضيت عليّ أمي وأنا أكتب عن جمال ربيع بلادي في عز أزمتها! وعليه كلما تكرر الموقف أحكّم ضميرك في كل حرفٍ لا أكتبه! 
 
أكتب اليك هذا العام وقد سيطر وسمٌ على كل مواقع التواصل الاجتماعي لأيامٍ خلت يقول (( أبوي أحسن واحد )) .... فوقفت حائراً وانا ابن الضمير لأكتب مقالة تعبر عن كونك "أحسن واحد عندي"! وانت الذي عشتَ جريئا في مجتمع جبان ؛ صادقاً في زمن النفاق ؛ نظيف اليد والقلب رافضاً لكل ابتزاز وزاهداً في كل إغراء .... فعشت نظيفاً ورحلت نظيفاً .... لكن أعذرني يا أبي فحتى التفاخر بالآباء أصبح تهمة هذه الأيام! 
 
ولعلّي يا أبي أعتب عليك وقد تركت تركة ثقيلة من الأحباب ؛ من شمال الوطن الى جنوبه .... ورصيداً كبيراً من المحبة نلهث أنا ومحمد محاولين ادامتها بالتواصل والاطمئنان ودوام السؤال كما علمتنا .... في زمن أصبح فيه حتى التواصل مثار استغراب واستهجان ... فقد تغير الزمان كثيراً يا والدي الطيب وكثر العقوق وضاعت الوصايا! 
 
لكن هيهات أيها الضمير ان نضيع وصاياك العظيمة التي طالما رنت في آذاننا وها نحن نعيش صداها (( الرزق على الله والسمعة عند عباد الله )) وتلك البهية التي أحبها كثيراً (( الحق يا علي لو على قطع راسك )) وتلك التي لم أفهمها الا بعد ان بعثرتني الحياة في دروبها (( الدرب ولو طالت )) قاصداً درب الحق رغم صعوبته! وتأكد أيها الضمير الحيّ ان جل ما نسعى اليه ان نكون أولاد أبونا لا نخشى في الحق لومة لائم ؛ والتجارة حلال عندنا الا في الوطن؛ و نظافة اليد عندنا مقدمة على كل مغريات الدنيا ؛ ووضوح الخط مسطرته ضميرك ولا شيء غيره! 
 
وكما صدقت معنا في كل وعودك التي أثبتت لنا الحياة صدقها .... اعرفُ علم اليقين انك ما ندمت يوماً على كلمة حق وموقف حق وفزعة حق؛ وانه كما آمنت دوماً بأن على الحق جولات وصولات .... فإنه للحق جولة وحيدة أخيرة تميز الخبيث من الطيب وتنصف المظلوم! 
 
أبي صباحك جميلٌ في نعيمك الذي استحققته بضميرك النقي النظيف الصافي؛ واعذرني فلم أنشر هذا العام بوحي على قبرك في العيزرية لأن الدنيا "حظر" وتلك قصة أخرى لعلك تضحك عليها حين ارويها لك ذات بوحٍ آخر!