ربى الرياحي
عمان-الغد- قبل مجيء كورونا، كان هناك الكثير من القرارات المؤجلة التي رأى أصحابها أنه ما يزال لديهم الوقت الكافي لتحقيقها على أرض الواقع، وأن الحياة ما تزال تضمن لهم الفرص التي من شأنها أن تعطيهم حقهم في الركض وراء أحلام تأبى أن تكون وهما. لكن تأثر الجميع بجائحة كورونا، هذه الأزمة تحديدا جعلت الكثيرين يفكرون بأدق التفاصيل وفرضت عليهم البدء بتنفيذ بعض الخطط التي كانت مركونة على الرف. هم ولأنهم فهموا حقيقة أنه ليس هناك ما هو مضمون وأن قيمة اللحظة في أن تعاش لا أن تؤجل وتبقى رهينة الإهمال والكسل والتردد كان لا بد من حسم قرارات كثيرة عالقة آن لها الأوان أن تظهر للنور رغم كل الصعوبات والعراقيل.
التأجيل كان عنوانا ملازما لأيام الثلاثينية سهى عامر، هي وقبل أزمة كورونا اعتادت أن تعلق الكثير من الأمور خوفا من الفشل، وأيضا لاعتقادها بأن الحياة ملكها وبين يديها، وما يزال لديها الوقت الكافي لتحقيق ما تنوي تحقيقه.
حلمها بأن تكمل دراستها وتحصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء ظل رهين التردد مدة سبع سنوات حتى جاء الوقت الذي شعرت فيه بأن عليها أن تبدأ وتتخذ خطوة جدية نحو هدفها.
سهى أدركت وخاصة بعد جائحة كورونا والتغيرات التي صاحبتها أن الحياة بمفاجآتها قد تباغت كل التوقعات وتقلب الموازين، وأن من الأفضل لها أن تستغل اللحظة وتمضي بتحقيق حلمها الذي لطالما رأته حقيقة.
أما الأربعيني سيف، فهو أيضا رأى في كورونا حافزا لكي يتغير ويطور نفسه مهنيا، يقول إن صعوبة الأزمة دفعته لأن يفكر بنفسه والتركيز على نقاط مهمة وصقلها بالخبرة، حتى يستطيع تحسين مستواه الوظيفي ويكون قادرا على تقديم الأفضل ورفع إنتاجيته التي أضعفها الكسل والإهمال.
هو اكتشف، حتى وإن كان متأخرا، أن طريق النجاح بحاجة إلى التعب والمثابرة والابتعاد تماما عن فكرة التأجيل وترك الأمور معلقة.
التزامه بعمله وإصراره على أن يكون مميزا سببان جعلانه يبحث عن دورات تنفعه وتسهم في تطويره وتقوية كل نقاط الضعف لديه.
سيف تأكد من أن الأزمات رغم قسوتها، إلا أنها تقوي الإنسان وتوقظه على أمور لم يكن منتبها لها قبل ذلك.
أبو شادي هو الآخر يجد أن كورونا أيقظته على أهمية تقدير اللحظة والتخلص من التأجيل الذي لطالما كان سياسته في الحياة.
تخطيطه لشراء منزل طوال السنوات الماضية ظل مشروعا قيد الانتظار حتى جاءت الأزمة التي وعته على حقيقة مهمة، وهي أن أبناءه بحاجة ليشعروا بالاستقرار والأمان، وأن تأمينهم ببيت يكون ملكا لهم خطوة ضرورية كفيلة بأن تحميهم من غدر الحياة وتقلباتها.
ويذهب الأخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة إلى أن أزمة كورونا وما ترتب عليها من حظر وتوقف عن العمل والدراسة وغيرها من الأمور الأخرى جعلت الإنسان يعيش حالة من الفراغ، الأمر الذي ساعد الكثيرين على التفكير مطولا بتلك القرارات المؤجلة والعالقة. ويتابع “توقفهم عندها ودراستها بتركيز وتأنّ كان أمرا لا بد منه، ليستطيعوا البدء بتنفيذها واقعيا وإخراجها من دائرة الخوف والتردد”.
ويرى مطارنة أن هذه الفترة تحديدا غيرت الكثير وسمحت لأولئك الذين يتجاهلون قيمة اللحظة أن يستيقظوا ويستعيدوا قوتهم وإحساسهم بالحياة. مبينا أن أزمة كورونا ورغم ما فرضته من قلق وتوتر وترقب، إلا أنها حتما كانت مرحلة مختلفة بكل المقاييس أثرت على نظرة الناس بأشياء كثيرة حولهم ودفعتهم لأن يكونوا أشخاصا آخرين يقدرون قيمة اللحظة، ويستغلونها بالشكل الصحيح والنافع لهم.