عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Sep-2022

الشرق الأوسط والحرب على الإرهاب‏

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

‏ ‏‏روجر فان زوانبرغ‏ – (ويلث أند بور) 107/2022
‏لا يوجد مكان في العالم تكون فيه الأطروحة التي قدمتها في المدونة الأخيرة حول نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية أكثر وضوحًا مما كانت عليه في منطقة آسيا الوسطى، التي يطلق عليها اسم “الشرق الأوسط” بين الدول الغربية. كانت الدول الأربع، أفغانستان؛ والعراق في عهد صدام حسين؛ وليبيا تحت حكم العقيد القذافي؛ وسورية تحت حكم بشار الأسد، تحاول بطرقها الخاصة تطوير مجتمعاتها بحلول العام 2000. وكانت لدى هذه الدول الأربع جميعًا عيوبها وأخطاؤها؛ لكن هذه الدول كانت “تتقدم” على معيار التنمية -في التعليم العام، وتطوير البنية التحتية، والصناعات. وكما يعلم الجميع، فقد تعرضت هذه الدول الأربع علنًا لأنواع مختلفة من هجمة الآلة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة، إلى جانب قوى وكيلة في كثير من الأحيان. وقد دُمرت مدنها، وفر مواطنوها بأعداد كبيرة لدرجة أنهم صنعوا غزوا من اللاجئين في جميع أنحاء أوروبا -حتى أن استقرار الاتحاد الأوروبي أصبح مزعزعاً.‏
مرة أخرى، إذا نظرنا عن كثب، يمكننا أن نرى آلة الحرب الأميركية العملاقة قيد العمل ضد أي دولة حاولت تطوير شعوبها خارج آلية السوق التي يعشقها مستشارو الولايات المتحدة. ‏
‏على مدى السنوات الأربعين الماضية، عرفت أفغانستان الحرب، وعرفتها الدول الثلاث الأخرى لسنوات أقل، لكنَّ هذا كان كافيا للإطاحة بالحكومات المستقرة، وتسوية المدن بالأرض، وإفقار الناس على نطاق واسع. ولم يعان أي جزء آخر من العالم من مثل هذه الغزوات، ولذلك علينا أن نسأل: لماذا؟‏
التدمير الشامل للبلدان‏
‏ تم تبرير كل واحدة من هذه الغزوات للجمهور على النحو التالي:‏
• ‏أفغانستان في العام 2001، بسبب تفجير البرجين التوأمين في نيويورك في ذلك العام‏.
• ‏العراق، قيل أنه كان يمتلك أسلحة دمار شامل، وهو ما ثبت أنه غير صحيح.‏
• ‏ليبيا، بسبب سوء سلوك العقيد القذافي‏.
• ‏سورية، لحماية الشعب من زعيمه.‏
وبالإضافة إلى ذلك، تم تبرير كل واحدة من هذه الغزوات تحت شعار “الحرب العالمية على الإرهاب”. وتم تشويه سمعة قادة كل بلد على الملأ وشخصيًا في الصحافة الغربية. ومنذ ذلك الحين، ثبت أن العديد من التفسيرات التي قُدمت للغزوات كانت غير دقيقة جزئيًا أو كليًا. وخلال هذه الغزوات، تعرضت جميع المدن في هذه البلدان للقصف الشامل، وكما رأينا، خلق هذا أزمة لاجئين جماعية.
مع ذلك، فشل التحليل الغربي لأزمات اللاجئين بشكل منهجي في ربط حركة الناس بأنشطة الغزو الغربية. ولا يختلف الحجم الهائل لحركة الناس في القرن الحادي والعشرين عن التحركات الكبيرة للناس في جميع أنحاء أوروبا بعد العام 1945. وفي هذه المرة الأخيرة، كان تدفق اللاجئين إلى أوروبا مصدر إحراج عميق لجميع الحكومات تقريبا. لم تكن لديها فكرة تذكر عن كيفية التعامل مع هذه الزيادة الجديدة، باستثناء بناء الجدران لإبقاء القادمين خارج الحدود.‏
‏وكان هناك شيء مماثل يحدث على الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة، حيث حدثت موجة من اللاجئين الذين يسعون إلى دخول الولايات المتحدة الأميركية. وفي هذه الحالة، كانت الولايات المتحدة الأميركية عاكفة على محاولة بناء جدار.‏
كان السياسيون يتصرفون بشكل سيئ؛ لم تكن هناك محاولة تذكر، سواء في الولايات المتحدة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي، لربط تدفق اللاجئين بالغزوات التي قاموا بها هم أنفسهم. في السنوات الـ40 التي تلت العام 1960، قمعت الولايات المتحدة كل حركة في أميركا الوسطى حاولت تطوير شعبها ومواردها لأنها اشتراكية. والعواقب كانت الفقر، والمرض، والجوع، والهروب.‏
‏أثناء كتابة هذه التدوينة، تقلق قضية اللاجئين سياسات أوروبا والولايات المتحدة الأميركية على حد سواء. ولا تُبذل سوى محاولات ضئيلة -أو معدومة- لربط فيضانات اللاجئين بالغزوات وإيقاع الدمار بالبلدان التي يأتون منها. كما أن أفكار إعادة الإعمار غائبة ببساطة. وكمثال رئيسي واحد على ما عناه “إيقاع الدمار” بالبلدان في القرن الحادي والعشرين، أقدم سردًا موجزًا للأحداث في أفغانستان.
لكل جزء من العالم تم تدميره خصائصه الخاصة. وتظل دول أميركا الوسطى، والعراق، وسورية، وليبيا ومجموعة من الدول الأخرى كلها مختلفة. لكنها تبقى، بالمثل، متشابهة جميعاً: لقد واجهت كلها غضب أقوى دولة على وجه الأرض، الولايات المتحدة الأميركية، وتم قصفها وغزوها، مع القليل من محاولة إنهاء الغزوات وإعادة بناء البلاد.‏
لتوضيح كيف أصبحت فيضانات اللاجئين وتدمير أرض وشعبها، ربما، أكبر تحد للحفاظ على بقاء الإمبراطورية الأميركية واستقرار العالم الغربي في القرن الحادي والعشرين، سنستخدم مثالًا مهمًا واحدًا فقط: أفغانستان.‏
‏الحروب الأفغانية والإمبراطورية ‏
‏كان شعب أفغانستان في حالة حرب مستمرة منذ حوالي 40 عامًا متواصلة. وبدأ كل شيء من حرب أهلية اندلعت هناك في السبعينيات. وفيما يلي الخطوط العامة للحرب الأفغانية:‏
‏ 1 – ‏1973: الإطاحة بالملك ظاهر شاه في انقلاب برئاسة داود خان الذي كان مدعومًا من القوات المسلحة.‏
2 – حكَم داود من العام 1973 إلى العام 1978 بالتعاون مع الاتحاد السوفياتي.‏
3 – 1978: أطاح الحزب الشيوعي الأفغاني بداود الذي قتل في حرب أهلية، حيث قيل إن 100 ألف شخص لقوا حتفهم، ودعا الحزب الاتحاد السوفياتي للقدوم إلى أفغانستان ليقدم له الدعم.‏
4 – 1979: رتبت الولايات المتحدة الأميركية، بدعم من باكستان ودولة عربية غنية، غزو أفغانستان باستخدام مجموعة من المقاتلين الإسلامويين المتطرفين.‏
5 – 1989: هُزم الاتحاد السوفياتي وانسحب مرة أخرى إلى روسيا، ومنذ ذلك الحين سيطرت حركة طالبان على البلاد حتى العام 2001.
6 – أطلقت الولايات المتحدة الأميركية غزوًا واسع النطاق لأفغانستان في العام 2001؛ وأطاحب بحكم طالبان التي تمكنت من الانسحاب. وبقي الأميركيون هناك حتى أطاحت بهم مجموعة جديدة من مقاتلي طالبان في العام 2021. وتلقى الأميركيون الهزيمة على يد قوة قومية من المقاتلين المحليين. ولن يتفاجأ المرء بالتأكيد بحقيقة أن الولايات المتحدة تركت أفغانستان في حالة فقر مدقع ومجاعة.‏ ومنذ أوائل الثمانينيات، كان اللاجئون الأفغان ينتشرون إلى البلدان المجاورة، وخاصة باكستان وإيران.
كان هذا عرضاً موجزاً فقط لقصة الغزوات وأفغانستان في الحرب. وستكون قصة الإطاحة بنظام ملكي من أجل الانتقال بلد ما إلى التصنيع مألوفة لقراء هذه المدونات. لكنَّ هذا لم يكن ما حدث في هذه الحالة. كانت الحرب الباردة، وفرصة توجيه ضربة إلى الاتحاد السوفياتي في أفغانستان أكبر كثيراً من أن يقاومها الرجال القساة في وكالة المخابرات المركزية في واشنطن.‏
كان “المجاهدون” جيشًا تلقى الدعم والرعاية، وتم التخطيط له وإنشاؤه بعناية. وقدم الأميركيون المال والتدريب ومستودع الأسلحة لنحو 250.000 شاب إسلاموي يفكرون بمثالية ويناهضون للشيوعية، جاؤوا من آسيا الوسطى، (الشرق الأوسط)، لغزو ومهاجمة القوات السوفياتية في أفغانستان. وقد وفرت الأجهزة السرية في باكستان لهم ممرًا آمنا، ووفرت الدول العربية الموالية لأميركا الأموال اللازمة لتجنيدهم.
ثم بدأ الأميركيون غزوهم الخاص واسع النطاق لأفغانستان في العام 2001 ولم يغادروا أبدا إلى أن هُزموا عسكريًا في نهاية المطاف. ولطالما كان لدى الولايات المتحدة قوة نيران أكبر بكثير من خصومها، طالبان. لكن طالبان كانت هي الشعب الأصلي الذي لديه ذاكرة وتاريخ طويل من القتال من الثمانيات، اللازمة لتخليص البلاد من الغزاة. وكان مقاتلوها مهيئين لاستخدام تكتيكات حرب العصابات المستمدة من تجربة انتصار ماو في الصين. وربما تعلم الأميركيون من حرب فيتنام أن الناس الذين لديهم تاريخ ثقافي طويل يمكنهم تحمل قدر أكبر من الخسائر من أجل تخليص بلادهم من الغزاة. وكانت فكرة أفغانستان عن الحرية دائمًا، أولاً وقبل كل شيء، هي التخلص من الغرباء.‏
بحلول العام 2010، أصبح واضحاً للكثيرين أن الغزو الأفغاني كان غير قابل للنجاح. وبحلول ذلك الوقت، كان نحو 100 ألف جندي أميركي يتواجدون داخل البلد، و30 ألف جندي من حلف شمال الأطلسي، و100 ألف متعاقد خاص.‏
‏كان الأميركيون يعانون هم أيضاً؛ عشرات الآلاف من الجنود قتلوا، ومئات الآلاف منهم أصيبوا بجروح خطيرة لكنهم ظلوا على قيد الحياة، وهناك الجنود الذين يعانون من إجهاد ما بعد الصدمة ومعدلات انتحار أعلى 5 أو 6 مرات من غيرهم من نفس الأعمار. وعلى الجانب الأفغاني، يبدو أن أعداد القتلى غير معروفة؛ كانت الخسائر في صفوف المدنيين عالية جدًا. وبحلول العام 2010، كان لديهم واحد من أكبر أعداد اللاجئين في جميع أنحاء العالم، ناهيك عن النازحين والمشردين داخليًا.‏
وتشير التقارير إلى أن تكاليف الحرب بالنسبة للأميركيين بلغت نحو 700 مليار دولار على مدى 17 عاما، وتراوحت ما بين 50 إلى 100 مليار دولار سنويًا. والسؤال المهم هو: لماذا لم ينسحب الجانب الأميركي قبل أن يتم طرده بالقوة؟ كان كل شيء جربه الأميركيون قد فشل. وكان انسحابٌ منفذ بعناية خياراً ناضجاً بوضوح. لكن الأميركيين كانوا يزدرون المقاتلين المحليين وظلوا في البلد إلى أن طُردوا منه.
ثمة عشرات الآلاف من الرجال والنساء الذين اعتمدت حياتهم المهنية على كون أميركا في حالة حرب. لقد وسع البنتاغون نطاق عمله ليشمل عددًا كبيرًا من الأشخاص الذين يديرون الحرب. هناك مئات المباني التي وجدت من أجل خدمة آلة الحرب. وهناك شركات مقاولات وشركات دفاعية وبنوك ومجمعات سكنية نشأت لخدمة الحروب الأميركية في جميع أنحاء العالم. وتكسب هذه الجهات جميعاً من الحرب دخلاً كبيراً. وقد استفادت واشنطن العاصمة، كمدينة، من توظيف الأشخاص المشاركين في الحرب. وهذه كلها جهات تقتضي مصلحتها إدامة الحرب والتأكيد عليها.
وفي أفغانستان نفسها، وصل الأميركيون حاملين المساعدات في جيوبهم والتي تمكنت طالبان من الحصول عليها. وينفق الأميركيون ما يصل إلى 5 مليارات دولار سنويًا على الدعاية، وتجنيد شركات العلاقات العامة، والصحفيين، والعمليات النفسية للظهور أمام جمهور العالم وكأنهم يفوزون. وهم يجادلون بأنهم يجلبون “التقدم”. وتم إنفاق 130 مليار دولار على إعادة الإعمار (أكثر، بالقيمة الحقيقية، مما تم إنفاقه على أوروبا في العام 1948 في خطة مارشال). وهذه أموال غالبًا ما كان يسرقها المسؤولون الأفغان علنًا. وكثيرا ما يُزعم بجلب الحرية للنساء والفتيات في البلد، بالإضافة إلى رفع متوسط العمر المتوقع، لكن هذا لا أساس له من الصحة؛ لقد جعلت الحرب المستمرة التقدم في ذلك البلد شبه مستحيل.‏
كثيراً ما قوطِعت الانتخابات أو عانت من سرقة الأصوات على نطاق واسع. وكانت تجارة المخدرات فقط هي التي ازدهرت. وقد تلك معظم المسؤولين الأفغان رفيعي المستوى الأراضي المملوكة للحكومة التي تزرع بالخشخاش. وكان أحد أكبر بارونات المخدرات شقيق الرئيس كرزاي. ومن المعروف أن الطائرات العسكرية الأفغانية تنقل المخدرات إلى خارج أفغانستان. وقد قدم برنامج القضاء على الخشخاش 10 ملايين دولار نقداً لمحافظي المقاطعات الذين نجحوا في إزالة مستوى معين من محصولهم، وهو وضع مثالي للتخلص من المنافسين.‏
كما أصبح التعذيب أمرًا روتينيًا في السجون الأفغانية؛ وأصبح استعباد الأطفال جنسياً أيضًا أمراً طبيعياً. وزادت الحرب العالمية على الإرهاب في أفغانستان من عدد الأشخاص المستعدين لمعارضة الولايات المتحدة الأميركية. وازدادت أعداد طالبان وتبلورت شخصيتها، إضافة إلى المنظمات الشقيقة لها على مدى السنوات الـ20 الماضية في شكل تنظيمي القاعدة و”داعش”. وليس من الصعب رؤية أن استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية المتمثلة في الحرب التي لا تنتهي، كانت وما تزال فشلاً ذريعاً.‏
تقدم الرواية أعلاه ملخصاً موجزاً للسياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط والحرب على الإرهاب. وما تظهره هو أن حياة الناس قد دمرت. وتكرر ظهور نوع ما بعد العام 1945 من الأزمات العالمية في أشكال جديدة في القرن الحادي والعشرين. وتواصل الولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب حلفائها الأوروبيين، استخدام قوتها لتدمير أفغانستان، بالإضافة إلى جميع البلدان في كل أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يجب أن يكون قد أصبح واضحًا الآن أنه لا يمكن أن تكون هناك نهاية للاضطرابات في مجتمعاتنا في أوروبا، أو إيقاف صعود “القاعدة” أو “داعش”، -ليس إلى أن يتم وقف هذه الحروب فحسب، ولكن حتى تبدأ هذه المجتمعات في إعادة بناء نفسها. وسوف تكون مراجعة تجربة بنوك التنمية في اليابان وألمانيا بداية جيدة.‏
 
*د. روجر فان زوانينبرغ Roger Van Zwanenberg: عمل أولاً كمؤرخ أكاديمي أفريقي من العام 1969 إلى العام 1975، ثم تحول إلى ناشر للكتب فأنشأ “مطبعة زد” Zed Press في العام 1975 وانتقل إلى “كتب بلوتو”Pluto Books في العام 1987. وظل ناشرًا في Pluto حتى العام 2011. وعند تقاعده في عام 2012 ، وسع محفظة اهتماماته إلى العمل الخيري والمجلات الأكاديمية. وخلال هذه جميعاً نشر روجر على نطاق واسع حول الشؤون الفلسطينية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Middle East and The War on Terror