عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Sep-2025

هل تذهب واشنطن لمحادثات مع "حماس" لفك مأزق الاحتلال؟

 الغد-محمد الكيالي

في خطوة جديدة ضمن مساعيها لإيجاد مخرج للأزمة المستمرة في قطاع غزة، نقلت الولايات المتحدة أمس وفق ما أوردته القناة 11 العبرية، المبادئ الأساسية لمقترح اتفاق شامل إلى حركة حماس. 
 
 
ويأتي هذا التحرك في إطار الجهود الأميركية الرامية إلى دفع عملية تفاوضية قد تفضي إلى وقف الحرب وإنهاء ملف الأسرى، ووضع أسس لترتيبات سياسية وأمنية جديدة داخل القطاع.
ويعكس الانخراط المباشر لواشنطن مع الحركة، على الرغم من تصنيفها في الولايات المتحدة منظمة إرهابية، بحسب محللين، براغماتية سياسية تتجاوز الشعارات التقليدية. فالإدارة الأميركية تدرك أن أي تسوية تخص غزة لا يمكن أن تتحقق من دون التعامل مع حماس كطرف أساسي في المعادلة، خصوصا في ظل تعثر الخيار العسكري أمام التعقيدات الميدانية التي يواجهها جيش الاحتلال. 
ويبدو أن واشنطن تسعى من خلال هذه المقاربة إلى توجيه رسالة واضحة لحليفتها العبرية بأن استمرار الحرب بلا أفق سياسي لم يعد خيارا قابلا للاستمرار.
ويعكس هذا التحرك في الوقت ذاته مزيجا من الاعتبارات التكتيكية والإستراتيجية، فمن جهة تهدف واشنطن إلى تجنب انزلاق دولة الاحتلال في عملية عسكرية طويلة الأمد محكوم عليها بالفشل، ومن جهة أخرى تسعى للحفاظ على مصالحها الإقليمية، خصوصا في ظل تنامي الملفات الساخنة في المنطقة وعلى رأسها الملف الإيراني. 
وعليه، فإن الجهود الأميركية تبدو متركزة على صياغة صفقة توقف النزيف في غزة وتعيد ترتيب الأولويات بما يتيح للولايات المتحدة وحلفائها التفرغ للتحديات المقبلة.
واشنطن تبتلع الموس 
من هنا، يؤكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية الأردنية الدكتور بدر الماضي، أن الولايات المتحدة مهتمة بشدة بالصراع المباشر بين دولة الاحتلال والفلسطينيين، وتجد نفسها مضطرة للتعامل مع هذا الواقع المفروض. 
وأشار إلى أن هذه الإستراتيجية ليست بجديدة على السياسة الأميركية، مستشهدا بتعامل واشنطن مع حركة طالبان وهي منظمة وحكومة غير معترف بها رسميا.
ويرى الماضي أن الولايات المتحدة تبرر تعاملها مع مثل هذه المنظمات أحيانا كجزء من سعيها للحفاظ على مصالحها العالمية، لافتا إلى أن وجود محتجزين أميركيين بين الأسرى الصهاينة لدى حركة حماس في قطاع غزة، دفع واشنطن إلى ممارسة دور الوسيط في بعض الأحيان وإن كان ذلك لا يغير من جوهر سياستها تجاه الملف الفلسطيني.
وشدد على أن الولايات المتحدة ستبقى الداعم الأول والأهم لدولة الاحتلال، مؤكدا أنها لا تبالي بما يجري على الأرض في قطاع غزة، بل تهتم فقط بمصلحة الكيان الصهيوني أولا وأخيرا.
وفيما يخص التوترات الأمنية، أوضح الماضي أن التقديرات الأميركية والإسرائيلية تشير إلى أن الأمور تسير وفق ما هو مخطط له، ولا يوجد أي خوف من أن تتسع رقعة الصراع لتحدث اضطرابات في العالم العربي أو الإسلامي. 
وقال إن هناك تقديرا أميركيا صهيونيا يفيد بأن القضية الفلسطينية لم تعد مركزية في أذهان الكثير من المسؤولين العرب، وأن الشعوب العربية لم تعد قادرة على التعبير عن موقفها بفاعلية.
وشدد الماضي على أنه لم يتبق سوى دول قليلة مثل الأردن ومصر معنية بشكل مباشر بالوضع شعبيا ورسميا، مؤكدا أنه لا توجد مخاوف حقيقية وفقا للتقييمات الصهيونية والأميركية، من أن تؤدي أحداث غزة إلى انفجار أمني إقليمي يهدد مصالح واشنطن وتل أبيب.
الحل لا يفرض بالقوة 
من جانبه، أكد المحلل السياسي والخبير الإستراتيجي الدكتور منذر الحوارات، أن انخراط واشنطن بشكل مباشر في محادثات مع حركة حماس رغم تصنيفها "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة، يعكس براغماتية سياسية تتجاوز الشعارات والتصنيفات المعلنة. 
وأضاف الحوارات: "الولايات المتحدة تدرك أن حماس طرف لا يمكن تجاوزه في أي تسوية، خصوصا ما يتعلق بغزة، سواء في ملف الأسرى أو في إعادة ترتيب أوضاع القطاع بعد الحرب. ومن هنا، فإن هذا الانخراط يوجه رسالة مباشرة إلى دولة الاحتلال مفادها أن واشنطن لن تسمح باستمرار الحرب من دون أفق سياسي، إذ أصبح واضحا أن الحل في غزة لا يمكن أن يفرض بالقوة وحدها، وإنما عبر إعطاء كل خيار وزنه واعتباره لأسباب مستقبلية تدركها الإدارة الأميركية".
وحول ما إذا كان هذا التوجه يعكس تحولا في أولويات الإدارة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية أم أنه مجرد خطوة تكتيكية مرتبطة بملف الأسرى، أوضح الحوارات: "الأقرب إلى الواقع أنه تحرك تكتيكي مشروط، ولا يمكن اعتباره تحولا إستراتيجيا". 
وأضاف إن "إدارة ترامب، على سبيل المثال، كانت تتعامل مع الملف الفلسطيني من زاوية الأمن لدولة الاحتلال والصفقات مع خصومها، وليس من زاوية الاعتراف بالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني أو بشرعية مقاومة حماس للاحتلال".
وتابع: "الهدف الأساس اليوم هو إنهاء ملف الأسرى لتخفيف الضغط الداخلي على دولة الاحتلال، ومن ثم استخدام ذلك كإنجاز يمهد لفرض ترتيبات جديدة في غزة. لذلك، أرى أن الأمر يدخل في إطار التكتيك وليس أبعد من ذلك".
وفي ما يتعلق بمدى ارتباط هذا التحرك الأميركي بالخشية من انفجار الوضع الأمني في غزة وانتقاله إلى جبهات أخرى، أكد الحوارات: "بلا شك، هذا التحرك يعكس أيضا قلقا أميركيا من اتساع نطاق الحرب إلى الضفة الغربية أو إلى جبهات أخرى قد تعود إلى الاشتعال من جديد". 
وأضاف: "من الواضح أن الولايات المتحدة لا ترغب بانفجار الأوضاع في الضفة، خاصة مع ما تشهده من اقتحامات يومية. كما أنها تدرك أن استمرار المعركة بلا مخرج إنساني وسياسي سيدفع نحو موجات فوضى إقليمية تهدد مصالحها ومصالح حلفائها الأقرب، مثل الأردن ومصر ودول الخليج. ومن هنا، جاء تدخلها المباشر مع حماس كخطوة استباقية لاحتواء أي تصعيد قد يخل بالتوازنات في المنطقة".
وقال الحوارات: "هذا الانخراط الأميركي مع حماس لا يتعدى حدود البراغماتية الاضطرارية، وهدفه المباشر إنهاء ملف الأسرى والتوصل إلى وقف لإطلاق النار". 
وأضاف: "مع ذلك، لا يمكن استبعاد أن واشنطن تفكر على المدى البعيد في إعادة تأهيل حماس كفاعل سياسي لا يمكن تجاوزه. فالمحصلة النهائية تكشف أن أي تسوية تخص غزة أو القضية الفلسطينية بشكل عام، لن تكون ممكنة من دون التعامل مع حماس، وهو ما يشكل اعترافا ضمنيا بثقل الحركة رغم كل التصنيفات".
جيش الاحتلال بمواجهة التعقيدات 
بدوره، أكد الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبو زيد، أن التصريحات الأميركية الأخيرة تكشف عن إدراك واضح من جانب واشنطن بأن خيار التعبئة العسكرية الواسعة في قطاع غزة أصبح غير قابل للتنفيذ، نظرا للصعوبات الجمة التي يواجهها جيش الاحتلال الصهيوني. 
وأوضح أن هذا الإدراك يتجلى في تصعيد اللهجة الإعلامية الأميركية نحو تعزيز المفاوضات وفتح الأبواب أمام الحلول الدبلوماسية، خاصة بعد زيارة قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال براد كوبر إلى تل أبيب، والتي جاءت في أقل من 12 ساعة تقريبا. 
ويبدو، بحسب أبوزيد، أن كوبر أدرك تماما مدى التعقيدات التشغيلية في العمليات العسكرية، إلى جانب الإرهاق الآلي الذي يعانيه الجيش الصهيوني، بالإضافة إلى التحديات المتعلقة بالعنصر البشري وإمكانية التعرض لخسارة مدوية في مدينة غزة. 
ويعتقد أن هذه العوامل مجتمعة تفسر الارتفاع الملحوظ في حدة الخطاب الإعلامي الأميركي باتجاه تعزيز المسار الدبلوماسي، مع الانخراط المباشر في المفاوضات لمنع الجانب الصهيوني من الاستمرار فيها، ليس بدافع من التعاطف مع المقاومة أو مع غزة، بل كمحاولة لإنقاذ دولة الاحتلال من الغرق في عملية عسكرية فاشلة يدفع بها اليمين المتطرف، وهي عملية لا يريدها الجنرالات أنفسهم.
وأضاف: "هذا التوجه لا يعكس تحولا جذريا في أولويات الولايات المتحدة، بل هو في جوهره أولوية أساسية تهدف إلى تجنب تورط الكيان الصهيوني في حملة عسكرية محكوم عليها بالفشل." 
وزاد: "بالإضافة إلى ذلك فإن واشنطن لديها ترتيبات إقليمية ودولية أخرى ترغب في التركيز عليها وإعطائها الأولوية، بدلا من أن يظل ملف غزة مستنزفا كل جهودها الدبلوماسية، فالاستمرار في العمليات العسكرية أصبح أمرا مزعجا، يدركه الجنرالات الأميركيون جيدا، خاصة مع الخسائر الجسيمة التي يتكبدها جيش الاحتلال، والمشكلات الداخلية التي تحول دون إمكانية إنجاز مثل هذه العمليات". 
وتابع أبو زيد: "لذلك، فإن هذا النهج يمثل محاولة على المستوى الجيو إستراتيجي من قبل واشنطن لإعادة تشكيل المنطقة كأولوية قصوى، من خلال إنقاذ دولة الاحتلال من قبضة الفكر اليميني المتطرف الذي يصر على دفعها نحو تورط عسكري غير مثمر".
ونفى أن يكون هذا التوجه نابعا من مخاوف أميركية من تفجر الوضع في غزة، إذ إن الوضع هناك تفجر بالفعل منذ زمن، ولا لأن واشنطن تخشى انتقال هذا التفجر إلى جبهات أخرى، بقدر ما تحاول إقناع دولة الاحتلال بإعادة ترتيب أولوياتها، أي وقف العنف في قطاع غزة وإنهاء العمليات العسكرية هناك، ثم حل قضية الأسرى في القطاع، قبل الانتقال إلى باقي الملفات. 
وقال: "يبدو أن الملف الإيراني قد أصبح الأولوية الرئيسة بالنسبة لواشنطن، لذا، يظهر أن الجهود الأميركية تركز على إقناع الجانب الإسرائيلي بالتوجه نحو وقف إطلاق النار، لتتفرغ بعد ذلك لمواجهة إيران، خاصة في ظل العقبات التي تواجه المفاوضات الإيرانية مع الولايات المتحدة والأطراف الأوروبية". 
ولفت قائلا: "بدأت إيران تلمح إلى أنها لن تجلس إلى طاولة التفاوض مع واشنطن إلا بضمانات دولية وأميركية ملموسة بشأن ملفها النووي".
وفي سياق كل هذه العوامل، يعتقد أبوزيد أن واشنطن تسعى إلى إعادة ترتيب أولويات المنطقة ككل، وأولويات دولة الاحتلال بشكل خاص بما يخدم مصالحها الإستراتيجية في المنطقة.