عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Jun-2025

ليبراليون عرب جدد خانوا تراثهم!*يوسف عبد الله محمود

 الغد

أخجل والله حين أسمع عبر الفضائيات إلى مثقفين عرب ينتمون إلى الليبرالية الجديدة وهم يسلقون عروبتهم وتراثهم القومي بالسنة حِداد وكأنهم "مستشرقون" غربيون انسلخوا عن هويتهم العربية! 
 
 
هم يتباهون بأنهم ليبراليون، وكأن الليبرالية الحقيقية تعني الانسلاخ عن الهوية! 
 
هم منحازون بالكامل إلى النسق الغربي الذي يرى الحضارة العربية حضارة متخلفة، وعليه ينبغي "تمدين" أصحابها من عرب ومسلمين ولو اقتضى ذلك استخدام "العنف"! 
هؤلاء الليبراليون الجدد العرب يرون ما يراه المستشرقون القدامى من أن العقلية الغربية الأرية هي العقلية التي ينبغي أن تسود وان العقلية السامية الشرقية متخلفة وينبغي أن تخضع لحياة المدنية وهم الغربيون طبعاً! 
الم يقل المستشرق أرنست ريناه بذلك وتبعه آخرون رأوا أن العقلية السامية ضحلة لا يمكن رفع سويتها وتخليصها من حالة "الاستنقاع" إلا بالعصا أي بالعنف! 
الليبراليون العرب الجدد يحاولون تزييف الحقائق وإبراز محاسن العقلية الغربية على حساب القيم والمشترك الإنساني بين الحضارات! وعليه فهم –مع الأسف- يعتبرون الحضارة الغربية هي الحضارة المتفوقة دون منازع غير ناظرين إلى عيوبها وقرصنة أصحابها من الأمبرياليين. 
هم لا ينظرون إلى هذا "المشترك الإنساني" الذي يجمع بين الشعوب. 
"ان نظرية التمايز بين الأنساق تعني موت وحدة التاريخ البشري وبالتالي مقولة التقدم التراكمي للإنسانية". (انظر: "الماركسية في البحث النقدي" ص 187، تأليف د. فؤاد خليل، دار الفارابي، بيروت) 
نظرية التمايز هذه هي التي دفعت مفكرا عربي الجذور هو الراحل د. ادوارد سعيد أن يرد بموضوعية وعلى نحو جدلي على هؤلاء المستشرقين وأمثالهم من المثقفين العرب القابعين في أميركا وأوروبا. ينعمون بسخاء النظام الرأسمالي عليهم مقابل جلد عروبتهم وتراثهم القومي! 
ما أسوأ أن ينسلخ المرء عن هويته! ما أرذل أن يطعن في هذه الهوية! 
ادوارد سعيد تصدى للاستشراق بصفته عامل هدم للمشترك الإنساني أصحابه ومناصروه هم مُسيسون بامتياز ما عدا القلة منهم! 
الليبراليون العرب الجدد هم مع "الاستشراق" قلبًا وقالبًا. تراهم يدافعون بحرارة واستبسال عن "العولمة" التي يرون فيها السعادة للجنس البشري! 
وهنا فإني أحترم مسيحيين عربا أمثال أنور عبد الملك وفيليب حتي وادوارد سعيد ممن تصدوا للاستشراق الذي يقرّظ النظام الرأسمالي ويقسم العالم إلى قطبين مختلفين: احدهما غربي متفوق والآخر شرقي متخلف! 
الليبراليون العرب الجدد الذين يعيشون في الغرب على السخاء الذي يجدونه من الأنظمة الرأسمالية هم فاقدون لهويتهم باعوها بأرخص الأثمان. تراهم يدافعون عن "العولمة" بسماتها الحالية متجاهلين خطاياها، بل هم يرون فيها مزايا! 
ما يقوله الناقد الكبير د. فيصل دراج في أمثال هؤلاء الذين اشتق لهم اسم "الأكاديميون العرب الجدد"، في حين اسميتهم "اللبراليون الجدد"، "هناك شريحة من هؤلاء الأكاديميين العرب الجدد يجمع أفرادها في ملامحهم الاستشراق الاستعماري القديم والموضوعية الزائفة وتزوير الرسالة التنويرية". (مرايا في الفكر المعاصر، ص 43، منتدى الفكر العربي، تأليف: كاتب هذه السطور). 
انهم، وكما يشبههم د. دراج، يشكلون موضوعيًا صورة مقلوبة للشيخ السلفي ما دام انهم يقرأون الظاهرة الدينية بلغة دينية من دون تأمل" هم "يربطون بين الإسلام والإرهاب"، بدعوى انهم يدافعون عن العقلانية والاستنارة! 
أمثال هؤلاء الأكاديميين العرب هم عبء ثقيل على الهوية الوطنية والقومية. "يرتاحون إلى التصفيق في قاعات ضيقة معادية غالبًا للعروبة والإسلام". (د. دراج، المرجع السابق ص 44) 
عصرنا اليوم يفتح ذراعيه للانتهازيين من المثقفين عربًا كانوا أم غير عرب. هؤلاء باعوا أقلامهم لمن يدفع أجرًا أعلى من غيره. 
وهنا فإني ألوم بعض أنظمتنا العربية التي احتضنت أمثال هؤلاء المثقفين الذين يزيفون الحقائق وبخاصة إذا كانت حقائق وطنية لا يجهلها صاحب بصيرة! 
إن تبيع قلمك يعني أنك قد تخليت عن هويتك القومية، وصرت بوقًا للآخر تدافع عن وجهة نظره التي تناقض القيم الأخلاقية والإنسانية. 
نَهّازوا الفرص من المثقفين العرب الذين أساءوا إلى مفهوم "الليبرالية" الحقيقي يومًا ما سيتساقطون، لأنهم يزيفون واقع الحياة. يحاولون باستخدامهم بعض الصيغ التقدمية في كتاباتهم تغطية عوارهم المكشوف. هذا الاستخدام المراوغ بات لا يصدقه عاقل.