عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Nov-2020

أمام هيبة الموت: ما أسخفنا..!!*حسين الرواشدة

 الدستور

تصور لو ان عزرائيل طرق بابك على حين فجأة، وانتزع منك روحك بلا استئذان، بعد ساعات سيمتلئ الفضاء الافتراضي بما فيه من وسائل للتواصل الاجتماعي بإعلانات النعي، سيدعون لك بالرحمة، وسيتذكرون مآثرك، ان كان لك مآثر، ثم يوارونك التراب في اقرب مقبرة، وينفضون من حولك، قد يذرف عليك الاحبة والاعزاء دموعهم، قد يتذكرونك في بعض اللحظات، لكن – تأكد – ان قصتك انتهت، وانك أصبحت مجرد «ذكرى»? لا تدري، ربما تكون جميلة.
هي «الدار» الدنيا يا صديقي، ادنى من ان تتعلق بها، فلا تخف، الموت بالنسبة لك لا يعني شيئا، فطريقك الى «الدار» الاخرة هو غايتك منذ ان تفتحت عيونك على هذا الواقع الممتلئ بالتعب والكبد، ارجوك لا تصدق «سرديات» التخويف من سوء المآل الذي ينتظرك، ولا تظن ان الموت « قبر مظلم «، اذا كنت تعرف الله الذي خلقك، وتحبه، فانه يحبك، وستكون بين يديه، وهو ارحم الراحمين.
لا تظن ان « موجة « الموت التي تداهمنا في هذا العام، مرتبطة بوسم « كورونا «، الموت لا علاقة له «بالأسباب « الا في قواميس العباد، وذلك من سنن الله في هذا الوجود التي قدر فيها ارتباط النتائج بالأسباب لحكمة التدافع التي أرادها الله عز وجل، فبكسبة زر من عزرائيل تصعد الأرواح في لحظات الى السماء، تماما كما انك بكبسة زر تبعث برسائلك عبر منصات التواصل الى الالاف ممن يهمك ان تصل اليهم.
اجمل ما في الموت انه يمضي بك الى منصة الرحمة والعدالة، ويفتح امامك أبواب الشوق الى مصيرك الخالد، كما يفتح لمن تحب أبواب الشوق اليك، فاتصالهم بك وحضورك بينهم في الزمان الممتد اسهل بكثير فيما لو كنت بينهم، الموت – هنا – للأعزاء الذين يشعرون بفقدك وغياب جسدك عنهم « فرصة»  لتلاقي الأرواح، وتطهير الضمائر?  وتبادل الرسائل والمشاعر الدافئة الصادقة.
لا يوجد « نعمة « تتقدم على نعمة الموت، فهو مدرسة نتعلم فيها دروس الصبر والحزن والاشتياق، ونتلقى على مقاعدها حروف الهجاء الأولى للمحبة متى نحتاجها فلا نجدها الا على بوابات الذكرى، ما أتفهنا – يا صديقي – حين نتصارع على دنيا نهايتها الموت، ما اسخفنا حين نتبادل الكراهية والضغينة والحقد على «منصات « دنيا عابرة، وما اضعفنا حين نبحث عن «النجاة» في أي صيدلية حتى لو كان الدواء مجرد «وهم» ؟ وما اجهلنا حين نعتقد ان هذه « الدنيا « كل شيء، وغايتنا من كل شيء، ثم نفتح عيوننا على موت الاخرين وكأنه خبر عابر، مع أن « رحيلهم « هو رحيلنا القادم، وموتهم مجرد « بروفة « لموت ينتظرنا على عتبة الباب.
رحم الله أعزاءنا الراحلين.. وما اكثرهم، وتقبلهم في رحمته، وألحقنا بهم مع عباده الصادقين الصالحين.