عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Feb-2021

من أوراق المئوية: الأردن والعراق في فكر الملك المؤسس*محمد يونس العبادي

 الراي

من بين أوراق الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، يستوقفك نص، يظهر كم حاز العراق، على مساحة في فكر الملك المؤسس، وبتعابير أدبية لها مدلولات تاريخية عميقة.
 
إذ يقول طيب الله ثراه، إنه «لا ظلام للمبصر، ولا عشوة للمتمكن، ولا تردد لمن رزق البصيرة، ولا خوف على من يعرف الحق ويصرح به، هذا لذلك لا عجب إن قلت إن العراق وأهله».
 
ويضيف بالقول في وصف أهله أنه هناك «من تسمى منهم بسني أو انتسب شيعياً، ثقة آل البيت، والقلب النابض من أجلهم، والبلاد التي عرفت بهم، وعرفوا بها، جيل ثراها بدمائهم..»، عادا سجاياهم التاريخية بأنهم لطالما «جادلوا فيها أهل الزيغ.. فالكوفة بعلمها وفقهائها ونحوها وصرفها واعلامها، والبصرة بأدبائها ونحاتها، خدام العلم وأمناء العربية والاسلام، وبالجملة فالعراق في الصدر الأول، وان حصلت فيه بعض الرجات وتردد حيناً لكنه نفض عنه كل تلك الشوائب، وتمخض فصار موئلاً للحق ومركزاً للصراحة ووطناً للإباء، وهادياً الى طريق الصواب.
 
والملك المؤسس، امتلك فلسفة عميقة في نظرته للتاريخ الإسلامي، وأدواره، إذ يرى بأن «الذي وقع في أوائل التاريخ الاسلامي من تشبت عرفه الناس لتبديل وضع جاءت به الرسالة، وسار عليه الخليفتان، ومشى عليه عثمان رضى الله عنه من الست السنين الأولى من عهده، كل ذلك يرى الناظر ما هو العراق ومن هم أهله».
 
ويؤكد النص على مركزية دور العراق خلال هذه الأحداث فهو يحوي الرافدين، ويعتصم في البعد عن متناول اليد في كل ناحية من نواحيه، لهذا نجد العراق يقول الحق ولا يبالي من قال عنه كيت كيت.
 
ويحاول النص فهم جغرافيا أحداث التاريخ الإسلامي، ومسرحها الجغرافي ما بين الأردن والعراق، «وكذلك حال الاردن فالدعوة الهاشمية كانت به في طفليته البلدة المعروفة منه، وفي أردنه الأكبر، حيث كان الامام محمد بن الحنفية، وعلي بن عبد الله بن عباس، فكانت تصدر عن الاردن الإشارات والإرشادات الى أبي مسلم الخراساني حتى استقر الأمر، وكانت الاعصر العربية الزاهرة». ويستحضر الملك المؤسس في شرحه للدعوة العباسية، قول الشاعر:
 
"إذا قيل خيل الله يوماً ألا اركبي وددت بكف الأردني انسيابها»
 
كما أن» آل البيت من نسل الحسن والحسين، فلم يدع أحدهم الى دنيا يريدها، ولا الى ملك يعضضه، ولكنهم كانوا كلما شاهدوا تامة في حائط البناء الاسلامي دعوا الى رتق الفتق، وتشييد البناء وكان في كل وثبة من هذه الوثبات، تنبيه لعباد الدنيا، والراغبين في الملك، والمعروفين بالترف وما يجره الترف، فكانوا بدمائهم حفاظاً للحق، خداماً له، وفق النص.
 
ويشرح الملك المؤسس الحاضر العربي في عهد ما بعد النهضة، في ضوء مقاربة مع التاريخ، بقوله «إذا نظر الناظر الى ما هو صائر بعد الثورة العربية من تجادل هنا وهناك، فإنما هو داء قديم، وأمر غير مبتدع، ومع ذلك فان الله لبالمرصاد».
 
وأهمية هذه الرؤية في أنها تشرح ما تأسس عليه الحكم الهاشمي في العراق والأردن في حملهما مشعل الوحدة والتقوى، واستهداف الحق، رجاء انضواء كل متحير تحت لوائهما، والتظلل بظل الوحدة والعروبة المحضة، لا يضرهما تكالب أرباب المنافع الذاتية أو الدعاية المغرية، والأغراض التي لا تميل إلى شيء من التقدم والسلامة ما يثبت أن الذين يريدون حبس العرب ومنع تقدمهم ليسوا في العراق، لا في الاردن.
 
هذا النص، يحمل مقاربة تشرح المشروع الهاشمي في بواكيره، وسعيه إلى وحدة متصلة جغرافيا وفكريا، في ضوء فهم الشخصية التاريخية العربية وتفاعلها مع متغيرات أفضت إلى تأسيس عهود عربية كالعصر العباسي، وفي تاريخنا الحديث ما وفرته الثورة العربية من فرصة مماثلة، بالإضافة إلى الإشارة لدور العراق والأردن بعدها.
 
ولربما يشرح هذا النص أيضا، وجها ومن وجوه الحاضر والفهم الأردني للعراق ليس كشقيق وجار وحسب، بل مقدرة البلدان على النهوض بواقع مشرقنا العربي، نظرا لجوامع التاريخ والجغرافيا.