عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Sep-2025

"استوديوهات أوليفوود" بالأردن: بوابة لصناعة المحتوى الإبداعي عربيا وعالميا

 الغد-إسراء الردايدة

 منذ أن أعلنت مجموعة MBC عن اختيارها الأردن لتصوير الموسمين الجديدين من برنامجي "ذا فويس" و"ذا فويس كيدز" داخل استوديوهات أوليفوود، تغيرت موازين المشهد الإعلامي في المنطقة، لتضع الأردن مجددًا تحت الأضواء، لا كوجهة سياحية أو حضارية فحسب، بل كمركز إنتاج إبداعي منافس. 
 
 
هذا التحول ليس وليد الصدفة، بل نتيجة بنية تحتية متطورة، سياسات تحفيزية جريئة، واستراتيجية واضحة تديرها الهيئة الملكية الأردنية للأفلام بالتعاون مع استوديوهات أوليفوود، التي باتت تمثل اليوم ركيزة أساسية في تحديث الاقتصاد الوطني عبر الصناعات الإبداعية.
 اختيار الأردن شهادة ثقة واستثمار 
في تصريح خاص لـ"الغد" بين رئيس مجلس إدارة استوديوهات أوليفوود، رجا غرغور،: "اختيار الأردن لتصوير برنامجين عالميين بحجم ذا فويس وذا فويس كيدز يشكّل شهادة على المكانة المتقدمة التي باتت تحتلها المملكة في مجال الإنتاج الإعلامي والفني." هذه ليست مجاملة دبلوماسية، بل انعكاس مباشر لثقة منتجين كبار مثل MBC في القدرة الأردنية على تقديم محتوى بمعايير إنتاجية رفيعة.
غرغور يضيف أن هذا الاختيار "يعكس الثقة المتزايدة في البنية التحتية الأردنية والقدرات التقنية التي توفرها استوديوهات أوليفوود"، ويؤكد أن هذا النجاح نتيجة تراكمية لجهود متواصلة من عدة جهات وطنية. اختيار الأردن لم يأتِ في فراغ، بل كان نتاج عمل تشاركي جمع بين القطاعين العام والخاص، واستفاد من تراكم الخبرات المحلية، والتوجه الجاد نحو تمكين الصناعات الإبداعية.
البنية التحتية: من رؤية إلى واقع ملموس
تجهيزات أوليفوود ليست مجرد حائط صوتي وكاميرات، بل منظومة متكاملة تجمع أحدث التكنولوجيا والخدمات اللوجستية والإدارية. يقول غرغور: "استوديوهات أوليفوود وفّرت بيئة إنتاج متكاملة بمعايير عالمية، تشمل استوديوهات تصوير مجهزة ضمن أحدث المواصفات، وخدمات لوجستية، ودعم فني، وكوادر محلية مدربة."
هذه المنظومة لم تكتفِ بتقديم خدمة فنية، بل بنت علاقة ثقة مع المنتجين من خلال الالتزام، والدقة، والجودة. مواقع التصوير الخارجية التي استخدمت في البرنامج من العاصمة عمّان إلى الصحراء ووادي رم  لتعكس التنوع الجغرافي والثقافي الذي يتمتع به الأردن، مما يتيح للمشاهد العربي والعالمي اكتشاف الأردن من زوايا جديدة.
الحوافز المالية: عامل حاسم في جذب الإنتاجات الكبرى
من أهم أسباب جذب الأعمال الضخمة إلى الأردن هي الحوافز المالية الذكية والمدروسة. الحكومة الأردنية، ومن خلال الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، أقرت مؤخرًا حزمة شاملة من الحوافز، أهمها نظام Cash Rebate هذا النظام يسمح باسترداد مالي يتراوح بين 25 % و45 % من الإنفاق داخل الأردن، حسب نوعية الإنتاج وحجمه ومدى دمجه للعناصر الثقافية الأردنية.
غرغور يوضح: "نظام الحوافز المالية، من خلال الهيئة الملكية للأفلام، يلعب دوراً محورياً بجذب هيك نوع من الإنتاجات، لأنه يعطي قيمة تجارية مضافة للشركة المنتجة، وبذات الوقت له انعكاسات اقتصادية إيجابية على الأردن."
إلى ذلك، تشمل الحوافز إعفاءات ضريبية وجمركية على المعدات المستوردة، وإعفاءات على ضريبة الدخل للأجانب، مما يخفض الكلفة الكلية بنسبة كبيرة ويجعل الأردن منافسًا قويًا في سوق الإنتاج العالمي.
فيما المردود الاقتصادي لم يقتصر على الشركات الكبرى، بل امتد ليشمل شريحة واسعة من المجتمع. 
يشرح غرغور: "يشارك بالمشروع مئات الفنيين والكوادر الأردنية بمختلف أقسام الإنتاج، وستشارك أكثر من 16 شركة أردنية في مختلف مراحل التنفيذ."
هذه الشركات قدمت خدمات في التصوير، الإضاءة، إدارة المواقع، النقل، الضيافة، وحتى تصميم الأزياء، ما خلق سلسلة توريد اقتصادية محلية فاعلة. كما سيسهم المشروع في تشغيل الفنادق بشكل غير مسبوق، حيث سيصل عدد الليالي الفندقية المحجوزة أكثر من 11,000 ليلة.
بناء الكفاءات: من التدريب إلى التمكين
في موازاة التشغيل، شكّلت التجربة فرصة تدريبية غير مسبوقة. يشير غرغور إلى أن: "هذه التجربة فتحت آفاق جديدة أمام الكوادر الأردنية، خصوصاً الشباب، لأنهم تعاملوا مع إنتاج غير تقليدي وموجه لجمهور ضخم."
الأمر لم يقتصر على التوظيف، بل يشمل تدريباً عملياً مباشراً ضمن مواقع التصوير، وتطوير مهارات العاملين على التعامل مع ضغوط الإنتاجات السريعة والكبيرة. هذه الخبرات باتت اليوم قيمة مضافة للكفاءات المحلية، ما يمهد الطريق لمزيد من الفرص في المستقبل.
 وبات الإنتاج الفني اليوم أداة رئيسية للترويج السياحي. غرغور يقول بوضوح: "الإنتاج الفني هو أحد أقوى أدوات الترويج السياحي، لأنه بيعرض الأردن بصورة طبيعية وغير مصطنعة."
مشاهد "ذا فويس" لم تكن فقط داخل الاستوديو، بل تتوزع على 10 مواقع في المملكة، من بينها معالم طبيعية وتاريخية. مما يسمح للمشاهد العربي بالتعرف على جماليات الأردن خارج الكليشيهات السياحية التقليدية.
 منافسة إقليمية بواقعية ومرونة
عند الحديث عن المنطقة، لا يمكن تجاهل المنافسة مع دول مثل الإمارات، السعودية، ولبنان. لكن غرغور يلفت إلى ميزة الأردن النوعية: " ما يميز الأردن ليس الحوافز وحسب، وإنما الكفاءات البشرية، القوانين الفعّالة، والاستقرار السياسي والاجتماعي."
هذه المزايا جعلت الأردن ليس فقط موقعاً آمناً ومنخفض التكلفة، بل بيئة محفزة للإبداع، حيث يلقى المنتج الدعم من كافة الجهات، من الحكومة إلى القطاع الخاص.
استوديوهات أوليفوود لا تكتفي بالإنجازات الحالية. هناك رؤية طموحة لزيادة عدد الإنتاجات الأجنبية والمحلية. يقول غرغور: "نعمل حالياً على توسيع شبكة علاقاتنا مع شركات الإنتاج العالمية والعربية، ونخطط لإطلاق حملات ترويجية تستهدف الأسواق الأوروبية والخليجية."
كما يجري العمل على تطوير مرافق جديدة، وتوسيع نطاق الحوافز، بما يعزز القدرة التنافسية للمملكة، ويفتح المجال أمام استقطاب إنتاجات سينمائية ودرامية وبرامجية على مستوى عالمي.
وفيما يمر المشهد الإعلامي العربي في حالة تحوّل، إذ يقف الأردن اليوم في مركز هذا التحول، فاستوديوهات أوليفوود لم تعد فقط موقعاً لتصوير بعض المشاهد، بل أصبحت مختبراً لصناعة المحتوى، ومنصة لتصدير الصورة الأردنية إلى العالم.
يقول "هدفنا أن يصبح الأردن مركزًا للإنتاج الإبداعي، وأن تصل القصص الأردنية إلى الجمهور العربي والعالمي، بهذه الرؤية، الأردن لا ينافس فقط، بل يقود. والسؤال القادم لم يعد: لماذا الأردن؟ بل: ما الخطوة التالية لهذا المركز الإبداعي الصاعد؟".