عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Sep-2024

"الطيب صالح تفتيت العالم": أحاديث في الأدب والفكر للباحث الزهي‎

 الغد-عزيزة علي

 يقول مؤلف كتاب "الطيب صالح تفتيت العالم: أحاديث في الأدب والفكر"، الباحث المغربي محمود الزهي، إن الطيب صالح يعد أحد أعلام الرواية الذين كان لهم الفضل في علو شأن الأدب السوداني والعربي عموما، فأعماله ترجمت إلى لغات، ونالت شهرة عالمية منذ رواية "عرس الزين"، مرورا بـ"مريود"، ورائعته "موسم الهجرة إلى الشمال"، وغيرها.
 
 
ويضيف الزهي، في مقدمة كتابه الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، أن الأعمال الأدبية والفكرية لصالح استطاعت أن تجد لها مكانا في نقاشات وأبحاث الطلاب والمفكرين والساسة، وفي سياقات اعتبرها البعض انعكاسا لتوجه إبداعي جديد لأقلام من العالم الثالث، وسعيها الحثيث لمواجهة الهيمنة الغربية، وانتفاضة على زيف الواقع، وتردي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ومنهم من عدها تمردا على الكتاب الكلاسيكية الموغلة في التبسيطية والإنشائية الكلامية.
 
ويشير المؤلف إلى أن صالح استطاع أن يبرز مكانة الفضاء الجنوبي وقدرته على الإبداع، وسلك مسارات من الحياة الإنسانية فنا وأدبا في المستوى نفسه وأكثر مما هو عليه الحال في بلدان الشمال. وقد طرق -ارتكازا على تكوينه المتشعب- قضايا الناس، امتزج فيها الحزن بالفرح، واليأس بالأمل، والثقافة العالمية بالثقافة الشعبية، واللغة الفصيحة بالعامية التي عزا غرض توظيفها في أعماله إلى رغبته في التعبير بشكل صادق عن شخصياته دون القول بقدرتها على شغل وظيفة الفصحى.
ويرى الزهي أن صالح لم يغفل الإشارة للمنجز الأدبي العربي، وذكر أعلام التنوير والإصلاح من المحيط إلى الخليج، ممن امتلكوا فكرا وروحا إبداعية واجهوا بها ويلات الاستعمار ومخاض الاستقلال.
يقول المؤلف إن هذا الكتاب يضم مجموعة من مقالات وحوارات أجراها صالح في فترة زمنية مهمة من حياته، حيث يستطيع القارئ أن يلمح جزاء من شخصيته الأدبية، وانشغالاته الفكرية، وسعة اطلاعه، وصداقاته التي اكتسبها عبر أسفاره ورحلاته الكثيرة، فقد نشر مراجعات لنصوص تاريخية وسياسية، وشارك في ندوات دولية، وعقد لقاءات وحوارات مع قنوات وجرائد ومجلات في بريطانيا، وعلى طول خريطة الوطن العربي.
يوضح المؤلف أن القسم الأول من الكتاب الذي جاء بعنوان "مختارات من نصوص الطيب صالح"، يناقش كتابات اعتنت بتاريخ السودان وإفريقيا، وما احتوته من معلومات عن مواردها البشرية والطبيعية، ومقوماتها الحضارية الغنية المستمدة من تنوع ثقافاتها ولغاتها وأنماط إنتاجها، موضحا نقاط القوة التي تحتاج إلى البحث بغية الاستجابة لتحديات العصر، وذلك برسم خطط تنموية تستحضر التنوع الحاصل في مكونات المجتمع، واختلاف أنماط حياة الرحل والمستقرين، وتباين حاجيات الجهات. وعليه، فالتنمية تحمل في ثناياها أبعادا مركبة تشمل التعليم والصحة والإدارة والبنية التحتية والاقتصاد...الخ.
ويقول المؤلف إنه من خلال هذه المجموعة يكشف الطيب صالح عن محاولاته الشعرية الأولى ودفاعه عن اللغة العربية، كما لم تخلُ نصوصه من نقد مزدوج "للنماذج الحزبية والنضالية"، التي اشتغلت في الساحة العربية، وما شابها من شوائب التزمت والتعصب والانكفاء على الذات، كما يذكرنا صالح بالمناقشات التي تلت المرحلة الكولونيالية، تقدمتها أسماء حذرت من المغالاة والتطرف الفكري والعقدي، وفي ذلك كتب غسان كنفاني (رفض الحزبيون الماركسيون فهم طبيعة المجتمع العربي.. ورفضوا أن يعترفوا بأي "تقدمية"، تفوق "تقدميتهم").
وفي القسم الثاني الذي حمل عنوان "حوارات مع الطيب صالح"، وفيها يظهر الجانب الفكري الموسوعي عند صالح، وهو يحسن إدارة حواراته الإذاعية ولقاءاته الصحفية، ومحاضراته العلمية؛ حيث سيكتشف القارئ في هذا القسم جانبا من رؤيته لسبل تغيير العالم العربي، عبر البحث في الماضي، وفهم الأخطاء، واحترام الخصوصيات، وإدراك تشوهات وفوضى الفكر والمفاهيم التي أحدثها الاستعمار. وتصوره هذا قائم على نقد جذري لأزمة التفكير التي كانت وما تزال تترسخ إلى اليوم بشكل مهول، المتصلة بسؤال "ماهية بدائل التغيير التي تلزمنا استجابة لتحديات العصر؟ إن الخوض في هذا الموضوع يتطلب إضافة إلى الوقت والجهد وصياغة قرارات ومشاريع تتسم بالفعالية، مقدارا بالوضوح والمسؤولية والاجتهاد، دون الوقوع في الصراعات التي تعمق التناقضات وتكرس الهزيمة في مستوياتها المختلفة".
ويشير الزهي إلى أن صالح بهذه الحوارات يذكرنا بأفكار جيل مخلص من المفكرين والباحثين الذين حفلت بهم المجتمعات العربية بعد الاستقلال، بيد أن أفكارهم تملكها الانقطاع والتشطير دهرا منا لزمن، ولم تترجم عمليا في الواقع، بسبب الاتجاهات السياسية الضيقة المحاربة لمقومات الإصلاح، وما أفرزته من تنامي العثرات وتعميق الهوة بين الشعوب، ويتضح ذلك في محاصرة النخب وتكميم أصواتها وطردها من دائرة النظر والمشاركة وإبداء الرأي، وإرغامها على الهجرة أو الاندماج في السياق السياسي العام باسم الخصوصية والوحدة الداخلية، أو تحت ضغط المال والقهر، والوصول بها إلى الظل وقطع صلاتها بكل نشاط إبداعي فاعل وتوجيهها لتبرير سياسة الأنظمة والدفع بالمعرفة نحو العموميات السطحية والجماليات والخيال والغيبيات، قد نجحت في الحد من قدرتها على استنباط الأدوات اللازمة لإنتاج معرفة تفتح منافذ الحرية والتطور.
ويرى المؤلف أن الواقع المتردي عرقل عملية الإبداع العربي، وساهم في جموديته، ونكوصه، وهناك شواهد كثيرة، فكلما أطل علينا عمل متميز إلا وتعرض لمنعه، كما واجهت أعمال صالح نفسه، وأعمال أدباء ومفكرين آخرين من أمثال "قاسم أمين، علي عبد الرازق، طه حسين، لويس عوض، نجيب محفوظ، فرج فودة، محمد شكري، نصر حامد أبز زيد، مهدي عامل وغيرهم كثير".
وخلص الزهي إلى أن صالح عمل على دحض خطاب التفوق الغربي، وحث على تفكيكه كي تتبدى أوهام الانبهار، راميا بذلك نزع عقدة الاندهاش والاستسلام من ذهنية الإنسان العربي، وترسيخ ثقافته والدفاع عنها، بإدراك واع لإسهاماته الحضارية التي تمثل أحد المداخل الأساسية للخروج من عقدة الإحساس بالدونية، والاقتصار على التلقي والاستهلاك، مبينا أن صالح أكد أن للأدب قدرة على استنهاض الهمم وإحياء الذاكرة، فمن "الأشياء المهمة جدا التي يفعلها الفن والأدب إيقاظ الذاكرة الجماعية للأمة، ولا بد أن تتذكر الأمة أنها ليست بهذا الدونية وأنها بالقطع صاحبة اكتشافات علمية وصاحبة حضارة إسلامية سامية".