عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Jul-2024

الحرب المفتوحة قدر لا راد له| عيسى الشعيبي

سوشيال ميدبا- 

نحن الآن في خضم صيف شرق اوسطي بالغ السخونة والخطورة والصعوبة، حيث تجف الأعشاب في الحقول وتنضج الثمار في الكروم، وتتدافع الذكريات الأليمة عن حروب سابقة نشيت جلها في فصل الصيف. وعلاوة على ارتفاع درجات الحرارة في هذا الموسم الطويل، ترتفع ايضاً سقوف التوقعات والاستدراكات والهواجس، بحدوث ما لا يُحمد عُقباه، ليس في حالة الطقس والأنواء، وانما في فضاء المناخ السياسي العام، وفي الميدان، على اديم منطقة ذات قابلية مُفرطة للاشتعال عند أول عود ثقاب، يُلقيه عابر سبيل عابث على هشيمها المشبع بالزيت الخام والتربص والاحتقان، او يدسه تحت برميل البارود دسّاس.

 
في الذاكرة الغضة، وفي الملفات ومحركات البحث، نجد ان المعارك الكبرى والوقائع الحربية التاريخية، جرت في فصل الصيف، سيما في شهر يونيو/حزيران، الذي شهد عدوان الخامس منه عام 1967، وفي السادس منه جرى قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981، وفي السابع من شهر الحروب هذا كان اجتياح بيروت عام 1982، الامر الذي يثير لدينا التحسب الشديد حيال مقبلات الأيام، ويذكي الهواجس إزاء ما قد يحدث في هذا الصيف اللاهب، كما يحث بالضرورة على مد الابصار الى الامام، لترقّب ما قد تحمله الأيام المقبلات من متغيرات.
 
والحق ان لكل حرب منطقها الخاص بها، ولديها ديناميتها الذاتية المتفردة، سيرورتها ومخاضها، وفوق ذلك سياقاتها، وليست كل الحروب تقع دائماً بتخطيط مسبق، ولا تنشب جميعها عن سابق إصرار وتعمّد، لكنها تحدث في واقع الامر، تخرج عن السيطرة، تتوسع وتتصاعد على نحو مفاجئ، رغم اعلان جانبيها ان لا رغبة لهما في الاشتباك، وانهما زاهدان في شر القتال، فيما يواصلان، في الوقت ذاته، الاستعداد لها على قدم وساق، في السرّ والعلن، انطلاق من ادراك متبادل لحقيقة ان الهوة بينهما عميقة، وان التسويات والحلول الوسط شبه معدومة، وبالتالي فإن الواقعة المؤجلة واقعة لا محالة، تماماً على نحو ما تلهج به ألسنة الجنرالات الآن، وتشي به الملاسنات والمعارك الدائرة في البر والجو والبحر.
 
صحيح ان الأطراف المعنية بسؤال الحرب هذا تكبح جماح نفسها بمشقة، وتتجنب الوقوع في غواية الحرب الإقليمية الكبيرة، غير ان هذه الحالة لا تنطبق بالضرورة على دولة الاحتلال المتحفزة للانتقام ورد الاعتبار، منذ ان فقدت هيبتها، وانكسر انفها قبل تسعة اشهر ثقال، حيث باتت دولة المجانين تقف اليوم امام خيارات استراتيجية، تتراوح كلها بين صعبة وصعبة جداً ومستحيلة، سواء تعلّق الامر بصفقة تبادل الاسرى، الواقعة في دائرة الخيارات الصعبة، او الاستمرار في حرب استنفذت اغراضها في غزة، هذه الواقعة بدورها في نطاق الخيارات الصعبة جداً، او اتصل الامر بفتح جبهة غير مضمونة النتائج، وباهظة الكلفة، في الشمال الخرب المحترق، وهذه هي بعينها ام الخيارات المستحيلة.
 
فلا دولة الاحتلال الغارقة في رمال غزة قادرة على فتح جبهة جديدة، قد تزيدها وهناً على وهن، وقد تقلع ما تبقى من انياب كلب موشيه ديان المسعور جداً، ولا هي من جهة مقابلة تستطيع العيش هكذا مردوعه مثخنة، تتعرض لحرب استنزاف مديدة، وتهديد متعاظم لبنيتها التحتية ومرافقها الحيوية وممتلكاتها الاستراتيجية، الامر الذي سيُنزلها ، والحالة هذه، على ركبتيها في نهاية مطاف قصير.
 
وعليه، فان من المنطقي الاعتقاد انه إذا كانت الحرب المرتقبة مؤجلة الى اجل قد لا يكون طويلاً، لأسباب لها علاقة بالعديد والعدة الإسرائيلية، ناهيك عن جملة طويلة من العوامل الذاتية والموضوعية، فان ذلك لا يعني على الاطلاق ان الحرب الانتقامية قد سقطت عن اجندة دولة جن جنونها، وتمزقت روحها، وباتت تتحسّب لغدها الملتبس أكثر من حاضرها، الامر الذي يمكن الافتراض معه ان الذئاب الجريحة سوف تحشد كل ما تستطيع حشده من عناصر قوة مكتسبة، لمعاودة الكرّ، ولو بعد حين، وترميم تلك الصورة المكسورة،
 
اليوم، كل طرف بات اسير صورته وسرديته وخطابه ورؤيته لذاته، فلا المساندون لغزة في وارد تحطيم مرآتهم عن انفسهم، وتبديد ما استثمروه من صبر ودم وموارد طائلة، لتظهير جدية وحدة الساحات، وتعزيز بنية المحور الممانع، كما لا تستطيع آخر دولة احتلال، بالمقابل، ان تعيش تحت وطأة خطر مصيري داهم، قد يوقف الهجرة من الخارج، ويسرّع وتائرها العكسية من الداخل، ويُفقد الاستيطان جاذبيته الى الابد، ويُزعزع الدولة والجيش والمجتمع، الامر الذي يجعل من المعقول للغاية، استنتاج فرضية ان الحرب لدى قتلة الأنبياء والأطفال والنساء هي بمثابة تحصيل حاصل مؤجل الى حين لن يكون طويلاً، لكنه مجرد مسألة وقت، حتميّ ولا راد له في المدى المنظور.