الدستور
إذا كان غير اليهودي قد خُلق على هيئة الإنسان، فما ذلك إلا ليكون لائقًا لخدمة اليهود الذين خُلقت الدنيا من أجلهم- الحاخام يسرائيل آرييل، عبارة أساسية في المنهاج التعليمي الصهيوني.
أظهر استطلاعٌ أجراه معهدُ سياسةِ الشعبِ اليهودي أنَّ سبعةً من كلِّ عشرةِ يهودٍ يعيشون في فلسطينَ المحتلَّة يؤيِّدونَ الخطةَ التي طرحها ترامب في غزة، عبرَ دفعِ سكانها نحوَ الأردنِّ ومصر، معتبرينَ أنَّها خطةٌ عمليَّةٌ يجبُ متابعتُها.
ولكنَّ الأغلبيَّةَ الساحقةَ من العربِ الذينَ يعيشونَ في فلسطينَ المحتلَّةِ عامَ 1948 يرفضونَ هذه الخطة. أمَّا بينَ اليهودِ الذينَ عبَّروا عن رفضِهم لها، فكانَ سببُ الرفضِ أنَّها غيرُ عمليَّة، رغمَ أنَّها مرغوبة، ما يرفعُ العددَ الحقيقيَّ للمؤيِّدينَ إلى أكثرَ من ثمانيةٍ من كلِّ عشرةِ يهود.
ورأى أقلُّ من اثنينِ من كلِّ عشرةِ يهودٍ فقط أنَّها غيرُ أخلاقيَّة. ويُبيِّنُ الاستطلاعُ أنَّ ثلثَ ما يُسمَّى بـ»اليسارِ الإسرائيليِّ» يرفضونَ هذه الخطة.
لهذا الاستطلاع دلالةٌ واحدةٌ: أننا أمامَ مجتمعٍ مريضٍ يؤيِّدُ طردَ السكَّانِ من أرضِهم للاستيلاءِ عليها. وهوَ نفسُ المجتمعِ الذي رأى 88% منه أنَّ جيشَهُ كانَ «إيجابيًّا» في الإبادةِ التي ارتكبَها، فيما عارضَ 60% منهم إيقافَ الحربِ، حتَّى لو أدَّى ذلكَ إلى مقتلِ جميعِ أسراهم.
هذا الانحطاطُ الأخلاقيُّ متجذِّرٌ في صُلبِ العقيدةِ الصهيونيَّة، فلو لم يكنِ المجتمعُ على هذه الشاكلة، وما لم تكنِ الدولةُ كيانًا قائمًا على الفصلِ العنصريِّ، حيثُ تحظى مجموعةٌ بمعاملةٍ تفضيليَّةٍ على حسابِ الآخرينَ الذينَ تُسرقُ أراضِيهم ويُقتلون، لانهارَ المشروعُ الصهيونيُّ برمَّته. إنَّه النموذجُ ذاتهُ الذي قامت عليهِ الدُّولُ الاستعماريَّةُ المبنيَّةُ على الاستيطان؛ فمثلًا، كانَ يُستخدَمُ في الولاياتِ المتحدةِ المصطلحُ: «الهنديُّ الجيِّدُ هو الهنديُّ الميِّت»، وقد نُقلَ هذا الشِّعارُ إلى كافَّةِ الأدبيَّاتِ الصهيونيَّةِ وحُرِّفَ ليُصبِحَ: «العربيُّ الجيِّدُ هو العربيُّ الميِّت». وما عليكَ، أخي القارئُ العزيزُ، إلَّا أن تستمعَ إلى مشجِّعي فرقِ الصهاينةِ وهم يهتِفونَ علنًا في ملاعبِ أوروبا: «اقتلوا العرب!».
يُربَّى الصهاينةُ منذُ نعومةِ أظفارِهم على كراهيةِ الآخرين، وخاصَّةً العرب، من خلالِ منظومةٍ مؤسسيَّةٍ مترابطةٍ تشملُ المناهجَ التعليميَّةَ والإعلامَ والبيئةَ الاجتماعيَّةَ والخدمةَ العسكريَّةَ والتربيةَ الدينيَّة. فتكونُ النتيجةُ مجتمعًا مشوَّهًا، مريضًا، ومجرمًا. لذا، فلا عجبَ أنَّ المجتمعَ الصهيونيَّ يُسجِّلُ أعلى نسبةِ متحرِّشي الأطفالِ في العالم، حتى إنَّهُ يُطلَقُ عليهِ «الملاذُ الآمنُ لهم».
يتجلَّى هذا المرضُ في الإبادةِ الجماعيَّةِ التي قامَ عليها المشروعُ الصهيونيُّ منذُ أنْ دخلَ فلسطين، وفي احتفالاتِ الصهاينةِ وهم يدمِّرونَ المنازلَ في غزَّة، ويرقصونَ في شوارعِها ومنازلِها بكلِّ همجيَّة. كما يظهرُ في صورِ الأسرى الفلسطينيِّينَ الذينَ خرجوا من معسكراتِ الاعتقالِ الصهيونيَّةِ، متحدِّثينَ عنِ الإهاناتِ والتجويعِ والاغتصابِ الذي تعرَّضوا له. بل إنَّ تقاريرَ تتحدَّثُ عن استشهادِ 58 معتقلًا في السجونِ الصهيونيَّةِ منذُ السابعِ من أكتوبر.
أظهرَ استطلاعٌ أجرتهُ صحيفةُ «هآرتز» عامَ 2011 أنَّ 61% من الرجالِ لا يعتبرونَ الاغتصابَ خطأ، في حينِ أنَّ 7% فقط يرفضونَ الاغتصابَ الزوجي. وفي عامِ 2022، ذكرتْ صحيفةُ «جيروزالم بوست» أنَّ جيشَ الاحتلالِ تلقَّى 1542 شكوىً تتعلَّقُ بالاعتداءِ الجنسيِّ، لكنَّهُ لا يأخذُ هذه الشكاوى بأيِّ جديَّة.
كانت المفاجأةُ في هذا الاستطلاعِ أنَّ نسبةَ ما يُسمَّى بـ»اليسار» لا تتجاوزُ 7% من المجتمعِ الصهيوني، ما يعني أنَّنا أمامَ مجتمعٍ يُشكِّلُ اليمينُ المتطرِّفُ 90% منه. ومعَ مرورِ الوقتِ، يزدادُ التطرُّفُ في هذا المجتمع؛ ففي دراساتٍ مشابهةٍ أُجريت في تسعينياتِ القرنِ الماضي، كانت نسبةُ المؤيِّدينَ لطردِ الفلسطينيِّينَ من وطنِهم تتراوحُ بينَ 40% و50%. لذلك، في نهايةِ المطاف، سيأكلُ هذا المجتمعُ نفسَهُ!