عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Dec-2024

مشروع يوليسيوس*إسماعيل الشريف

 الدستور

سيتفاجأ العرب ذات يوم أننا أوصلنا أبناء «إسرائيل» إلى حكم بلادهم -جولدا مائير.
 
يقول الخبر إن الصهاينة أطلقوا عملية للبحث عن رفات إيلي كوهين، أحد أشهر جواسيسهم عبر التاريخ، والذي عمل في سوريا قبل أن يُكتشف أمره ويُعدم عام 1965.
 
وُلد إيلي كوهين في الإسكندرية وهاجر إلى فلسطين المحتلة عام 1957. جندته المخابرات الصهيونية وأرسلته إلى سوريا تحت اسم مستعار، «كامل أمين ثابت»، حيث تظاهر بشخصية رجل أعمال سوري ثري. استطاع كوهين بناء شبكة علاقات واسعة مع كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين في سوريا، مما مكّنه من نقل معلومات حساسة ساهمت في نجاح الكيان في حرب عام 1967.
 
تذكرت وأنا أقرأ هذا الخبر تقريرًا غريبًا قرأته قبل سنوات على منصة «إكس» عن مشروع «يوليسيوس» التابع للموساد. زعم كاتب التقرير أنه يتم حذفه في كل مرة يُنشر فيها. حاولت العودة إليه لاحقًا، لكنني فشلت في العثور عليه. ومع ذلك، وبعد بحث طويل، اكتشفت أن مجلة «7 أيام» التابعة لصحيفة يديعوت أحرونوت قد نشرت تحقيقًا عن هذا المشروع.
 
في عام 1950، أطلق الصهاينة تحت إدارة الموساد مشروعًا استخباراتيًا حمل اسم «يوليسيوس»، أسسه مدير الموساد آنذاك، أيسر هايل. استُوحي اسم المشروع من مشروع أمريكي سري أطلقته وكالة الاستخبارات الأمريكية خلال الحرب الباردة، وكان هدفه الأساسي تتبع وتحليل حركة الشحن البحري العالمي لرصد أي نشاطات مشبوهة مرتبطة بالاتحاد السوفييتي. اعتمد المشروع على شبكة من الجواسيس وتقنيات متطورة لجمع المعلومات وتحليلها.
 
قام مشروع «يوليسيوس» على فكرة زرع جواسيس صهاينة داخل المجتمعات الفلسطينية، ثم توسّع ليشمل المجتمعات العربية أيضًا. اعتمد المشروع على قيام عملاء الموساد بانتحال هويات فلسطينية، حيث تزوّجوا من سيدات فلسطينيات، وأنجبوا أطفالًا، وعاشوا بين الفلسطينيين والعرب كجزء لا يتجزأ من نسيجهم الاجتماعي.
 
خضع المجندون، وغالبًا ما كانوا شبابًا صغارًا من اليهود المهاجرين من الدول العربية، لتدريبات مكثفة وشاقة استمرت ثمانية عشر شهرًا، لم ينجح في دورتها الأولى سوى تسعة مجندين فقط. شملت التدريبات دراسة الإسلام، اللهجات العربية، العادات والتقاليد، الثقافة، إلى جانب تقنيات التجسس والتخريب. وبعد اجتياز البرنامج، كانوا يُمنحون هويات مزورة ليتم زرعهم في المجتمعات الفلسطينية والعربية.
 
تشير التقارير إلى أن أحد أبرز اختراقات مشروع «يوليسيوس» كان لمنظمة التحرير الفلسطينية في بدايات تأسيسها. فقد تمكن اثنان من العملاء الذين عملوا في البرنامج، أحدهما يُدعى أوري إسرائيل ويحمل اسمًا عربيًا مستعارًا «عبد الهادي»، من حضور اجتماع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية. خلال ذلك، تم وضع أجهزة تسجيل في حوائط القاعة، مما أتاح تسجيل تفاصيل الاجتماعات بالكامل.
 
بعد ذلك، قدّم العملاء تقريرًا مفصلًا إلى رؤسائهم في الموساد، تضمن اقتراحًا باغتيال قادة المنظمة، المرحومين ياسر عرفات وخليل الوزير. غير أن القرار كان برفض هذا المقترح، حيث فضّلوا إدارة الصراع بدلًا من إنهائه بالقضاء على قادته.
 
يكشف مشروع «يوليسيوس» عن مدى تغلغل الموساد في المجتمعات العربية، حيث تجاوز العمل الاستخباراتي التقليدي إلى الانخراط العميق داخل النسيج الاجتماعي والثقافي لتلك المجتمعات. ولعل هذا البرنامج هو أحد الأسباب وراء اغتيال مئات من قيادات حزب الله في المعارك الأخيرة، واغتيال عشرات الضباط الإيرانيين، مما كان له الأثر الكبير في تغيير موازين القوى. ولا ننسى بالطبع الإبادة الجماعية التي يمارسها الكيان في الضفة الغربية وغزة، إلى جانب استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
 
لا شك أن هناك عملاء للموساد كما يُقال: «منا وفينا».
 
إنه لأمر مرعب أن يتزوج أحد هؤلاء العملاء - لا سمح الله - من محيطك، أو أن تجلس بجانبهم في مناسبة تتشارك فيها معهم فنجان قهوتك المُرّة، أو أن تبوح بخلجات نفسك، لتُحفظ كلماتك لاحقًا في إحدى خوادم الموساد!